10 août 2011

لا للإحباط

-ماذا تقول بشأن تمكين السيدة العقربي من مغادرة البلاد، وإطلاق سراح الوزير البشير التكاري؟ ثمّ ألا ترى مثلي بعض نقاط استفهام تتراقص أمام ناظريك بخصوص المحاكمات التي تجري والحرص الظاهر على عدم فتح بعض الملفّات حتّى لا تطال المساءلة بعض الرؤوس؟ 
________________________________________

لم تفاجئني هذه الأحداث أو الأفعال , و إنّني لسعيد  لأنّ عمليات التهريب و الهروب و التّخفي و خصوصا مناورات النّهّابين و السرّاق و الفاسدين و ألاعيبهم ظلّت –لحد الآن محدودة ، و تصدّى لها المجتمع و إن بعناء . ذلك أنّه من الطبيعي أن يسعى من انتفعوا من نظام القهر و غنموا من آليات الفساد إلى الحفاظ على أكثر ما يمكن من الأجهزة و الآليات و الممارسات التي بنوها على امتداد أكثر من نصف قرن . و أن يلجؤوا في سعيهم ذلك إلى كلّ أنواع الدّهاء و الخبث و أن لا يتردّدوا في استخدام كل الأسلحة و المناورات . كما أن ما نكتشفه كل يوم من تشرّش منظومات الفساد عميقا في  كلّ جهات البلاد و أنحائها و في كلّ قطاعات الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية يدعونا إلى الاعتقاد أنّ اقتلاع جذور الفساد سيتطلب وقتا طويلا و جهودا مضنية .
ثمّ إنّ الثورة – يا صديقي . لم تكد تنطلق ... صحيح أنّ رأس النظام قد خلع و أن جهازه الأوّل (التجمّع الدستوري الديمقراطي) قد حلّ... و صحيح أنّ أشياء كثيرة قد تغيّرت... لكنّ جوهر النظام السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ما يزال جاثما على البلاد ... ثمّ إنّ السلطة المتهاوية لم تعّوضها بعد سلطة بديلة ديمقراطية... كما أنّنا لم نفلح في رسم خطط واضحة و فعّالة لإنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي... لقد تمّ إسقاط السلطة التشريعية لكنّ السلطة القضائية ظلّت على حالها و تسير وفق مناهج التسيير الفاشلة ذاتها.كما ظلّت السلطة التنفيذية في أساسها في يد متنفّذين قدامى لا مصالح لهم في انتقال حقيقيّ، بل أن منهم من عمل و ما يزال يعمل على تحويل المسار من ثورة شعبية واسعة إلى فعل ثأر و انتقام لبورقيبة ... و الجماهير الشعبية فاجأها نجاحها و أسكرتها سرعة الأحداث ، و ترنّحت تحرّكاتها جرّاء غياب قيادات حقّة... و المعارضة لم تجد سبيلا لتتجاوز نفسها ... و القوى المتشبثة بتلابيب السّلف وجدت تربة خصبة لتترعرع وسقاة أسخياء ... انظر-صديقي- نحن لم نركّز عدالة انتقالية فعّالة ، بل إنّنا لم نركّز عدالة انتقالية بالمرّة ... و حتى ما تم تركيزه من لجان فهي قد بنيت وفق نمط جعلها تولد معوقة ، و محرومة من وسائل الفعل و النجاعة بل و حتّى مسخرّة لكسر أغراضها المعلنة ...
معك حقّ لا شيء يدلّ على أنّ السلطة القضائية و السلطات التنفيذية المؤقتة ، و بعضا من الأحهزة الأمنية ، و لجنة التقصي ترغب حقيقة في المساءلة و المحاسبة و تفكيك الملّفات و المنظومات ... و المحاكمات التي تجري هي بالمهازل أشبه.لكن لا تنسى يا صديقي أنّ مسار الثورة لا يمكن أن يكون خطيّا و أنّ دربها لا يمكن أن يكون هيّنا ... مسار الثورة مدّ و جزر ، و جزر و مدّ ... مسار الثورة صراع و غلبة و خيبات ... مسار الثورة انكسارات و تضحيات و خسائر ثمّ انتصارات ...
ما جرى و ما يجري لا يدفع إلى اليأس و القنوط ... ففيه تأكيد على أنّنا بدأنا نعيش ثورة حقيقيّة، و أنّ تحوّل بلادنا نحو الديمقراطية ممكن و متاح . لو سارت الأمور بصفة هينة لكان علينا أن نتوجّس خيفة و أن نخشى من تكرار ما حدث في 1987 ... ثمّ إنّ في سرعة ردّ الجمهور و بعض من نخب ... و في سرعة انتشارالمعلومة ، و في مسارعة الشباب إلى الشارع لخير ضمان للمواجهة و للمضيّ قدما ...
هروب سيئة الذكر، و عدم متابعة فاسدين لا عدّ لهم، و الخزعبلات القضائية، و تواصل القمع، كلّ هذه هي عوامل تذكي الرغبة في التصدّي، و تبرهن على هلع النهّابين و الجلاّدين و الفاسدين جميعا . و نكتشف أنهم أشباه قزمة من ذلك الذي ألّهوه و أظهرت الأيّام أنه ليس إلاّ بعبعا نفخ فيه وجبان لا أنف له .
صديقي، أنا متفائل... ما زال أمامنا أشواك و معاناة و حتّى بذل دماء ... ولكنّ التحوّل نحو الديمقراطية قد بدأ ... و هؤلاء الشباب و الشابات الذين و اللاتي أعادوا إلينا البسمة و النخوة لن توقفهم المخاذلات و الخيانات و المناورات ... بلادنا ماضية نحو النور و ستخرج دون شكّ من الحلكة ... و هؤلاء الذين يشاركون كلّ بما يستطيع في المخاتلات و الخيانات و المناورات و القذارة أيّا كان موقعهم سينكشفون الواحد بعد الآخر و سيساءلون و يحاسبون و لن يكون لهم من مهرب إلاّ ربّما مهرب القلب الواسع الذي يطبع أهلنا الذين قد يسامحون  و يغفرون و يصفحون و يتجاوزون لكن ليس إلاّ بعد أن يسائلوا و يحاسبوا و يعاقبوا و تشنّف آذانهم  شواهد الاستغفار و طلبات المغفرة و عبارات الندم و المسكنة .

تونس في 9 أوت 2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire