13 mai 2017

إلى السيد وزير العدل: دعوتكم كرم منكم ولكنّني... أصدّها


إلى السّادة المحامين المعنيّين بإفشال فضيحة " المصالحة " :

ألا يوجد مدخل قانونيّ لمقاضاة رئاسة الجمهورية إمّا بعنوان مؤاخذة على عدم مراعاة الصّالح العامّ" و الإصرار على رفض مقاومة الفساد و مخالفة الدّسور و القوانين الدّولية في ذلك و إمّا بعنوان عجز مرضيّ عن الّتّمييز يتناقض و واجبات الوظيف ؟
أما زال يوجد أحد يتذكّر كيف جيىء بالباجي إلى الحكم ؟ يخيّل لي أنّ ما نعيشه اليوم ليس استتباعات أو محطّات على درب بدأ يومها ،درب وأد الحلم . كما أحسب أنّ الباجي نفسه لم يكن يقدّر المطلوب منه حقّ قدره . لكنّ عوامل إغراء السّلطة و شيئا في الطّبع و وهن العمر و تشبّها في غير محلّه دفعته ليمضي حتّى أبعد ممّا كان مرغوبا فيه منه.

الخنفوسة

"عندنا في جربه خنفساء تسمّى " خنفوسة بزّاطة "تعرف "بصحّة الرّأس" فهي كلّما طردتها و حوّلت وجهتها إلاّ و عادت إلى الاتّجاه الّذي كانت فيه ثابتة على إصرارها متشبّثة بعنادها و إن لم تجن منه إلاّ الخسران .
تذكّرت هذه الخنفساء و أنا أرى متهافتين يتعنّتون على دفع "زميمهم" إلى هاوية التّاريخ بإصرارهم رغم تكرّر الخذلان على إصدار صكّ غفران غير مشروط و خصوصا غير عادل .
إن كان ما يزال في دمكم شيء من حياء و إن كنتم تبحثون عن مكسب يغنيكم فلتوجّهوا سعيكم حيث يشير الشّباب : " سيّبوا قائمة الشّهداء و الجرحى " و حاكموا بإنصاف القتلة و آمريهم ونادوهم لأن يعتذروا و تصدّوا للفاسدين و فكّكوا منظومات الفساد و قرّبوا بين النّاس عن حقّ 
و كفّوا عن استغباء من لستم شيئا بدونهم .
أعرف أنّني أنادي في واد غير ذي زرع .
لا مصالحة دون محاسبة .
سيّيب القائمة ."

الدقّ في الدّرباله حرام

يوجد مثل شائع الاستعمال تبادر إلى ذهني الآن رغم أنّي لا أفقه معناه بالضّبط . يقول هذا المثل : " الدقّ في الدّرباله حرام ."
أنا من جماعة تربّت على النّقد الذّاتيّ و مراجعة النّفس باستمرار..و ادّعينا أنّنا نمارس أيضا النّقد المتواصل ... لكنّنا في واقع الأمر كنّا نتجنّب النّقد أو لا نستطيعه كلّما تعلّق الأمر برموزنا أو بمناضلينا أو بمن نحسّ أنّ لهم علينا فضل ...
لذلك صعب عليّ أن أكتب ما سأكتب . و أجّلت الكتابة خمسة أيّام كي أتثبّت من قراري بأن أكتب و حتّى لا أكتب و أنا تحت تأثير الحنق .
الخميس الماضي التحقت ببعض من عائلات الشّهداء في أحد احتجاجاتهم ينادون فيه بإصدار القائمة الرّسمية للشّهداء الّتي لم يعودوا يطيقون صبرا على انتظارها .
وجدت واحدا ممّن اعتبرتهم منذ محاكمتي أمن الدّولة سنتي 1974 و 1975 رموزا للدّفاع المستقلّ و الشّجاع يخاطب العائلات بكثير من الترفّع و المناورة بل و بشيء بدا لي كالاحتقار
أو الاستبداد و يعمل جاهدا على الانفراد بوسائل الإعلام الّتي جاءت في الأصل لهم و ليس له هو و يطيل خطابا فيه هروب من أصل الموضوع و عمق المطالبة و فيه نفحات بل لفحات ممّا اعتدناه قبل الثّورة وبعدها من صلف و ديماغوجيا وعنجهية و تغابي " المسئولين " و فيه كبرياء متضخّمة و عنف معنويّ مستبطن و مبطّن وفيه تبرير ليس لائقا لا بأمثاله و لا بمقامه و لا بوقوفه في حضرة من أتوا و لهم فيه أمل و لا أقول رجاء...
كان يثرثر و يروي مرّات و مرّات تفاصيل " فضله " على الواقفين قبالته وكيف أنّه " أكمل " عمله بل و يقول ما يظهرهم كناكري معروف يكافئون الجميل بالإساءة ...بل إنّه مضى حتّى ليبدي " منّه " عليهم بتذكيرهم أنّه كلّف نفسه حتّى عناء زيارتهم في منازلهم و منحهم من وقته و جهده ... و كمن يمتلك الحقيقة الحقّة وحده و في شيء من التنصّل و التّهرّب و المناورة كرّر عليهم مرّات و مرّات أنّ " مشمولاته تنحصر في وضع القائمة " أمّا إصدارها فليس شأنه " ... و بعنجهية كنت أخالها غريبة عنه قال لهم أن ليس لهم شيء عنده و أنّهم أخطأوا العنوان و أنّ عليهم أن يطلبوا ما يطلبونه من " رئاسة الحكومة " أو أن يتظلّموا لدى المحكمة الإدارية ...
و خلال كلّ ذلك لم يكفّ عن التّذمّر و التّأفّف و لعب دور المظلوم المعتدى على شخصه و مقامه و حقوقه مردّدا " ما تقاطعونيش " و " خلّوني نتكلّم " فيما أنّه لم ينفكّ يسترسل في خطابه التّبريريّ و يمجّد نفسه ...
هي كلمة صعبة عليّ و لكنّي سأستعملها : ففي حضرة الشّهداء لا يصحّ التّردّد و لا تستوي المجاملة ... أشفقت على الرّجل و أشفقت على نفسي أنا الّذي يضعه موضع " تقديس "...
حاولت أن أجعله يتوقّف عن هذيانه ... حاولت أن أسمعه ما يفهم منه أنّ عليه أن لا يعاند و يتكبّر و يظلّ يمارس سلطانه و سلطته و أنّه من الأنسب أن يجعل صدره رحبا و نفسه سهلا للواقفين أمامه و قد دام صبرهم دهرا و ما تزال لوعتهم تقضّ مضاجعهم كلّ يوم و ليلة... حاولت أن أجعله ينتبه إلى نفسه و إلى خطابه و إلى الظّرف الّذي نحن فيه : قلت له إنّ نضاله المديد يجب أن يدفعه إلى خطاب غير الخطاب و أنّ ما نحن بصدده أهمذ من قانون من الأنسب لهأن يطلب تعديله لا أن يتعلّل به و يختبئ وراءه. و أضفت : " أفزعني ما أسمع منك و أنا واحد ممّن استفادوا من صولاتك إذ دافعت عنّي "... فما كان منه إلاّ أن انقضّ على كلمتي ليسأل : " خذيتش عليك فلوس ؟ ما تقاطعنيش " و" آشكونك إنت ؟ من عايلة أشكون ( يقصد من الشّهداء ) ؟
عندها أشفقت على نفسي : ها أنّ متطوّعا قبل أكثر من أربعين عاما يحاججك بتطوّعه و يستكثر عليك مجرّد الكلام و يمنح ذاته المتضخّمة كلّ الحقوق و ينزع عنك جميع حقوقك 
و يجرّدك من واجباتك لا لشيء إلاّ لأنّه دافع عنك بلا مقابل .
و الّلحظة لا أقدر على أن أفرض السّكوت على نفسي و أن أتغاضى لأيّ اعتبار عن هذا المتباهي بمنّه الّذي وجد في " تطوّعه " فوائد أخرى غير أن يدفع له - فائدة سلطة يخيّل إليه أنّه يحقّ له معها أن يخاطب أهالي الشّهداء بغلظة و حتّى بازدراء ، وفائدة جاه تعطيه حقّ الانقضاض على النّاس يقايضهم و يهينهم بتبجّحه عليهم حتّى قبل أن يسمع ما يريدون قوله و يفهم أنّهم ينتصرون له و لو على نفسه - فأقول له : 
لا و كلاّ ... لن أنساق مع نفسي و لن أنجرّ وراء حنقي ... و لن أقول له شيئا ... البتّة.
بل إنّني سأخاطب أهالي الشّهداء لأرجو منهم صبرا جميلا حتّى و قد نفد الصّبر ... و لأن أستجدي منهم أن يظلّوا متمسّكين بالأمل مرتاحين للعدالة الّتي لا بدّ أن تأتي مع الزّمن صامدين أمام وسوسات اليأس الماكر...
و لشخص حادثته باالمناسبة و أعرف فيه النّزاهة و سخاء النّفس و لمست عنده صدق الطّويّة و سلامة التّحليل سأقول : " هبّ لنفسك و أرح ضميرك ... لا فائدة في أن نكون و أعمالنا تعلّة لغير الصّادقين ... حرام أن يستغلّ لطفنا ممّن لا لطف فيهم ."