3 févr. 2013

ثور يا صادق ثور

أيّام الدّراسة بالمعهد الثّانوي بقابس – وكنت بيّاتا بالمعهد الفنّي – كنت من أولئك الذين يسهرون طويلا ويعسر عليهم أن ينهضوا باكرا . وكان رفيقي بالمعهد ، ساكن السّرير العلويّ ،على عكسي، ولذلك كان يسعى كلّ صباح لإيقاظي بأن يهزّني هزّا ويناديني : "ثور يا صادق ، ثور ."
وبعد ذلك بسنوات طويلة التقيت رفيقي  - إيّاه- وأنا خارج للتّوّ من جامعة برج الرّومي... عانقني بحرارة وهمس في أذني : " أعتقد أنّ سوء تفاهم قد حصل بيننا ... حين كنت أناديك لأن تثور. لم يكن في خاطري فعل الثّورة بل أن تنهض ... من نومك "
قفزت إلى ذاكرتي هذه "الطّرفة"( ولم تكن طرفة بل واقعة) وأنا في طريقي إلى محاكمة "زواولة"بقابس .
ومعها قفزت كلّ التّساؤلات التي غدوت أسمعها كلّ يوم حتّى أرهقتني بل أنهكتني :" هل أنجزنا ثورة ؟ ألم تكن مجرّد انتفاضة ؟ بل ألم تكن تضافر أفعال أهمّها مؤامرة أو انقلاب ؟ وألم يكن العامل الخارجي هو المحدّد ؟ وألم نكن على حال أحسن من قبل ؟...إلخ"
لن أجيب على هذه التّساؤلات هنا ، بل إنّني سألامس بعضها وأجدّد دعوة رفيقي في الثّانوي: "ألا انهضوا يا شباب تونس واستمرّوا ، استمرّوا فالقمر في متناول أياديكم ." ألا انهضوا  من النّهوض وضدّه القعود ، وليس من نهضة همّها أن تخضعنا للأجداث و"العبابث" والكتب  البالية .ألا ثوروا- ثوروا – ثمّ ثوروا ، واستمرّوا : بدأتم وأفلحتم ، وائتمنتمونا فخذلناكم – لكن الغد - بل اليوم – في أيديكم ،حناجركم ،لوحات حواسيبكم ، تظاهركم،اعتصاماتكم ،أشعاركم ، رسومكم ، مسلسلاتكم المصوّرة ، فديوهاتكم ، قرافيتيكم ، مسرحيّاتكم ، إبداعاتكم وإن حسبها الخاسئون كفرا .ألا تجاوزونا ولا تقدّمونا بل سخّرونا : أنتم النّخبة والحقّ والصّدق والتّطلّع والفلاح ، وأفضل من فينا لا يصلح إلّا أن يكون جنديّا في خدمتكم ... فلتبدعوا ، ولتنتفضوا ولتفاجئونا مرّة أخرى بل مرّات ومرّات ، ولترفضوا نزوعنا إلى الإحباط والتّفلسف المرضيّ  والتشاؤم أو حتّى التّـشاؤل ".
القضية لم تعد قضيّة " شغل  وحرية وكرامة وطنية " فحسب . القضية غدت مسألة بقاء  .والسّؤال المطروح صار ك:هل نحن حقّا جديرون بأن نكون  إنسا كالإنسانية  جمعاء      و مواطنين كاملي المواطنة كما حلمنا ؟
القضية يا بناتي وأخواتي ويا أبنائي وإخوتي يا أيها السّاعون إلى الشّمس والسّاعيات إلى الجنّة الحقّة ، القضية غدت الآن تمسّ كياننا وبقاءنا وجدارتنا بأن ننتمي فعلا إلى الجنس البشريّ ، وأن لا نداس بالنّعال ، وأن لا نهان كلّ يوم ولحظة في بلدنا وأطفالنا وتاريخنا وإرثنا وحقوقنا ، وأن لا نتحوّل جواري– غلمانا – تابعين – عبيدا- سريّات ، وأن لا تكمّم أفواهنا وتقطّع أصابعنا ويقيّدنا هؤلاء القادمون إلينا من قصور أوروبا وبول بعير  الأعراب من خلاف ، وتكسّر أقلامنا وألسنتنا ... القضية أضحت يا أعزّائي  - عزيزاتي أن نحفظ قليلا من ماء وجهنا وأن ننفض عن وطننا هؤلاء الجهلوت – المرضى الخارجين من ظلمات الدّهور المتمترسين وراء الدّولار ...
من قبل كنت ألعن الزّمن والظّروف وقلّة وعيي وخور عزيمتي لأنّني لم أكافح كفاية حتّى تواصل أخواتي كلّهنّ دراستهنّ ... من قبل كنت ألوم نفسي على تقصير إزاء الأخوات – الصّديقات – الرّفيقات - الحبيبات -  زوجتي ، لأنّي لم أعاملهنّ أحيانا ككاملات لا كمكمّلات ...
واليوم ها أنّني أرى كلّما تحقّق يراد هدمه ودحره وطمره ... وأرى صغيرات في عمر الورد المتفتّح يوأدن بالحياة ، في جلابيب حالكة ، يتصيّدهنّ شيوخ الشّبق في سنّ التّاسعة ، ويراد لهنّ أن يكنّ مجرّد خديمات – متع -  خنوعات ... وأرى عسفا وقهرا وقيودا وخسفا وإيذاء ...
أرى أمّي - خالتك - عمّتك – بناتنا  - أخواتكم – زوجاتنا – رفيقات دربكم يرمين في غياهب الجهل والتّحقير ... أرانا نساق جميعا رعايا بلا إرادة ولا قدر ، أرانا نعصر ونؤكل أحياء ...
أفهل هذا قدرنا نحن من هبّ بناتن
ا وأبناؤنا يسخّرون القدر لإرادتهم ؟
ألا ثوروا وتمرّدن والفظوهم وعاندن الزّمن الماكر ... واستمرّوا .

مقال في ضد الشلطة بتاريخ ٢ فيفري 2013 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire