11 janv. 2018

خواطر حرّكتها الأحداث الجارية



حنا عليّ التّلفاز فتعطّل .واستعذبت الحال فعدت إلى الكتب أقرأ. غير أنّ وتائر الأحداث الجارية وخصوصا وتائر الصّخب - لكي لا أقول التّهريج - الّتي تهزّ وسائل الاتّصال هزّا وتفتح المجال ليس أمام من قد يقدر على الإسهام بتهدئة أو على الأقلّ بخطوة نحو الفهم بل - خصّيصا - للمزايدين والأدعياء والمتهالكين على نثارسلطة ولو كان سرابا سرعان ما سينفسخ حالت بيني وبين أن أدفن رأسي في الرّمل حتّى لا أرى ولا أسمع .
فسمعت ما سمعت ورأيت ما رأيت.
رأيت جماهير من شعبنا يكاد يصحّ الجزم بأنّه لم يعد يربطها بأجهزة الدّولة رابط .
ورأيت أجهزة الدّولة تتمادى كلّ يوم أكثر في عجزها بل في رفضها لأن تفهم جماهير الشّعب : نفسيتها ونوازعها وحقيقة أحلامها القائمة والّتي تلاشت وإحساسها اليوميّ بالغبن-الحقرة-الإهمال-الإنكار-الرّخص والبخس...
رأيت سلطة تسرع الخطو كلّ يوم أكثر نحو التّحوّل إلى مجرّد هراوة تلاحق الغاضبين واليائسين وغير المصطفّين وبهيم مرشد أو مرشد بهيم يجلي المسالك أمام العتاة والمخاتلين والسّرّاق ويهدي صكوك البراءة للفاسدين...
رأيت جماهير يشقّها فرز لم تختره ولم تعد تعنيها خزعبلات السّاسة ، جماهيرلم تعد تقدر على تحمّل أوضاعها وكرهت وجودها ولم تعد تثق بأيّ بوصلة ، جماهير فقدت الحلم والأمل لكنّ طاقة فيها لامتناهية قد يفسّرها كون أغلب شعبنا شباب تجعلها تصنع لنفسها كلّ يوم أملا ولو كاذبا ييسّر لها تمضية اليوم ليس إلاّ ، جماهير خطف بعضها دعاة الجهاد السّافل واستباح بعضها هوس المخدّرات وأغوى بعضها خداع الضفّة الأخرى تتهافت إليها على ألواح بائسة لا تصلح حتّى لقبرها ، جماهير لم يعد بعض منها - قد يكون قليلا لكنّه يتنامى -يجد له من متنفّس سوى في العنف بألوانه ...
ورأيت سلطة ليست سلطة لا عمق في نظرتها ولا وضوح في أجندتها ،سلطة لا أفق تتحرّك باتّجاهه ولا همّ لها سوى البقاء ولا مدى لما تبتغيه سوى الحينيّ والمباشر ، سلطة - بل ماسكين بالسّلطة - لم يتّعظوا من خطايا أسلافهم ، وعجزوا عن فهم الواجبات الّتي أضحت واجباتهم هم لأنّهم غدوا حيث هم وإن صدفة ومكرا بنا من الزّمن ،سلطة أضحى شعارها "ربّي يعدّيلنا ها النهار" ، سلطة لم يعد يخجلها حتّى كذبها وهي تدرك أنّها تكذب (كقولها إنّ صعوبات الاقتصاد ستنتهي إن انقضت السّنة الجارية على النّحو الّذي تنشده . وكادّعائها أنّها تسمّي المحرّضين على أعمال التّخريب والقائمين وفي غلظتها وحنقها وصلفها وزيغ أبصارها ما يبين أنّها لا تفعل سوى أن تكذب و تحرّض...)
رأيت نفقا يتلوه نفق بعده أنفاق ...
رأيت سلطة بلون العتمة -طاعونا-آفة جثمت على صدر البلد بثقلها وثقل المروّجين لها .
ورأيت سلطة مضادّة ما زالت ترتبك لاتدري بالضّبط ما تفعل قد تكون فعلا تحكمها القيم والمبادئ لكنّ ذلك لا ينفي عنها أن لا بوصلة لها وأنّها لم تع من هموم النّاس سوى الظّاهر...
لكنّي أسترق بصيص نور -وإن ضعيفا- قد يهزم -وإن بعد حين- العتمة الّتي انقضّت علينا .
بصيص النّور هذا أراه في عيون الشّباب والشّابات الثّابتين والثّابتات والمبدعين والمبدعات والرّافضين والرّافضات لعيش بلا كرامة وبلا حرّيات وبلا رغد عيش...
أرى الفجر يينع ولا بدّ مع بنات وأبناء التحرّكات المدنيّة السّلميّة والصّابرة على الضّيم : "مانيش مسامح" ، "حاسبوهم" ، "فاش تستنّاو" ، أهالي الشّهداء والجرحى ومحاميهم ، وجماهير منسيّي السّلطة على امتداد تاريخها في مختلف مناطق البلاد...
يكفينا أن ننظر في السّنوات السّبع الأخيرة لنقتنع بأنّ الأمر لا يمكن أن يستقرّ لسلطة لا تدري أو لا يهمّها إلى أين تمضي الأيّام بشعبها حتّى وإن هي تدثّرت بالقمع والتّقتيل ...
يكفينا أن ننظر حولنا لنرى أن لا أحد من العجائز وبلاطاتهم يملك حلاّ .بل ولا خيال حلّ...ولا حتّى نصف منهج يؤدّي لحلّ...
ولكن لأنّ الشّباب قد برهن بعد على قدرة فائقة على تخطّي المستحيل فأنا واثق من أنّه سيفاجئنا مرّة أخرى فينهض لنفسه ويبتدع حلاّ وإن عسر الحلّ واستعصى وثقلت موازينه .