30 oct. 2011

الآن وقد حَصُل مَا حَصُلَ : لنتجاوز !



تهافت المتهافتون ليناقشوا ويحللوا ويوجّهوا و يتعمقوا ويثقّفوا ويعلّموا ويوجّهوا ويقودوا !
تهافت كثير وأكثر من كثير من أساتذة جامعيين لم نكن نسمع عن أغلبهم، وكنّا نسمع عن بعضهم في وسائل الإعلام الرسمية، وقلّة قليلة منهم فحسب كانت تجود علينا، بعد لأي، بنصّ !
تهافت رجال قانون (لم أكن أتصوّر أبدا أنّه كان لدينا كلّ هؤلاء المتخصصين في القانون الدستوري !) وعلماء اجتماع وعلماء نفس ومحلّلون سياسيون (ماذا كان أغلبهم يحلّل و"يحلّل" قبل 14 جانفي ؟!) وصحافيون ومنشّطون عباقرة كانت تلوح على أغلبهم علامات الإجهاد لكنّهم سريعا ما تحوّلوا نجوما تحتكِر وتدَرّس وتحوصلُ وتختم حتّى متى كانوا قبالة جهابذة معترف لهم ! وها أنّ بعضهم يعود بنا سريعا إلى مقاطعة ضيوفهم متى لم يكرّروا كلامهم هم وإلى الاستدلال بشهادات الساسة والصحافيين الغربيين وكأنّها كلام الربّ الذي لا يُجَادَل، ويسلّطون أنفسهم محاكم تفتيش جديدة !
وتهافت سياسيون أو هكذا يُحِسَبون أو يحسِبُون أنفسهم : بعضهم تهافت يعلن أنّه الأجمل والأبهى والخيّر والأسمحُ. وبعضهم اِنجرّ وراء أشباح كراسي أو حتّى شبح كرسيّ وحيد ولهث وراء أوهامه الداخلية يحسبها أهدافا يجري بإتّجاهها. وبعضهم انهزم قبل أن ينهزم بل قبل أن يتبارز أو يبارز أو يتنافس. وبعضهم ارتمى في أحضان خصومه بل أضداده يقبّلهم ويلبّس لبوسهم وينافح عنهم إن شاركهم المجلس حتّى وهم صامتون متحفّظون. وبعضهم ظلّ يراوح بين اليأس القاتل يوما والتّعملق الدعيّ يوما آخر. وها هم الآن يريدون الظهور في مظهر من وعى الدّرس واستخلص الاستنتاجات القويمة : كلّهم يضعون أوزارهم على كواهل الشعب والآخرين والمفاجآت والمفاجعات والهارب والحظّ للعين. وبعضهم يتحيّن فجوة ليتسلّل إلى صفوف الغالبين ولا يفتأ يغمزهم ويتمسّح على عتباتهم وحتّى يناشدهم ويكاد يتوسّل إليهم. وبعضهم يركن في زاوية بدعوى رفض الاستجابة لمائدة لم يدع إليها.
وتهافت مثقّفون وكتّاب يحبّرون أوراقهم في ليلة أو أسبوع ويختارون عبارات وكلمات ظاهرها جميل وباطنها خواء أو عموميات، ويسوّقون لأوهام ويتستّر بعضهم عن ماضيه بالظّهور..
وبين هذا وذاك شابّات وشبّان ومحرومون ومضطَهَدون ومحقورون من كلّ الأعمار والأنحاء هبّوا وانفجروا وحيّروا العالم وأبهروه وأعطوا لتونس إشعاع قرطاج في زمانها ورجّوا عروشا وكراسي كالعروش وزلزلوها وأطاحوا بمن خالوا أنّ عزرائيل ذاته لا يقوى عليهم... بين هذا وذاك ثورة أدهشت العالم ومدّ لا حدود له واندفاع حوّل القيود والسلاسل والجبن والطمع والنفاق و"أخطاني وأخطى راسي" تاريخا بائدا ومندثرا رغم عدم بعد العهد به... بين هذا وذاك مطامح ومطالب وشعارات ونداءات وأغنيات لا تزال تردّد وأماني لا يرى بعد كيف يمكن أن تتحوّل ملموسا، وجرحى يُسامون التنكّر... بين هذا وذاك جهاتٌ هي الجهاتُ أُشبِعَتْ وعودا وأكاذيب وأذهلها تقاطر المتقاطرين عليها حتّى غابت عن وعيها ورأت في الوهم رخاءَها... بين هذا وذاك نساءٌ وبناتٌ هنّ منّا ونحن منهنّ كابدن وجاهدن وغامرن وتجرأن وحلمن وانشرحن وتفجّرن ضحكا وبكاء ونحيبا وزغاريد ولم يعدن يعرفن أنحو شمسنا نسير قُدُمًا أم نحو حفرة حالكة السواد ننجذب ... بين هذا وذاك أسئلة لا أحد يبغي طرحها أو حتّى سماعها...
وخلف هذا وذاك وهؤلاء سيرورتان لا تكادان تلتقيان رغم أنّ قدرهما أن تلتقيا : سيرورة المسار الثوري الذي انطلق ولن يتوقّف والذي لن "تبشّر" ثماره الحلوة القادمة إلاّ بعد لأي، على المدى المتوسّط، لكنّه أثمر بعد، علاوة على تصدّع النظام وفرار رأسه المخزي وانقشاع الكثير من آلياته وغطرسته، انهيار جدار الخوف واندلاع الأصوات الحرّة، وتجنّد الناس من أجل كرامتهم الفردية والجماعية، وأهبتهم الدائمة للاحتجاج والنضال عارين من أي سلاح لا تثنيهم رهبة من سلاح، وسيرورة الانتقال الديمقراطيّ الواسع والإصلاحيّ معنى ومعنيّين، والذي نراه قد انطلق وإن هو يتعثّر والذي لا بدّ له أن تثبت خطواته بإعلان آليات استثنائية لمحاربة الفساد وإصلاح القضاء وتأميم الإدارة والجماعات العمومية الجهوية والمحليّة والمؤسسات والمنشآت بما يضعها في خدمة العموم ويثنيها نهائيا عن خدمة أغراض شخصية أو فئوية أو حزبية، وييسّر، بالتّالي، انطلاق عمل تنمويّ حقّ يشرع في تحقيق مطالب التشغيل والتوازن الجهوي والعدل في توزيع الخيرات...
ولكنّ تقدّم السيرورتين يستلزم رجالا ونساء يشتغلون بحقّ وبعمق وبموضوعية على تحليل دواعي الثورة التي اندلعت، وعلى آليات اندلاعها، وأسباب انتشارها وإقناعها، وحيثيات تردّدها وتعثّرها، ويجترحون لشاباتها وشبابها إبداعا تنظيميا جديدا  ينهل من تجربتهم التي لم يُهيمن عليها التنظيم التقليدي الحزبيّ الممركز والهرميّوالمشلّ لحركة الأفراد ومبادراتهم والمعطّل للأقليّات والمعيق للإجماع متى بدا وللتمرّد على الإجماع متى كان الحلّ والمبتغى.
يلزمنا أن نراجع فكرنا ومناهجنا باِتّجاه مزيد الانفتاح على الناس ورصّ الصفوف وإطلاق المبادرات. ولكن دون أن يعني ذلك انفتاحنا على من يعادون حركة التاريخ وعلى من لا يعترفون بتطوّر البشر ولا يريدون أن يمارسوا واقعا الحقوق الإنسانية كاملة وجميعها، ودون أن يعني ذلك تعويلنا على ما اِعتمده أضدادنا من وسائل عمل مبدئية وتمشّ لا أخلاقيّ... فالتاريخ الجميل الذي ننشده لا يمكن أن نبنيه بالحيل والمناورات والخدع.
ولا ضيرَ في أن ننتظر أكثر... ولا يهمّ كثيرا أن نضحيّ أكثر !
أمّا أن ننقلب على أنفسنا حتّى نفوز فأمر فيه ضير كبير ومُنقَلَبَ المنقَلبَاتِ !
فلنتأمّل، ولنحلّل بعمق، ولنراجع أنفسها، ولنتعال على جراحاتنا وتناقضاتنا وعُسْرِنا، ولننس اللحظة المباشرة أو لنُولِها حَقّها وحقَّها فقط فلا نتركها تطغى علينا حتّى تضلّنا... ولنتقدّم... ولنضع أجوبة جديدة ولنبدع مناهج تقنع أبناءنا وبناتنا، ولنوسّع النّقاش والحوار، ولنهدأ بالا فمن أزاح الطغاة الغاشمين لن يخضع لطغاة جدد ولو تلوّنوا...
وعلى كبار السنّ منّا ممّن أعطتهم الحياةُ تجربة أو علما أن يتواضعوا... وأن يضعوا تجربتهم وعلمهم على محكّ التجربة الفتيّة التي أبانت عن فلاح وإبداع... وعلى التنظيمات القائمات أن تضع نفسها في خدمة أجيال مواجهة الرصاص بالصدور العارية والتنظّم بالفايسبوك والإيمان بحقوق الفرد والجماعة متكاملة ومتناغمة والسعي إلى تحقيقها هنا والآن وليس غدا وبتؤدة !
ولنترك هؤلاء الذين هيمنوا يتنازعون على الهيمنة، ولنحذر غرورهم وادّعاءهم ومغالطاتهم، ولنظلّ على تيقّظنا ندفعهم إلى مزيد التراجع عن ضلالهم ومزيد الاندفاع إلى ما يدّعونه من عقلانية وأنسنة وبحث عن التوافق، فإن مضوا في ذلك فنحن سنقبلهم ونزيد من دفعنا وإن بيّنوا أنّهم طاعون أسود فإنّهم سيسقطون... بتضحياتنا سيسقطون أو يهربون أو يخلعون !   



                                                                الصادق بن مهني
                                                               27 اكتوبر 2011

27 oct. 2011

لا وقت للنّحيب... لا داعي للنّحيب

حبّتي فتيانا وفتيات ! مالي أراكم حزانى، واجمين، سوداويين ؟! نعم اِنتصرَ ظلاميون، واِنتصرَ جهلة، واِنتصرَ المال الفاسدُ، واِنتصرَ النّظام القديم بما تركه في هذا البلد من جهل وطمع وقدرة فائقة على التّسليم والتصديق والتصفيق وبفلوله التي عملت من جحورها ولكن أيضا من مواقعها المتقدّمة والمشرّشة في السلطة وأجهزتها، واِنتصرَ الشّقاقُ السائد بين الجهات والجهات وبين النّاس والنّاس، وبين من لا حقً للشّقاق في أن يتسلّل إليهم، واِنتصرَ طاغوتُ الذين قدموا إلينا من وراء البحر شمالا وغربا وشرقا بخبرائهم ومالهم ونصائحهم بل أوامرهم، واِنتصرَ علينا كلّ من رأى في ما اجترحتموهُ زلزالا سيعصف بعروش كثيرة ليست عربية كلّها وانتصرَ من غازلنا وجاملنا وغدرنا،
واِنتصرت حلكةٌ تآزَرَ على بسطها من كان في السلطة ومن تستغويهم السّلطة ومن لا همّ لهم إلاّ الاحتفاظ بالسّلطة !
نعم، يوجد خطر داهم يتهدّد ألوانكم البهيّة المتعدّدة ، وإبداعاتكم التي شهدت بها الشوارع والجدران والشاشات والكتب والشعراء ! نعم، نشدتم حريّة مطلقة، وابتدعتم أجنحةً خارقَةً، واعْدتم للكلمات معانيها وللأغاني صداها، وأعطيتُم لعمرنا عمرًا، وأطلقتم عُقَالَ خيالكم وخيالنا، وفتحتم لنا أبواب العالم والأمل مشرعَةً ! وأنتم/أنتنّ الآن معرّضون لاحتمالات الخنق والرّبط والضّبط !
نعم، في الأفق ضباب، ورياحٌ سودٌ، ونعيق بومٍ، واحتمالات دماءٍ ودموعٍ !
لكنّكم أحبّائي تعلمون وتدركون وتعرفون أنّكم جَمَلُ محامِلٍ لا تُطحَنُ الأشواكُ بغير أضراسكم، وأباةٌ لا حدّ لإصراركم، ومقامرون مغامرون متمرّدون ثائرون حالمون مبدعون لا رادّ لكم !
ألستم أنتم من قال ذات يوم في القصبة، وفي كليّة 9 أفريل التي فتحها أمام أصواتكم رجلٌ بألف رجل : "إن عادوا، عدْنا !"
ألم تصدح تلك البهيّة/ ألم يصدحُ ذاك البهيّ الذي عالج خوفي على ثورتكم وهي توشك على الشروع في النجاح ونحن واقفون مردَةً كالمحيط الهادر أمام الداخلية بأن قالت/ قال لي : "إنْ فشل الكبار في رعاية ثورتنا وأهدروها، فإنّنا سنعيد الكرّة يا عمّي!"،
ألم تصدَح تلك البهيّة/ يصدَحْ ذلك البهيّ بصوتكم جميعا ؟! ألم يأت ردّهُ من أعماقكم كلّكم ؟
حبيباتي، صديقاتي، رفيقاتي، بناتي، أبنائي وأحبّتي : دربنُا طويل وطويل وطويل وصعبٌ.
لكنّ قدّرنا أن نصبر ونتعب ونقاوم ونتصدّى.
وجميلٌ أنّنا نزعنا عنّا عباءة الخوف، ومزّقنا جلابيب التزلّف، وتعلّمنا كيف نشدو، وكيف نعدو بلا قيودٍ، وكيف لا نقصّ أجنحتنا بأجنحتنا، ولم نعدْ نخشى شيئا ولا أحدًا.
وجميل أن تنجليَ الأمورُ أمامنا منذ بداية الدّرب فتضعنا، بعد الطاغية الفاسد الجبان الهارب، أمام طغاة جُدُدٍ/قُدامى، يدركون أن عليهم أن يحسبوا لأعيننا وأيدينا وحناجرنا ألف حساب، فإمّا أن يناوروا فيتنازلوا ويزيّنوا فننازلهم ليتنازلوا أكثر ! وإمّا أن يستبدّوا ويتّضخّموا ويتهوّروا ويختالوا فننازلهم حتّى ننزلهم !
أعزّائي، عزيزاتي ! لا وقت للحسرة والأسى والبكاء !
عزيزاتي، أعزّائي ! لا وقت إلاّ لمزيد الاِبداع والعطاء !

                                                                الصادق بن مهني
                                                               25 اكتوبر 2011 

تعم ، أنا لم أصوت

حتّى عشية السبت كان في النفس شيء من رغبة في طرد كلّ الاعتراضات و عيش إحساس الماشي – و لو غير واثق الخطوة – نحو الصندوق . و ممّا زاد ما في نفسي نفسا أن روى لي صديق كيف التقى في محلّ تجاريّ شيخا ثمانينيا يقيس كسوة جديدة في زهو و خيلاء و يقول : "منذ أمد نسيت لبس الجديد و تركت فرحة الأعياد و الأعراس و الطهور للأبناء و الأحفاد ... لكنّني اليوم أعود صبيّا جذلان بهذه الكسوة أختارها لأجمل عيد و أجمل عرس و أحلى مناسبة أعيشها لأوّل مرّة ، و لعلّني لن أعيشها مرّة أخرى ..." ... و مّما زاد كلام الشيخ أثرا اعتراف صديقي أنّه هو أيضا كان في المتجر ليشتري قميصا جديدا (مخفّض الثمن) ليذهب به إلى مركز الاقتراع . غير أنّ أشياء متزاحمة و إحساسات متدافعة و توقعات او تخمينات ملحاحة و قراءات أو استشفافات يصعب صدّها ما انفكّت تغمرني... و على عادتي تركت قيادي لقلبي و توقّعي .
انا لم أسر نحو صندوق الاقتراع لأنّني لم أعد أحسّ أن انتخاب المجلس التأسيسي فعل تأسيسي حقّ، و لم أعد أرى الّلحظة التي نعيشها لحظة تكريس لانهيار عهد طال أكثر من نصف قرن و انبثاق عهد جديد، و بعد أن كنت من الدعاة المتحمسين لطيّ صفحة نظام و فتح الباب مشرّعا لنظام بديل بدستور جديد، أصبحت أستشعر انتخاب التأسيسي مجرّد خدعة تغيير و التأسيسيّ مجرّد تزويق لنظام سابق يتلوّن و لا يتحوّل يثبت و يثبّت ...
ذلك أنّني رأيت الناس ينادون بإسقاط النظام، ثمّ يسعون إلى اندثار كامل مؤسساته الواحدة تلو الأخرى : التجمّع، و المجلسان، و الرموز و الدّخلية، و الوزراء... و رأيت بالمقابل انحلالا يدعو اليسر الذي حدث به إلى الشّك للمجلسين و التجمّع، و استمرارا بيّنا لرموز و ووراء و الداخليّة... و رأيت الحكومات الثلاث المتتابعة لا تعدو أن تكون غير تواصل للعهد القديم بطوريه في لغتها و طرق عملها و امتلائها قناعات راسخة، و رفضها التواصل الحقّ الذي يعني أن نسأل و نستشير و نفهم و لا ننصب أنفسنا فاتحين و سحرة و خارقين، و في رفضها السير الحثيث كلّما تعلّق الأمر بإصلاح أو مساءلة أو محاسبة أو تخلّ عن الممارسات القديمة بل و حتّى في تجرّؤها المتكرّر على الناس و حريّة التعبير، و رموز الثورة كالقصبة...
و رأيت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإنتقال الديمقراطي و الإصلاح السياسي . بدل أن تصبح صرحا يفهم كنه الثورة موردا و مدّا و تحرّكات و تعبيرا و تطلّعا، و يعقلن سيرها و يعبّد دربها و يدفع بها إلى الأمام في  يسر و ثبات، تغدو حلقة نقاش فضفاض هجرها حتّى المنتمون إليها و قبلت لنفسها أن تصغر و تصغّر حتى تجرّأ عليها من هي أعلى منهم. و من كان من المفروض و الوارد أن تسائلهم و تحاسبهم و تثقّفهم...
ثمّ رأيت هذه الهيئة العليا تكتفي فخرا و نصرا بوضعها القاعدة لإعداد الإنتخابات.
و هو ما تولّته هيئة أخرى أراها تمثّل اللحظة الفارقة و النجم الساطع في سمائنا موضوعية و كفاءة و جلدا و إرادة. و تنظيما... و هي بذلك قد أعطت الدليل على أنّه كان على الاخرين و في وسعهم أن يبذلوا أكثر و أن يحقّقوا خيرا ممّا حقّقوه...
و رأيت هيئة اجتهدت و عطّلت... فلم تتكلّم إلاّ بمقدار و لم تفضح إلاّ بمقدار، و لعلّها في ذلك قد تمسّكت بنصّها المحدث... و الحال أنّنا في زمن و وضع لا أحد يتقيّد فيه بنصّ... ثمّ إنها  لو رأت ذاتها فعلا انتقاليا حقيقيّا لتجرّأت و وسّعت نصّها أو ... لتمرّدت و قفزت من موضعها الرسمّي المكبّل إلى الموضع الذي كان خيرا لها و للناس أن تكون فيه : موضع الفعل و التحوّل و المساءلة الصريحة و المحاسبة أو الإعداد للمحاسبة الحقّة ...
و رأيت لجنة لم تفلح إلاّ في تأليب الناس جميعا عليها... و تعملقت و استغولت... و جرؤت على تجاوز حدودها لكن باتجاه الابتعاد أكثر عن الناس و عن واجباتها و عمّا ينتظر منها... و حقّرت من شأن منتقديها و مغادريها بل و حتّى من شأن الهيئة العليا، و جرّت الحكومة و الرئاسة إلى ما اختارته بل اختاره المتحكّم الوحيد في خطاها رئيسها الذي نصّبه النصّ حاكما مطلقا، و عنيد الطبع بطبعه... لجنة ما تزال تذكّرنا بأسوإ ما سلّط علينا طوال نصف قرن : الإدّعاء بالريادة و الأهلية المطلقة و الفلاح المبين ، و تغليق المسامع ، و الإصرار على معاداة الشفافية مطلقا .
و رأيت متنفّذين ما يزالون متنفّذين ، و فسادا يتوالد ... و رأيت تجمّعا ينحلّ و يفرّ منه الفاعلون الأبرز فيه، و لّكن ليظهروا سريعا في خمسين حزبا ( و الحال أن القانون لا يخوّل لحزب أن يرخّص فيه و هو يشابه حزبا قائما أهدافا و برنامجا) لا شكّ أنّها برمجت بعد لتوحّد و شيك و لم أر واحدا من هؤلاء يعترف بذنب أو خطإ أو تخاذل أو مسؤوليّة ...
و رأيت أحزابا و تنظيمات و منظّمات و هيئات تتكالب و تتهالك على الإنتخابات همّها أن تكون في التأسيسي و أن تتعدّد كراسيها فيه... بعضها بل جلّها تهالك و تكالب يوم 13 جانفي ( و لم يعتذر عن سوء تقديره أو يعلّله بعد.) ثمّ تكالب و تهالك بعد 14 جانفي ( و اكتفى لنفسه بقدر كان أصغر من قدره ، و بدل أن ينحاز للجماهير الهادرة كدّ يناديها إلى الإنسحاب و يبوّئ نفسه قيادتها، و لمّا لفظته
عاداها جهارا و حتّى ناضل... لتعنّف) ثمّ راح بعدها يكدّس المال ليشتري أصواتا و يعقد تحالفات و نسي كنهه
وماضيه,وحتى مناضليه أو بعضهم ...
رأيت الأحزاب جميعا لا أحد منها يبذل جهدا ليفهم من أين جاء هذا الحراك الهادر, هذه الموجة العاتية, و كيف فاجأنا الزخم... لا أحد يسائل نفسه لماذافوجئ و لماذا كان فعله في الفعل غائبا أو هيّنا... لا أحد يسعى ليفهم من أين جاء هؤلاء الشباب, وكيف كبر الغضب حتى انفجر نداء واحدا موّحدا في بلد لافرصة فيه لتنظيم أو تجميع أو تهيئة خارج السلطة ولا كيف تفطّن أبناؤنا و بناتنا لمكسب بشري جديد فطوّعوه و وظّفوه و تجاوزنا بل و تصدّروا وفقا لما يقوله كبار في العالم و لايجاملوننا ووفقا لما يستشعره قلّة منا وكما يتشدّق به كثيرون,
ثورة عظمى افتتحت القرن الجديد و تجاوز صداها بل فعلها أرض افريقية امتدادا عربيا متوّسطيا,بل نصرا جديدا للنوع الانساني .
ورأيت نخبا ليست نخبا:جامعيون تهافتوا على المنابر يقولون ما يقولون لا عن تدبّر و رويّة بل لمجرّد أن يقولوا...ورجال ونساء قانون نصّبوا أنفسهم دولة ودستورا وبناء مستقبل,ولأنّ بعضهم كان له دور في الحراك وفي الثورة جسب جلّهم أو تهالكوا ليحسب غيرهم أنّ الحراك وليدهم وأنّ الثورة فعلهم...
و رأيت جماعات و عائلات وقبضات من ناس كانوا لا يلتقون الاّ في تستّر أو في المقاهي و البارات وباحات الجوامع,ينصّبون أنفسهم دعاة و قيادات , و يشكّلون القائمات الانتخابية ...ويبتغون التأسيس لغد أبنائنا وبناتنا!
ورأيت إعلاما تائها أحيانا,ومتسلّقا أحيانا, و متعملقا أحيانا, وذليلا أحيانا,ومتزلّفا,دعيّا غالب الوقت...
و رأيت جميع هؤلاء يؤجّلون الفكر,ولا يحفلون بحتميّة المراجعة ولا يستقرؤون المقبل,ويعطّلون مواصلة الهدم مساءلة و محاسبة وإسقاطا لما لابدّ له أن يسقط ,ولايتحدّثون في البناء الجدّ بل يؤجّلونه لما بعد التأسيسي,ورأيت جميعهم لا يهمّهم إلاّ العديد و العدد و التمويلات (لا يقلقهم التساؤل:من أين جاءت؟) و استمالة الأنصار و أشباه الأنصار حتّى متى كانوا من خصومهم الألدّاء السابقين
ورأيت نظاما قديما بل عتيقا يتماسك من جديد بحزم وفي صمت لم نعهده فيه ,يعيد التشكّل ,و يتمظهر في مظاهر جديدة و يجذب إليه المنجذبين الكثّر حتى من مناوئيه السابقين ... رأيت السلطة لا تخرج من بين يدي السلطة ... رأيت نظاما يعيد طلاء جدرانه ولا شيء غير طلاء جدرانه ...رأيت شعارات ونداءات و مطالب خلعت من خلنا أنّه لا يخلع, وهزّت كياننا و استدعت العالم إلينا,تبدّل معانيها و تصبح عناوين لغير أهلها,و تغدو طعما لشعب مايزالون يحسبونه سمكا همّه الوحيد إطفاء جوعه
رأيت تأسيسيا لن يكون فعل تأسيس...و رأيت تقاسما لسلطة بل لزيف سلطة تباركه السلطة القديمة بل تفعل فيه بل تفعله...و رأيت يمينا لا تفرّق بينه و بين اليسار و يسارا كاليمين و وسطا ليس في الوسط.و تحالفات ووفاقات لا كنه لها أو كنهها طمع أو استكانة أو هلع...رأيت شيوعيين يتأسلمون ,و متأسلمين ينزعون لحاهم و أنقبتهم ,,و تجمعيون يغدون نهضويين و ديمقراطيين و تكتّلا وربّما حتّى بدلاء...
رأيت عجبا عجابا:أموالا تغدق,و موادّ غذائية تحجب لتوزّع نداءات انتخابية,وشجرا يهدر أوراقا ملوّنة لا يقرؤها أحد وتزعج أعوان النظافة... و رأيت خطابات كخطابات مللناها و خلنا أنّها انصرفت. و لم أر أحدا معارضا ,أو كالمعارض:لم أرمن نادى بمكافحة الفساد أو بالتصدّي لاستبداد أصحاب العصيّ و الغاز ...لم أر من تساءل أين الشباب و الشابات في قيادات الأحزاب و الهيئات و في القائمات وغدا في التأسيسي؟
ورأيت قيادات حقوقيين ينسون اهتماماتهم الإنسانية و الحقوقية و يتحوّلون ساعين إلى كرسيّ هناك أو هنالك ,يهرولون ليتموقعوا دون أن يعنيهم لا محيط الموقع و لا مآل الأمر ...
ورأيت أن لا أحد يتريّث و يصبر و يتأمّل ... لا أحد ينظر في ما كان و في ما هو صائر و ما قد يكون ...لا أحد يحلّل و يفكّك ...و يبني أو يسعى إلى أن يبني بناءجديدا يقطع مع الثوابت القديمة أو القناعات القاطعة و المطلقات , ويستنبط نظما جديدة و قيما من قيم الشباب و الشابات , و مناهج فعل ليست كالمناهج المتهاوية...


رأيت كيانا قديما خلع رأسه لكنّه بعد أن غدا يتخبّط,على قديمه استوى ,و إلى كلّ المواقع عاد جهرا أو متسلّلا , برجاله و نسائه عاد و بنساء ورجال لم يكونوا منه أو هكذا كان يخيّل لنا ...
ومع أنّني لم أسر إلى مكتب الاقتراع: أنا لا أخشى نتائج الاقتراع.
فأيّا كانت النتائج سيكون الاستمرار: استمرار السلطة في تشبّثها بالسلطة و استمرار شعب في عزمه على أن ينتقل إلى نظام جديد و قرن جديد و مصير جديد...
الموجة الجارفة ستجرف وتجرف وتجرف...و حتى مع كلّ الجزر , و الخفوت , و السكون ستستمرّ الموجة العارمة تهدم و تهدم لنبني البناء القويم .
و أيّا كانت الأغلبية, أيّا كانت التحالفات و التآفات و التواطؤ, سينفضحون كلّهم , سيهزمون بل سينهزمون, و مثلما تهالكوا و تكالبوا سيفرنقعون...
الصادق بن مهني
صبيحة الأحد 23أكتوبر

20 oct. 2011

رسالة إلى صديقاتي ورفيقاتي وأخواتي، نصف -الإنسان : دربنا شوكٌ... لكنّنا جَمَلُ مَحَامِلٍ... وسننتصر _ نشر بجريدة المغرب جزئيا بتاريخ 20أكتوبر !


على هذه الأرض، وإن صَغُرَت رُقْعَتُها ، مُتَّسَعٌ للجميع، وتحت هذه السماء، وإن تلبّدت غيومها من حين لحين، متنفّس للكلّ، وفي تاريخنا، الذي تحرّك بعد كساد، صفحات جميلةٌ زاهية وبلون قوس قُزَح علينا أن نكتبها ونرسمها جماعات وأفرادا، جميعنا، وبلا استثناء !
لا للتسلّط  ! لا للاستبداد ! لا للقهر ! لا للإقصاء ! لا للقمع ! لا للحرمان ! لا للتجبّر! لا للكراهية والبغضاء ! لا للاستغوال ! لا للكبت !...
بلدُنا حلو جميل زاه تنير شموسُه وأقمارُه ونجومُه للجميع ولا تركع لأحد !
بلدُنا جبال وسهول وصحاري وشواطئ وبحيراتٌ صنعناها من كدّنا، ومدن وقرى، وحضاراتٌ متتالية جابت البحار ونشرت خيراتها حتّى أقاصي دنياها، وعيون بألوان العيون كلّها، وسماتَ فيها الإفريقيّ والآسياوي والأوروبيّ، والمزيج من هذا وذاك ومن ذاك وهذا، وتراثٌ تغارُ منه حتّى الأمم العتيّة... بلدنا جهدٌ يوميّ نراه في نسوة يكدحن كلّ يوم في المصانع والحقول والمشافي والمدارس والكليات... بلدنا كدّ وعرق تُحَدّثُ عنهُ المصانعُ والمناجمُ والمرافق والحضائر والإدارات يجتمع فيه الأخ بأخته والبنت بأبيها والزّوج برفيقته ولا شيء يصدّ لا هذا ولا تلك ولا هذه ولا ذاك... بلدنا حبُّنَا، وحقيقتنا، ودربنا الجامع، وتوقنا إلى الأفضل والأبهى والأشفّ والأعدل... بلدنا أهازيجنا، صيحاتنا، أغانينا !...
ونحن... نحن نحن، شهد علينا العالم ذات 14 جانفي وبعده : تنوّع متوحّد، وموسيقات متناغمة... فينا من يصلّي في الجوامع والمساجد، وفينا من يصلّي حتّى في الشوارع والساحات، وفينا من يصلّي بكدحه وعطائه، وفينا من يصلّي في قلبه وبروحه، وفينا من لا يصلّي أحيانا وفينا من لا يصلّي بتاتا، وفينا من يتعبّد كما يتعبّد، وفينا الرائح والقادم والمتخفّي والخوّاف والمتخاذل والجبّار والحنون والكاذب والدعيّ والناجح والفالح والحقود والمترهبن والشّاعر والفنّان، وفينا من يكره النّساء ولا يؤمن بإنسانية متساوية، وفينا التّوق إلى الخلد، وفينا من أعطوا وبدّلوا، وفينا من ارتبك، وفينا من اشتبك، وفينا من حسب خطاويه، وفينا من لم يحسب ولم يفكّر وانطلق اندفع تنمّر تصدّى هاجم ومرّ أو انطرح... فينا ما فينا والبلد لجميعنا اِتّسع ويتّسع، وأيدينا تشابكت، وحناجرنا تآخت، وكان هيجاننا واحدا، واتّحدت أحلامنا، وتآخَيْنا أكثر، نحن الاِخوة الأخوات، ملأنا الشوارع وواجهنا الطغيان معا، تجاورنا وتشابكت أيادينا في الساحات وقوفا كالإعصار، ونياما بعضنا يحرسه بعض... وصنعنا ثورة عارمة انطلقت ولم تكتمل لن تكتمل لا غدا ولا بعد غد بل ستكون دفقا لن يتوقّف وجهدا لا ينثني.
نحن من رأت الدّنيا في ما أبدعناه منطلقا، وفعل بداية، وفاتحةَ طور آخر للبشر...نحن من أبدعنا ثورة أقدامها راسخة على ماض عتيق ومتراصّ الحلقات والظّفر، وأيديها مثقلة بحاضر يعالج ما فات ويعدّ للبناء، وعيونها أملّ وجَلَدٌ وتوقٌ وتطلّع، عيونها عيون زرقاء اليمامة تستكشف البعيد وتبشِّرُ بالسعادة...
نحن نحن... تونسيون كلّنا... إنسيون كلّنا... نحبّ بعضنا بعضا وإن نختلف... تونسيون، تونسيّات، بشر، ننهل من بربر وعرب وأفارقة وآخرين مرّوا فانصهروا أو فارقوا... تونسيات وتونسيون لا فرق بيننا، أفكارنا مِنْ أسْلَمَ يُسْلِم، وممّا قَبْلُ كان، وممّا جاء بعدُ من مُثُلٍ وخلُقٍ ومواثيق... تونسيون وتونسيات ليس من شيم أيّ منا أن نَطرُدَ، أو نُهَجّرَ، أو نسوّي نتوءاتنا وتضاريسنا واختلافاتنا بالعنف، ولا أن يفرض صاحب رأي رأيه، ونستحي أن نتكلّم نيابة عن الربّ أو أن نطغى باسم دين أو فكر أو إيديولوجية أو حقيقة مطلقة أو وهم... نحن حبّ، وجوار وتآزر، وإنسانية...
نحن حياةٌ كالحياة فيها التنوّع والألوان والنسائم والمشاعر والكدح والشّبق والمعاناة والجزر والمدُّ والصمود والتجاوز والأغنيات البديعةُ والتحاور الحقُّ !
هكذا نحن... وهكذا يرانا العالم...وهكذا ستكون ثورتنا التي لم نفق بعد من فجأتها... ثورتنا وقد زلزلت الدّنيا وخلخلت أركانها... ثورتنا التي لم نفقه بعد كامل كنهها، ولم نبصر بعدُ مداها... ثورتنا التي لن ولا تقف أيّا كان الضدّ والصَّدُّ، والمنع والبَكْتُ والكبتُ، والمالُ والعصَا، والشعارُ والعقود السريّة، والرياح العكسية والمعاكسات والانفلاتات والمغالطاتُ والمندسّون والمتسلّلون وبائعو ضمائرهم وأمّهاتهم، والمتخفّون والمتنفّذون والساعون من وراء حجب...
نحن هؤلاء... وسنكون كما نحن وكما نكون وسنكون !
فلنعدُ جميعا إلى جدّنا وعزمنا وإخائنا وحبّنا ولنهتف جميعا : "تونس للجميع : لجدِّكَ وجدِّي، لِأبيكِ وأبي، لأمِّها وأمِّه، ولبنتكَ وبنتي، لأخْتِهم وأختِكَ، لأخوالِنا وخالاتنا، لعمّاتنا وأعمَامنا، لجَاراتِهم وأجوارِنا... تونس حبّ وسلم للآتي، يمتدّ، ينبسط، يزيح قهرا وعسفا وحرمانا وانعدام عدل وخلوّا من الإنصاف... تونِسُ للجميع وكما يودّها الجميعُ : كلّ وشأنه، كلّ وهواه، كلّ وفكره، كلّ وإيمانه... ولا أحد فوق الجميع، أو على الجميع!"
وإن لم يكن فإن التّاريخ سيلعننا ويلعننا ويلعننا... ومآسينا ستطول وتثقل... وسيدوم قهرنا والمعاناة والتخلّف... وسيلازمنا الحرمانُ والتّيه... وسنبكي وندمع ويسيلُ دمنا فنذبح، ونضام ونقاسي... ونهانُ وننحني...
ولكنّنا لن نركع أبدا... إلى الأبد...
فلنقرأ تاريخنا... فلننظر في خمسين عاما مضت... أهِنّا، واحتُقِرْنَا، وهَزِئ منّا، وغُرِّرَ بنَا، وعُذّبنا، واِستخدِمنا كالعبيد، وحرمنا، ولم نذق للمواطنة معنى، وتحكّم فينا المستبدّ الغاشم فالفاسق الوبش... لكِنّنا على الدّوام تمرّدنا... وانتفضنا... وقاومنا...
منذ بداية الستينات قاومنا، وفي أواسطها انتفضنا بل وسبقنا شباب العالم كلّه فاِنتفض بعد أن انتفضنا، ومع مطلع السبعينات تمرّدنا، وفي نصفها الثاني عاودنا، وكذا في الثمانينات والتّسعينات وعلى امتداد العشرية الأولى من هذا القرن الذي صنعنا له ثورته الأولى... المسالمة والذكية... والعارمة...
لنقرأ تاريخنا هذا القريب... ولنتأمّله : لقد خُدِعْنا مرّات ومرّات ومرّات... وسُرِقَتْ تضحياتُنا مرّات ومرّات... وانهزمنا مرّات ومرّات... ولعبت بنا قياداتٌ وأحزاب ومنظمات وشخصيات... لكنّ الشعب ظلّ على الدّوام هو الأكبر، حتّى جاء المدُّ هادرا، ملوّنا، جميلا، دفّاقا، يتصدّره فتياننا وصبايانا، وتسندُهُ أمّهاتهم وآباؤهنّ... وهلّ الفجرُ !
لن نركع أبدًا !
لن نركع شعبا يُذَلُّ ! ولن نركعَ جنسا يهانُ ! ولن نركع جماعةً لقِلّةٍ، وكيانًا لفئةِ !
ولن يمرَّ الجهل والعسفُ والتستُّر والجور والسيرُ عكس تيّار التاريخ الجارفِ !
لن يخيفنا لا الوعيد، ولا التهديد، ولا الحرقُ، ولا الشعارات الجوفاء والادّعاءاتُ الباطلة !
لن يفلّ في سواعدنا لا الرّاشي والمرتشون، ولا المتخاذلون باسم النّجاعة، ولا المنهزمون حتّى قبل أن يحاولوا، ولا الذين يكبّلهم تاريخهم الذي سينفضح، ولا اللاهثون وراء مقاعد، ولا من تناسوا أنّ الحياةَ حقٌّ وواجبٌ وشراكةٌ !
"فإمّا حياةٌ وإمّا فلا !"
وقسما سنعاود... ونعاود... ونعاود... ضدّ كلّ باغين سنعاود !
وسننتصِرُ... سننتصرُ... وننتصر... وإن مات منّا مزيدٌ وذُبِّحنا، وحوصرنا وحوربنا وخُدِعْنا، وتحالفَت علينا كلّ طوائف البغي والاستعباد، وتكالبَ علينا الشرق والغرب : سننتصر !


                                                                الصادق بن مهني
                                                               17 اكتوبر 2011

إلى اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد مرّة أخرى_نشر بجريدة المغرب بتاريخ 16 أكتوبر

نشرت لي جريدة "المغرب" في عددها الصّادر يوم الجمعة 14 أكتوبر 2011 في صفحته عدد 12، ملاحظات وجّهتها إليك أيتّها اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد من موقع الصّداقة والنّصح وممّا أشرت إليه ضمن ملاحظاتي أنّ على اللجنة، وهي قد قرّرت بعد إيقاف نشاطها الفنّي أي عمل التقصي ودراسة الملفّات المجمّعة (حسب ما صرّحت به عضوة فيها خلال ندوة رسمية دولية) أن تؤمّن "التدقيق في الملفّات التي حصُلت معالجتها حتّى تَثْبت صحّة الخيارات التي اتّخذت بشأنها... إلخ " ... وإذ وصلتني صبيحة صدور الجريدة، وحتّى قبل أن تبلغني نسخة منها رسالة من مواطن نبّهني فيها إلى صفحة على الفايسبوك تضمّنت نسخة من الوثيقة التالية :






فإنّني أجد نفسي مضطرّا مرّة أخرى إلى مخاطبة اللجنة علنا لأعبّر لها عن :
·       استغرابي من قيام اللجنة بإصدار شهادات براءة ذمّة لا أعتقد أنّ إصدارها يدخل ضمن صلاحياتها،
·       تساؤلي عن الأسباب الكامنة وراء إصدار مثل هذه الشهادة، وتوجيهها إلى غير م الملفّ أو الشكوى وبلغ دون أن تنتبه حتى إلى ضرورة التثبّت من صحّة موقفها ومن محتوى الملفّ مع المُبْلِغ الذي تكون اللجنة بالشهادة التي وضعتها، قد أحلّته محلّ اِتّهام (الادّعاء بالباطل).
وإنّني لأعلن للرأي العام جميعا أنّني في حِلٍّ كامل من ممارسات اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد، باعتبار أنّني لم أنظر في أيّ ملفّ بلغها، ولم أطّلع لا على أساليب ومناهج عملها ولا على أيّ تقرير كان يمكن أن ييسّر لي فهم تصرّفها في الملفّات والسعي إلى التأثير باتّجاه التصويب.
بل كلّ ما علمته خلال الاجتماعات العامّة (أي الجامعة بين الهيئة الفنية وبين الهيئة العامّة) هو أنّ الملفّات تعالج بثلاث طرق :
-         ملفّات يتمّ إحالتها إلى العدالة لتتكفّل بها،
-         وملفّات تحفظ لعدم أهمّيتها أو لضعف براهينها،
-         وملفّات تحال إلى الجهات الإدارية والمؤسسات العمومية لتتكفّل بها إمّا بمزيد التعمّق أو بمعالجتها على مستوى الهيئات الإدارية المتخصّصة.
وباعتبار أنّ حال اللجنة هي هذه الحال فإنّني أشدّد على ضرورة تأمين نقل دقيق للملفّات التي تجمّعت لديها وعلى أهميّة إعادة دراسة كلّ ما عالجته من شكاوي وكلّ ما حقّقت فيه لأنّ في ذلك السبيل القويم الوحيد لتبرئة ذمّة أعضائها.
وإنّني، رغم الظرف الذي تهيمن عليه الانتخابات، لأدعو الجميع، مجتمعا مدنيا وهيئات وأحزابا وسلطة مؤقّتة، إلى إيلاء المسألة ما تستحقّه من عناية متأكّدة اعتبارا لأنّ مقاومة الفساد بأنواعه هي محور عملية  الانتقال الديمقراطي، وأنّ مساءلة الفاسدين جميعهم ومحاسبتهم هي الضمان الوحيد للانتقال إلى مصالحة وطنية سليمة وتجاوز سلس. 


الصّادق بن مهنّي