17 oct. 2011

الصادق بن مهني أحد أبرز زعامات اليسار في السبعينات لـ«الصباح» بروز «فاسدين جدد» وتهميش الشباب يقللان من مصداقية انتخابات «التأسيسي» الصباح 15 أكتوبر مع النص الأصلي


هل ينبغي أن توجد دوما أقلية «تغرد خارج السرب»؟ وهل يمكن أن نسمع اليوم سياسيين كانوا في المعارضة في عهدي بورقيبة وبن علي يفكرون في «مقاطعة» الانتخابات يوم 23 أكتوبر القادم رغم مشاركة حوالي 1500 قائمة فيها من «كل الالوان»؟
الاستاذ الصادق بن مهني القيادي اليساري البارز لحركة «العامل التونسي» اليسارية في السبعينات ورفيق حمه الهمامي في محاكمات 1973/1974 للقيادات الماركسية ووالد الناشطة «لينا بن مهني» (التي ترشحت لجائزة نوبل) طور موقفه من مساند متحمس لانتخابات التاسيسي الى معارض لها بقوة.. منتقدا «تعويم البلاد بالاحزاب والقائمات» وانتشار «فاسدين جدد» وتمييع ملفات «الفاسدين» المورطين في مرحلة ما قبل ثورة 14 جانفي؟
في هذا الحوار الصحفي مزيد من التفاصيل:

الصادق بن مهني كان من بين السجناء السياسيين البارزين في السبعينات.. وقد قضيت 6 اعوام بين سجون بورقيبة.. كيف تعيش اجواء التحضيرات لانتخابات 23 اكتوبر بعد عقود من «التهميش السياسي» للمعارضين قبل نوفمبر 1987 وبعده؟

طوال عمري وأنا أحلم بأن يجيء يوم أكتسب فيه حق الاقتراع وحق أن أمشي إلى صندوق الانتخابات واثق الخطوة وفي خيلاء وطمأنينة.
طوال عمري وأنا أحلم بأن أتيقن ذات انتخاب من أن الانتخاب انتخابٌ حق، وأن من واجبي أن لا أغبن لا نفسي ولا المترشحين ولا انتمائي بأن لا أسير إلى الصندوق.
ولكنني أنا المشرف على خريف العمر لم أحظ، لحد الساعة، ولو مرة بفرصة ولو نسبية، لأسهم في انتخابات وطنية أكون مقتنعا بجديتها، وسلامة طوية المشرفين على تنظيمها، ويكون فيها تنافس حق، وتخرج عن نطاق المهازل والمسخرات.
ففي، عهديْ الجمهورية الأولى لم تكن الانتخابات الوطنية إلا مسخرات سيئة الإخراج، لا تشعرك المشاركة فيها بأنك تحظى بحق المواطنة وتؤدي واجبها...
ثم قاطعتها أواخر العهد الثاني عهد السارق الباغي..
ورأيت في الامتناع أفضل منهج للتعبير عن عدم اصطفافي وتمسكي بمواطنة حقة وبانتخابات حرة، خصوصا أن تزوير الانتخابات كان يحول دون أن تحوز أية ممارسة أخرى مثل التصويت الأبيض أي اعتبار.

لكن ألم تتغير الأوضاع بعد 14 جانفي؟

بعد 14 جانفي 2011، انضممت، من موقعي كمواطن بسيط، إلى صف المنادين بجمهورية ثانية ونظام جديد، وناديتُ منذ الساعات الأولى إلى انتخابات تأسيسية.
تشهد لي على ذلك نقاشاتي في القصبة ووقوفي أمام أبواب مجلس النواب مع ثلة من المناضلين يوم مهزلة الاجتماع الأخير لـ»نواب الأمة» الذين لم ينوبهم الناس أبدا، ثم لحاقي بنخبة من المواطنين تظاهروا قرب قصر قرطاج وقابل نواب عنهم الوزير الأول المؤقت حينذاك السيد محمد الغنوشي، وكان مطلبهم الأهم الإعلان عن انتخابات التأسيسي...
ولكنني إلى ذلك اخترت أن أنشط أولا وأساسا ضمن تعبيرات المجتمع المدني غير المتحزبة وغير المصطفة إيديولوجيا وسياسيا، وكمدون على الشبكة الإلكترونية، وعبر التدخل في وسائل الإعلام...

إغراق البلاد بالأحزا ب والقائمات

ما هي تحفظاتك الرئيسية إذن؟

لم أتوان أن أنتبه إلى زحف الزاحفين من هنا وهنالك الذين يسعون إلى ضرب التأسيسي: هذا بالعمل على إغراقه بالأحزاب والقائمات والقذرين، وذاك بتحقيره وتقزيمه والمناداة إلى انتخابات رئاسية على حدة، وإلى تقييد مهام المجلس التأسيسي باستفتاءات قدوها من أوهامهم ومن رغباتهم، وتلك أقصد السلطة المؤقتة التي لولا الشعب لما كانت تسعى إلى التعملق والتغول وتنصب نفسها جلالة فوق الجميع وملكةً للحق والفعل والثورة... وفي ذلك كتبت وتكلّمت... ولعل كثيرا مما شحذ فعلي هذا يكمن تفسيره في عبوري من اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، التي قرأت فيها خيرا وحسبتها انطلاقة ونواة لعدالة انتقالية حقة فوجدتها «خدعة وخزعبلات» واستمرارا لعهد قديم يُقاوم زواله.
نقاط استفهام خطيرة؟

لكن البعض يعتبر أن المسار العام سليم وان الانتخابات ستعيد الشرعية الى مؤسسات الدولة والبلاد؟

كنت أعتقد ذلك لكن الأيام الأخيرة غذت لدي أسئلة هائلة: لماذا كل هذا التهالك على وفاقات سابقة لأوانها؟ ولماذا تم حل التجمع بذلك اليسر المذهل ولكن مع الامتناع عن أي فعل محاسبة وتجميع وثائق ومصادرة بينة؟ ولماذا تم القبول بتوالد كل هذه الأحزاب المتشابهة رغم أنها تقول بالمرجعية ذاتها وأن في قياداتها كثيرون ممن هم موضوع مساءلة وممن لا شك أنهم سيكونون موضوع مساءلة لو انتصبت في البلاد عدالة حقة؟
لماذا كل هذا التباطؤ في المحاكمات؟ ولماذا عطلت أعمال اللجنة التي تحقق في الانتهاكات؟ ولماذا يحرص الرئيس المؤقت على رعاية اللجنة التي من المفروض أنها تحقق في الفساد رغم أن أكثر من طرف وأكثر من هيئة وما يسود في الرأي العام لا يقبلون بها ويطعنون في عملها؟
ولماذا تحولت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي إلى هيئة يكاد يحكمها فرد بصفة مطلقة، وإلى مهرجان خطابي لا فعل يرجى منه، وقبلت عن شبه طواعية بأن تقص أجنحتها وتقلم أظافرها وتقزم، ثم سارعت حثيثا إلى إنهاء وجودها؟

وماذا تم بعد تأجيل انتخابات التأسيسي خلال النصف الأول من شهر أوت من مناورات وتوافقات وتفاهمات ومقاسمات؟
ولماذا عادت عصا القمع الغليظة والهمجية وغازاتها السامة إلى الشوارع يوم 15 أوت واستهدفت أولا وأخيرا الشباب؟
ولماذا بدا أن لا شيء يهم من لا يزالون يسمون أنفسهم بالنخبة والقيادات سوى عدد الكراسي التي قد يحصلون عليها؟
ولماذا تهافت الغرب والشرق علينا بمستشاريهم وأموالهم وأذيالهم؟ ولماذا بدا بعض من التونسيين وكأنهم ورثة قارون؟ ولماذا نسي مناضلون قدامى أفكارهم ومقولاتهم وارتموا في أحضان المال لا يهمهم لا كيف تجمع ولا ما هواه؟ ولماذا سكتوا عن المعتدين والمتوعدين وشاحذي السكاكين المتَرصدين ببناتنا وحريتنا؟

الشباب لا ينتظر شيئا من الانتخابات؟

ألا تعتبر أن الانتخابات فرصة للشاب لفرض ممثليه في الحكومة القادمة؟

هذا السؤال وغيره من التساؤلات السابقة تنخر قناعتي بالانتخابات... ونظرة الشباب اليها.. والتي تكشف ان تيارا عريضا منه لا ينتظر شيئا كبيرا من الانتخابات..
لقد رافقت ابنتي (لينا بن مهني) »بنية تونسية «- إلى مهرجان الكتاب بـ»موانس-سارتو» بجنوب فرنسا وسمعتها في حوار مع يوسف الصديق وستيفان هيسال وغيرهما، ثم في حوار مع يوسف الصديق وسارج مواتي تعبر عن مخاوفها ويأسها من الانتخابات وتؤكد أنها لم تعد تنتظر منها شيئا ولذا فهي لن تشارك فيها... ورأيت كيف كان رد فعل عديد الفرنسيين على ما قالته لينا رغم أنه من البين أنهم يعشقونها كثيرا ويحترمون نضالها كثيرا- مستغربا ومستنكرا وغير فاهم وكالمذهول: ففي الغرب يقدسون الانتخابات ويرون فيها واجبا وطنيا لا مناص من أدائه، ثم إنه يخيل إليهم أن أهم تجسيد لنجاح الثورة هو إجراء الانتخابات.
وحاورت «لينا»... ودافعت عن ضرورة المشاركة و»السير وراء السارق حتى باب المسكن» على رأي يوسف الصديق... وفكرت في أن الحل قد يكون في الورقة البيضاء كما قالته لي فرنسية أصلها من رادس ودرست بقرمبالية.

ظهور فاسدين جدد؟

الا ترى أن في موقفك نوع من «العدمية» والمبالغة؟

يحز في نفسي أن لا أسير إلى مكتب التصويت يوم الاقتراع وباختياري..
لكن شعاعا انطلق إلى وعيي فجأة و من حيث لا أدري وجعلني أتساءل: بتشكيلة القائمات التي عرفتها جدراننا هذه الأيام، وتحت وطأة الهيئات الرسمية المؤقتة التي تناست من نصبها وتعملقت وتغولت على الشعب وعادته، وفي ظل تهافت الأحزاب والمنظمات على خيالات نفوذ، وفي مناخ فاسد بتواصل الفساد والتستر على الفاسدين وبظهور فاسدين جدد وفساد جديد، ومع انعدام الشفافية وكثرة التحركات التي تجري وراء الحُجُب أو في الظل كما يقولون، هنا في تونس وخارج تونس، وحيث أن الصحافة لا تزال مثقلة بالمعرقلات أو في أيدي حريصين على العود إلى ما قبل 14 جانفي، وحيث يسكت غالبية من لهم مصلحة في انتقال ديمقراطي حقيقي من رجال أعمال ومستثمرين ومثقفين وجامعيين وطبقات وسطى وتقدميين، أو ينجرون إلى وهم يتشبّثون به، هل يصح أن نعتقد أن انتخابات التأسيسي ستجرى في مناخ سلمي وسليم، وأنها انتخابات نزيهة وشفافة، وأنها ليست ولن تكون مجرد مسخرة أخرى بنفسجية الوقع وإن تلونت بألوان الطيف جميعا؟ وهل يمكن أن ننتظر من 23 أكتوبر أن يكون يوم ميلاد تونس جديدة؟
وإذ كبر السؤال حتى ملأني فإنني أقول: من الأرجح أنني لن أقترع! أنا لن أنادي الناس إلى أن لا يقترعوا... ولكن من الأرجح أنني شخصيا لن أقترع!
.. أليس صحيحا أنه من الأفضل دائما أن تظل قلة «تغرد خارج السرب»؟!

النّص الأصلي الكامل 

نعم ..من الأرجح أننّي أنا أيضا  لن أصوّت  
بقلم الصادق بن مهني
 
طوال عمري وأنا أحلم بأن يجيء يوم أكتسب فيه حقّ الاقتراع وحقّ أن أمشي إلى صندوق الانتخابات واثق الخطو وفي خيلاء وطمأنينة.
طوال عمري وأنا أحلم بأن أوقن ذات انتخاب أن الانتخاب انتخابٌ حقّ، وأنّ من واجبي أن لا أغبن لا نفسي ولا المترشحين ولا انتمائي بأن لا أسير إلى الصندوق.
ولكنّني أنا المشرف على خريف العمر لم أحظ، لحدّ الساعة، ولو مرّة بفرصة ولو نسبية، لأسهم في انتخابات وطنية أكون مقتنعا بجدّيتها، وسلامة طويّة المشرفين على تنظيمها، ويكون فيها تنافس حقّ، وتخرج عن نطاق المهازل والمسخرات.
ففي، عهديْ الجمهورية الأولى لم تكن الانتخابات الوطنية إلاّ مسخرات سيئة الإخراج، لا تشعرك المشاركة فيها بأنك تحظى بحقّ المواطنة وتؤدّي واجبها... ولذلك قاطعتها عندما كان في وسعي أن أشارك فيها : قاطعتها شابا يافعا في عهد باني الدكتاتورية... ثمّ أغلق أمامي باب المشاركة فيها في العهدين... ثمّ قاطعتها أواخر العهد الثاني عهد السارق الباغي : سعيتُ مرّة للحصول على بطاقة الانتخاب فمُنِعتْ عنّي وكنت مسجّلا ؛ ووصلتني البطاقة مرّة حتّى صندوق بريد منزلي، وخوطبت بما يسوّغ المشاركة بل بما يهدّد بشرور في حال الامتناع عن المشاركة. ولكنّني امتنعت... وأظهرت امتناعي...
ورأيت في الامتناع أفضل منهج للتعبير عن عدم اصطفافي وتمسّكي بمواطنة حقّة وبانتخابات حرّة، خصوصا  أن تزوير الانتخابات كان يحول دون أن تحوز أيّة ممارسة أخرى مثل التصويت الأبيض أيّ اعتبار.
وبعد 14 جانفي 2011، انضممت، من موقعي كمواطن بسيط لا يدّعي لا أنّه من الفاعلين والمؤثّرين ولا أنّه من الساسة والقيادات، إلى صفّ المنادين بجمهورية ثانية ونظام جديد، وناديتُ منذ الساعات الأولى إلى انتخابات تأسيسية. تشهد لي على ذلك نقاشاتي في القصبة ووقوفي أمام أبواب مجلس النّواب مع ثلّة من المناضلين يوم مهزلة الاجتماع الأخير  "لنوّاب الأمّة" الذين لم يَنوبهم النّاس أبدا، ثمّ لحاقي بنخبة من المواطنين تظاهروا قرب قصر قرطاج وقابل نوّاب عنهم الوزير الأوّل المؤقت حينذاك السيد محمّد الغنوشي، وكان مطلبهم الأهمّ الإعلان عن انتخابات التأسيسي... ومن الموقع ذاته، موقع المواطنة القاعدية لكن المتحمّسة لأداء دورها، ناديت بعدالة انتقالية، وقبلت مع من قبل، بمرحلة انتقالية ومؤسسات انتقالية مؤقتة، ودعمت الهيئات التي بدت لي، حينها، مؤهّلة للتحوّل إلى هيئات انتقال ديمقراطي حقّ...
ولكنّني إلى ذلك اخترت أن أنشط أوّلا وأساسا ضمن تعبيرات المجتمع المدني غير المتحزّبة وغير المصطفّة اِيديولوجيا وسياسيا، وكمدوّن على الشبكة الإلكترونية، وعبر التدخّل في وسائل الإعلام...
وعندما تمّ إقرار الانتخابات التأسيسية اعتبرت أنّ الحراك الشعبي وانتفاضة الشباب بدآ يتحوّلان فعلا إلى ثورة تتقدّم...
وصرتُ فرحا جذلان بأنّني سأشارك النّاس عملا مؤسّسا لا يخيّل لي أن شعبنا قد مارسه ولو لمرّة...
وانخرطت، مع من انخرطوا، في حملات التفسير والشّرح، وحملات التّوعية، وأعطتني نساء اِنضممن في جمعية  "التزام ومواطنة" فرصا رائعة لأخاطب العاملات والعملة في عدد من المؤسسات والمصانع والورش...
لكنّني رغم جذلي لم أتوان أنتبه إلى زحف الزاحفين من هنا وهنالك يسعون إلى ضرب التأسيس : هذا بالعمل على إغراقه بالأحزاب والقائمات والقذرين، وذاك بتحقيره وتقزيمه والمناداة إلى انتخابات رئاسية على حدة، وإلى تقييد مهامّ المجلس التأسيسي باستفتاءات قدّوها من أوهامهم ومن رغباتهم الخسيسة، وتلك –أقصد السلطة المؤقّتة التي لولا الشعب لما كانت – تسعى إلى التعملق والتغوّل وتنصّب نفسها جلالة فوق الجميع وملكةً للحقّ والفعل والثورة... وفي ذلك كتبت وتكلّمت... ولعلّ كثيرا ممّا شحذ فعلي هذا يكمن تفسيره في عبوري من اللجنة الوطنية  لتقصّي الحقائق حول الفساد والرشوة، التي قرأت فيها خيرا وحسبتها انطلاقة ونواة  لعدالة انتقالية حقّة فوجدتها خدعة وخزعبلات واستمرارا لعهد قديم يُقاوم زواله. كما حفزتني على ذلك، ولا شكّ، الحوارات الصريحة التي جرت وتجري ضمن الشبكة الوطنية لمقاومة الفساد، وما تعلّمته من بعض من مشاركاتي مع الهيئة المكلّفة بمقاومة الفساد التابعة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ومخاطبتي لبعض من الفاعلين ضمن منظّمة الشفافية الدّولية...
وممّا يثير سعادتي أيضا أنّني ساندت مبادرة ميثاق 20 مارس التي تحوّلت إلى حركة "دستورنا" منذ نشأتها إلى اليوم، وإن لم أنتم إليها.
ولقد سجّلت نفسي ضمن القائمات الانتخابية منذ أوّل يوم... وناديتُ إلى التسجيل وحثثت عليه...
ووجدت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات جسما فعّالا ونزيها ومجتهدا.
لكنّ الأيّام الأخيرة غذّت لديّ أسئلة هائلة :
·       لماذا كلّ هذا التهالك على وفاقات سابقة لأوانها ؟ ولماذا تمّ حلّ التجمّع بذلك اليسر المذهل ولكن مع الامتناع عن أيّ فعل محاسبة وتجميع وثائق ومصادرة بيّنة ؟ ولماذا تمّ القبول بتوالد كلّ هذه الأحزاب المسخة والمتشابهة رغم أنّها تقول بالمرجعية ذاتها وأنّ في قياداتها كثيرون ممّن هم موضوع مساءلة وممّن لا شكّ أنّهم سيكونون موضوع مساءلة لو انتصبت في البلاد عدالة حقّة ؟
·       لماذا كلّ هذا التباطؤ في المحاكمات ؟ ولماذا عطّلت أعمال اللجنة التي تحقّق في الانتهاكات ؟ ولماذا يحرص الرئيس المؤقّت على رعاية اللّجنة التي من المفروض أنّها تحقّق في الفساد رغم أنّ أكثر من طرف وأكثر من هيئة وما يسود في الرأي العام لا يقبلون بها ويطعنون في عملها ؟
·       ولماذا تحوّلت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي إلى هيئة يكاد يحكمها فرد بصفة مطلقة، وإلى مهرجان خطابي لا فعل يرجى منه، وقبلت عن شبه طواعية بأن تقصّ أجنحتها وتقلّم أظافرها وتقزّم، ثمّ سارعت حثيثا إلى إنهاء وجودها ؟
·       وماذا تمّ بعد تأجيل انتخابات التأسيسي وخلال النصف الأوّل من شهر أوت من مناورات وتوافقات وتفاهمات ومقاسمات؟ ولماذا عادت عصا القمع الغليظة والهمجية وغازاتها السامة إلى الشوارع يوم 15 أوت واستهدفت أوّلا وأخيرا أولئك الشباب ومناصروهم الذين أصرّوا على أنّ الثورة لهم والشارع لهم وأن لا أحد من حقّه أن يمنعهم أن يفكّروا كما يريدون وأن يقولوا ما يريدون وأن يتجمّعوا حيث يريدون ؟
·       ولماذا أكثر الوزير الأوّل في الحكومة المؤقّتة من إيحاءاته وتلميحاته سيئة الأثر حول الانفلاتات بأنواعها، ومن اتّهاماته  لهذا وذاك دون تسمية ؛ ولماذا حرص على أن يبدو وكأنّه يصرّ على استثارة هذا وذاك : الإعلام والأمن وبعض الأحزاب والشباب وبعض الجهات ؟
·       ولماذا سكت عديدون : أحزابا ومنظمات وهيئات وجمعيات عن استشراء الفساد، وعن القوى الخفية التي تعمل من وراء الحجب، وعن قوى الردّة وقوى الظلام التي لا تنفك تهاجم وتعتدي ؟ ولماذا بدا أن لا شيء يهمّ من ما يزالون يسمون أنفسهم بالنخبة والقيادات سوى عدد الكراسي التي قد يحصلون عليها ؟ حتّى أنّهم لم يبدوا اهتماما، بدعم الحرّيات ولم يناصروا جهد المجتمع المدني المصرّ على الصمود والمقاومة، وبدوا كأنّ ما يستهلك جلّ وقتهم هو الحسابات الانتخابية وحدها ؟
·       ولماذا تهافت الغرب والشرق علينا بمستشاريهم وأموالهم وأذيالهم ؟  ولماذا بدا بعض من التونسيين وكأنهم ورثة قارون ؟ ولماذا نسي مناضلون قدامى أفكارهم ومقولاتهم وارتموا في أحضان المال لا يهمّهم لا كيف تجمّع ولا ما هواه ؟ ولماذا سكتوا عن المعتدين والمتوعّدين وشاحذي السكاكين المتَرصّدين ببناتنا وحرّيتنا ؟
·       ولماذا يوجد حرص بيّن على استبعاد الشباب والنساء ؟
·       ولماذا ؟ ...ولماذا؟... ولماذا؟...
 
هذه الأسئلة وغيرها بدأت تنخر قناعتي بالانتخابات...
ثم، اضطرارا، رافقت بنتي –بنيّة تونسية- إلى مهرجان الكتاب ب"موانس-سارتو" بجنوب فرنسا وسمعتها في حوار مع يوسف الصّديق وستيفان هيسال وغيرهما، ثمّ في حوار مع يوسف الصّديق وسارج مواتي وغيرهما تعبّر عن مخاوفها ويأسها من الانتخابات وتؤكّد أنّها لم تعد تنتظر منها شيئا ولذا فهي لن تشارك فيها... ورأيت كيف كان ردّ فعل عديد الفرنسيين على ما قالته لينا –رغم أنّه من البيّن أنهم يعشقونها كثيرا ويحترمون نضالها كثيرا- مستغربا ومستنكرا وغير فاهم  وكالمذهول : فهم في الغرب يقدّسون الانتخابات ويرون فيها واجبا وطنيا لا مناصّ من أدائه، ثمّ إنّه يخيّل إليهم أن أهمّ تجسيد لنجاح الثورة هو إجراء الانتخابات.
وحاورت لينا... ودافعت عن ضرورة المشاركة و"السير وراء السارق حتّى باب المسكن" على رأي يوسف الصّديق... وفكّرت في أنّ الحلّ قد يكون في الورقة البيضاء كما قالته لي فرنسية أصلها من رادس ودرّست بقرمبالية.
كما حزّ في نفسي أن لا أسير إلى مكتب الاقتراع يوم الاقتراع وباختياري..
لكنّ شعاعا انطلق إلى وعيي فجأة و من حيث لا أدري وجعلني أتساءل : بتشكيلة القائمات التي عرفتها جدراننا هذه الأيّام، وتحت وطأة الهيئات الرسمية المؤقّتة التي تناست من نصبها وتعملقت وتغوّلت على الشعب وعادته، وفي ظلّ تهافت الأحزاب والمنظمات على خيالات نفوذ، وفي مناخ فاسد بتواصل الفساد والتستّر على الفاسدين وبظهور فاسدين جدد وفساد جديد، ومع انعدام الشفافية وكثرة التحرّكات التي تجري وراء الحُجُب أو في الظلّ كما يقولون، هنا في تونس وخارج تونس، وحيث أن الصّحافة لا تزال مثقلة بالمعرقلات أو في يد حريصين على العود إلى ما قبل 14 جانفي، وحيث يسكت غالبية من لهم مصلحة في انتقال ديمقراطيّ حقيقي من رجال وأعمال ومستثمرين ومثقفين. وجامعيين  وطبقات وسطى وتقدميين، أو ينجرّون إلى وهم يتشبّثون به، هل يصحّ أن نعتقد أن انتخابات التأسيسي ستجرى في مناخ سلميّ وسليم، وأنّها انتخابات نزيهة وشفافة، وأنّها ليست ولن تكون مجرّد مسخرة أخرى بنفسجية الوقع وإن تلوّنت بألوان الطيف جميعا ؟ وهل يمكن أن ننتظر  من 23 أكتوبر أن يكون يوم ميلاد تونس جديدة ؟
وإذ كبر السؤال حتّى ملأني فإنّني أقول : من الأرجح أنّني لن أقترع ! أنا لن أنادي الناس إلى أن لا يقترعوا... ولكن من الأرجح أنّني شخصيا لن أقترع !
وإنّني لأرجو من أصدقائي، هنا وهنالك، أن يتفهّموا موقفي هذا، ويجدوا له الأعذار.
ثمّ أليس صحيحا أنّه من الأفضل دائما أن تظلّ قلّة تغرّد خارج السرب ؟!.
 
 
                                                                 الصادق بن مهني
                                                               11 أكتوبر 20011

2 commentaires:

  1. شركة أوائل القطيف للخدمات المنزليه الشيقة التى طالما بحث عنها الكثير من العملاء ولم يجدو الشركة التى قد تستطيع حل شكلتهم بالكامل ولأنهم كثر بحثهم عن افضل شركة تسليك مجارى بالقطيف
    بالقطيف فها هى الشركة الأفضل بالمملكة

    RépondreSupprimer
  2. اذا اردت شركة لتنظيف مجالس منزك الكريم باحترافيه اذاً لا تتعامل الامع ركن سيف لتنظيف مجالس المنازل شركة تنظيف مجالس بالرياض

    RépondreSupprimer