8 mars 2013

يحيا الشباب


مرّة أخرى ،ومرّة ، ومرّة يأتينا الجواب والحلّ و فتح الآفاق من شباب هذا البلد فتيات وفتيانا .
ومرّة أخرى ، ومرّة و مرّة تكون نخبنا عاجزة عن الفهم والإدراك وفالحة في إضاعة الفرص وصمّ الآذان عن هدير التّاريخ ، وتغشى أبصارها فلا تنظر للشّمس بل لخيالها .
شبابنا وشابّاتنا اختبروهم – جرّبوهم – ناوشوهم – تحدّوهم – ناوروهم - داوروهم ،ومثلما فعلوا مع من خلفوه وأداموا عهده وإن باسم مغاير  ، فضحوهم – كشفوهم – عرّوهم – وأفلحوا في استثارتهم بما أبان عن بعدهم الحقّ وأنطقهم بلسانهم الصّحيح وأعطاهم  حجمهم الذي لا حجم لهم سواه ...
انظروهم يهرولون – يتردّدون – يتهافتون – يتكالبون – يجنحون ...انظروهم: وجوههم حقد وضغينة ووعيد – ومنطقهم صلف وتضارب وعتاد المرضى وعنجهيّة الفاشلين وحنق الفزعين وهراء الجهلة – وتصرّفاتهم خيلاءُ الهمّج وصراخُ الحاقدين وتلاعب الحمقى يرون الحمق في غيرهم وهو قد تأصّل فيهم ...
وانظروا نخبنا – معارضتنا – مُعَاضَدَتهم - طبقتنا السّياسية – مستشارينا – مختصّينا – محلّلينا يهابونهم – يخشونهم – يتهافتون على ظلّ كلّ فتات يلوّحون لهم به – يجرون وراء كلّ سراب يبدونه لهم  - لا يرون أبعد من اللّحظة – يستهويهم وهم الأوهام التي يلوّحون لهم بها  - يصمّون آذانهم عن هرطقتهم وسبابهم ووعيدهم بل وحتّى عن تناديهم الذي لا يكفّ إلى العنف والدّم والغياهب – يصمتون على زحفهم المستمرّ على صدورنا \صدور الدّولة والبلد والتّاريخ والحياة\ صدور مستقبلنا وأمسنا ويومنا الذي نفروا  وعده وتوثّب شبابه – لا يرون أو يتعامون على فعالهم – يصفونها بالتّخفّي والتّستّر وهي ظاهرة ، بارزة ومتبجّحة – يفرشون تحت أقدامهم بساطا \ يمدّون إليهم أطواق النّجاة \ يصيّرونهم طالبين وهم المطلوبون \ يرونهم " مفروشين " يرتعدون فيحسبونهم الغالبين ...
انظروا دم الشّهيد رسم معالم الدّرب واتّجاهه ومداه والشّمس في آخره ... انظروا كيف باغتهم الحشد يوم  6 ولكنّهم سرعان ما استعادوا جأشهم وأخلاقهم  الحقّة وهاجموا النّاس \ ضربوا النّساء والأطفال كما في يوم  9 من أفريل \ وأطلقوا الغازات غزيرة وكثيفة على سيّارة إسعاف عزلاء فزعا من شهيد جاءهم قائما حاملا كفّه ماسكا بقبضة زوجه مرفوعا على أسى رفاقه ...
انظروهم وقد سعوا إلى إفساد العرس \ أطلقوا عليه مسعوريهم \ فرّوا من حشده الذي راعهم بل أرعبهم مداه  وأذهلتهم ألوانه وأصواته ، وأقضّ مضاجعهم صداه ...
 اسمعوا شبابنا – فتياتنا – نساءنا – شيوخنا - عجائزنا شخّصوا الفعل \ أشاروا إلى القاتل الحقّ \ رفضوا الدّم \ لم يفكّروا في خوفهم \طوّعوا حزنهم \برّدوا غضبهم وخرجوا هادئين ،واثقين ، مصرّين \ تنادوا إلى الثّبات – المقاومة – رفض الخنوع والخضوع والانجرار إلى أوحال التّدافع الذي يدعون إليه \أشاروا إلى الآثم في صبر وترفّع \ وتماسكوا  متعالين عن الإسفاف وغرائز الثّأر \واستعادوا الشّارع وحناجرهم وإبداعاتهم وثقتهم في الشّمس تنتصر .
واسمعوهم هم يخادعون أنفسهم يتهجّون كلمتي" الشّرعية "و " الشّارع " ،ينبحون \يتصايحون \ لا يقدرون إلّا على ذمم أضاعها الفقر والغباء \يصرفون مالا ليس مالهم ولعابهم ولغتهم "البائتة " للإيحاء بأنّهم "من حديد " و" دائمون " و" ربّانيّون " ومالكوا الحقّ والحقيقة والمطلق والدّين \ ويطلقون على النّاس وعيدهم بالويل والثّبور \ ويقرّون من حيث لا يشعرون أنّهم ليسوا سوى طلّاب سلطة اغتصبوها واستداموها ولا ينوون ، حتى بمجرّد أن يفترضوا ذلك جدلا ، أنّها يوما ستغادرهم ...
 وتساءلوا : هل فعلت نخبنا – طبقتنا السّياسية شيئا ممّا كان مفترضا أنّها تفعله ؟ هل تنادت إلى شعبها – مجتمعها المدني – شبابها – تفرّعاتها ودفعت الأمور إلى الأمام ؟
طبعا لا أعمّم : بعض الشّباب وبعض "جبهة "وبعض أحزاب سعوا ، وتعفّفوا وتمسّكوا بدم الشّهيد ولم يخطئوا معالم الدّرب السّالك وإن شرط العناء والبذل ...

سمعني أقول إنّنا دخلنا في نفق مظلم ...وأنّنا سنعاني ونقاسي ونُطْعَنُ  و نُجْرَحُ ونُقَتّلُ ويجوع شعبنا وتنتهك حرماتنا  ونُخْرَجُ قسرا من الزّمن والتّاريخ و" الهنا " و "الآن "
-         قال : "أنت متشائم"
-         قلت: " لا ...سيدوم الأمر لهم خمسا أو ستّ سنين نخسر ونهان فيها يشنّعون بنا خلالها وتهدّم أثناءها حضارتنا وثقافتنا ومكتسباتنا وحقوقنا وتضرب أعناقنا وأخلاقنا ويسود أيّامها العبث والجهل والعدم والتّبجّح وسرقة حقوق النّاس والرّبّ ...ولكنّنا سنصمد ...ليس أمامنا من خيار غير أن نصمد ...ستصمد نساؤنا ، سيصمد شبابنا ، سيصمد جنوبنا وشمالنا والغرب والشّرق والوسط ، ستصمد الحناجر والأقلام ، سيصمد المسرح والخطّ والرّسم ،سيصمد الفكر ، والتّوق والإباء والعزم الرّاسخ ...ثمّ سيبدأ تسارع هبوطهم الذي بعد قد بدأ... ومن هنا من أرض تونس الرّقص واللّحن الشّذيّ، تونس الوطن الحقّ ، وطن المواطن لا بلد الرّعايا ، وطن الإنسان إنسانا كاملا بشرا كالبشر لا بلد الدّعاة والمدّعين وقاهري النّساء والمفترين على الدّين والمنغلقين على استيهاماتهم و خيالاتهم الباغية ...من هنا من أرض الياسمين والزّيتون والبرتقال والهندي والشّيح والإكليل والزّعتر سينطلق الفصل النّهائيّ بين اليوميّ والمقدّس ، بين الدّين والدّولة ، بين الحكم والدّعوة ، بين الحقّ والباطل ..."
-         قال : " ولماذا نقبل أن نخسر ستّ سنين من عمر وطننا ، بخلاف ما سينجرّ عن هذه الخسارة من تدهور وانحطاط وفساد وإفساد  ، وخراب وعجز ودمار ؟ "
-         أجبت :" لأنّه لا خيار لنا غير ذلك ..علينا أن نصمد ونقاوم حتى ندحرهم ويندحروا "
-         سارع :" ولماذا لا نردّ عليهم خططهم ونعمل بمنهجهم وسلاحهم وتكتيكاتهم ؟ لماذا لا نهاجمهم كما يهاجموننا ؟ ولماذا نتمسّك بالدّعة والسّلام ونتركهم يقتلوننا ؟"
قاطعته :"هذا هو قدرنا ...ثورتنا ثورة هادئة مسالمة ومتحضّرة .وهم أجلاف غلا ظ وذبّاحون ...فلنُطِل عليهم حبالهم : بصبرنا وعزمنا ورفضنا ان نماهيهم ، لنُطِلْ عليهم حبالهم لا كي نطيل حياتهم : فهم أعداء الحياة ، بل لتكفيهم لينشنقوا لينشنقوا بحقدهم وضغينتهم وغيظهم وجهلهم ومعاداتهم للحياة والإنسان والوطن ."
-         قال : " عمّي لو سمحتم  وقبلتم أن نبارزهم فنحن لهم غالبون ...لا يهمّ أنّهم سبقونا إلى العنف وأعدّوا جحافلهم له وراكموا السّلاح من أجله ...جحافلهم مرتزقة ونحن جنود الوطن ...وشتّان بين المرتزقة وبين الذّائدين عن أمّهاتهم وآبائهم وعن الغد ... شتّان بين خفافيش الظّلام والنّعيق والتّعدّي وبين عشّاق الوطن والحياة والشّمس ."
-         أجبت :" لا يا ولدي لن نكون مثلهم ولن نتخلّق بأخلاقهم : سنهزمهم بعزمنا لن تعوزنا التّضحية ولن تخيفنا شرورهم ، لن نردّ بالحقد على حقدهم الأسود ...سنهزمهم بالكلمة والفكرة والإبداع والإصداح والتّظاهر ...وسيهزمهم معنا صلفهم وتعاميهم وخروجهم عن الوطن والتّاريخ ونواميس البشر ..."
-         أصرّ : "نحن هنا ...ونحن ندرك أن لا استجابة لديهم لأهدافنا ، وأن لا قدرة عندهم على تحقيق ما نصبو إليه ... سرقوا ثورتنا وعطّلوا سيرنا إلى النّماء والعدل والحرّيات ...ويمضون قدما في عنفهم ...لكنّنا ندرك أنّنا أبناء وبنات شعب نادى : "ما شئنا لا ما شاءت الأقدار؟ "
-          فمتى يرعوي ساستنا ؟

                                                      الصّادق بن مهنّي