30 déc. 2012

يكفينا محاكمات رأي أوقفوا محاكمة أيّوب المسعوي !




بإرادته ,أومحض صدفة,وجد نفسه في "قلب الرحى",في تلك النقطةـالحفرةـ الهوّة التي ينتهي إليها كلّ شيئ,هناك حيث تتلاطم الارادات و النوايا و الرغبات ,هنالك حيث تتشابك المتاعب و المصاعب و المناورات , هنالك  حيث كلّ شيء يهوي الى حلكة ـ يطحن  ـ ينساب منطاعا و حتّى ذليلا ,أو سصهر, أو يلفظ  ـ يطرد يعاقب ـ يلسع ـ يطعن ـ  يدشدش ـ تدقّ عظامه ...باختيار واع أو منقادا لعاطفته الجيّاشة و منصاعا لما حسبه نداء الواجب ,وجد نفسه في حزب أهلكه التسلّل الى العرش منذ خطوته الاولى فتعرّى  ـانكشف  ـ انفضح ـ  تهالك ـ  انشطر  ـ تشظّى  ـ  انقلب على ذاته و خياراته ... انظباطا أو جريا وراء سراب وجد نفسه في القصر مستشارا ـ أو هكذا  قيل له ـ أو خيّل إليه  و هو يحسب نفسه مستش ار  ثورة جدّت  هو يريد دفعها...لم يجد  نفسه  هنالك  عن طمع , أو ليتشعبط  , أو ليعطي  لشخصه  صورة , أو عن هوى للقصور  و " السرايا"  و مصاحبة السلطان ...و لم يربح ماديا من انتقاله من حيث كان يعيش و يعمل الى القصر ... و كان الى ذلك , يعي أنّ القصر  مؤقّت ـ موقّت ... و خسر راحة ـ خسر حضنا دافئا ـ خسر مكاسب  و محيطا  ـ خسر أحلى ما في عمر  رجل :احتضان ولديه  و هدهة الرضيع منهما  رضيعا و بثّ الثقة و الحبّ  و الطماتنينة  في قلب كبيرهما ـ  و هو يرى نفسه لم يعد  محور العالم ـ عالم أهله ...وجد نفسه هنالك و هو يحسب أنّه يغتنم فرصة ليدفع الى أمام و ينصح بما فيه خير لجهات محرومة و لفئات مظلومة قاسمها همومها و خبر أو ضاعها منذ صغره ـ هو ابن عمق الكاف و ابن المدرّس خيّل اليه أنّ باب العرش السماوي انفتح له  فوضعه  جنب عرش السلطة  يسخّر لها معارفه و علومه و حسّه الوطني و عزمه على التوق الى الاجمل  و الابهى و الاعدل ...خيّل إليه أنّه سيسمع و يسال و يدعى كلّ يوم و كلّ ليلة ـ كلّ وهلة  و كلّ لحظة  الى اعمال  فكره  و ابتداع حلول  و اقتراح  بدائل ...و لكنّه سرعان  ما فجع و احبط و خاب و صدم ...غير أنّ شبابه و اندفاعه  و عزمه على أن يكون  " الفتى" كلّما القوم قالوا :: من فتى  جعله لا ينكسر  و لا يهن  و لا يلين ... لذلك  استقال   لمّا بان  بان له أنّ رأيه  لا يبلغ  أو لا يسمع  أو يبلغ  و يسمع و يقنع  و لكنّه لا يراد ...و لذلك لم ينسحب هجرة أو عودة الى حيث  عمله و دراسته  و ذووه  بل قرّر : " أستقيل  و أظلّ هنا ...أظلّ هنا  أخدم شعبي و بلدي  في مواقع أخرى  و بطرق أخرى و بعيدا عن العرش و السلطة بل في موادهتهما ."... لذلك  لم يناور و لم يرتجف  و لم يختر سبيل التقية و التخفّي , بل عبّر  على رؤوس الملإ:  قال ما فكّر  فيه أغلب الناس ,  و صرّح  جهارا و بصوت  مرتفع بما همس به كثيرون , و أبان  و فصّل  و شرح حيث تعمّد  اخرون  الاشارة  و التلميح و الايعاز... و أجلّ  الامر محلّه : تسليم " المحمودي" ليس شـنا  بسيطا , بل هو " زلزال" هزّ البلد كلّه , و كان  من المحتمل  جدّا  أن يعرّض  الشعب  بل شعوب  المنطقة كلّها الى التطاحمن ...تسليم " المجمزدي" لم يحترم فيه الشعب لا في مصالحة الانية  و لا في مقدّرات غده  و لا في إرادته  حتى المحدودة  جدّا  و كما عبّر عنها  " الدستور الصغير" ...و رأى  أنّ  المكلّفين  بالتنفيذ تعملقوا  و قفزوا  على المكلّف  باتخاذ القرار ... بل هم راوغوه و ضلّلوه  و استهانوا به  من حيث  هو المشرف عليه  و اليه يعود  العقد و الحلّ في مثل هذا من الامور ... و  و قال عن بعض المنّفذين أنّهم لم يرعوا  الامانة  و لم يتقيّدوا  بالواجب... و اذ قال ما قال  فانّه لم يرم اثارة  أو تهريجا أو تجييشا ... و لم يتامر ...هو سعى الى ان يكون  جديرا  بمواطنته ,و رغب في  النصح و التنبيه ...ولم يظلم أحدا, و لم يجرّح مؤسسة , و لم يطعن  لا في الظهر و لا وجها لوجه , و لم يهدّد ,ز مارس أجمال ما منحتنا اياه انطلاقة الثورة : حرية التعبير  و مغالبة الخوف , و التعريف بخفايا   أنفسنا , و الاعلان الصريح عن ارائنا , و تصرّفنا من حيث أنّنا شركاء  في البلد و المصير  لا رعايا و قصّر  و تابعون .... و لولا تعنّت  و صلف و عنهجية  و ارادة بيّنة في التسلّط  و الاستبداد  و تكميم الافواه و تلجيم الادمغة  و التعتيم على الافئدة  لاختارت  السلطة  و كتنّفذوها أن تسكت عمّا قاله  أو أن تردّ عليه  ببيان أو توضيح ... و لو كان هدف الذين خرجوا الى الشوارع  و البطاح و الطرقات  وواجهوا الاستبداد  و تجليّات الاستبداد  في قضاء مستقلّ  و شعبيّ قد تحقّق  فعلا أو بدأ ينبني لكان القضاءء قد فتح تحقيقا  و أنصف الشعب  أوّلا  ثمّ كلّ  من من حقّه  أن ينصف : سواء كتان هو , أو من حاكموه ... و لو كنّا فعلا نعيش انتقالا و نبني ديمقراطية و نرسّخ حقوق الانسان  و المواطن  لما كانت  وجدت قصية عدلية  و لما اجتمع  قضاة العسكر  ليتّهموا  " أيوب المسعودي " و يقاصوه و يدينوه ... و لو كان المتربّع على العرش (و لو و هو خاو )لم يفقد بوصلته  و ظلّ يتمسّك  بشيء  من ابجديلت  التعامل  الحسن مع رفاقه و مساعديه  و أصحابه  و المقرّبين منه  حتّى  و هم ينصرفون  عنه لكان  أقنع بعدم  اجراء التتبعات  أو بايقافها... و لكان تضامن مع أيّوب  فحال على الاقلّ دونه  و دون أن يحرم من ملاقاة زوجته و طفليه , فاقنع  بأنّ  الحرمان من حقّ التجوّل  و السفر أمر بالغ الخطورة , و فيه حيف و تشفّ  خصوصا و أنّ لا شيء  في تصرّف أيّوب  يشي بأنّه  ينوي أو حتى يقبل  بالهروب... لو كان  من في القص جدير بالصورة التي يريد أن يسوّقها  عن نفسه  لكان على الأقلّ بادر بجمع  أيّوب باسرته  تضامنا و مازرة  و تميّزا  عن غيره  ممّن يقاسمونه  العرش... و لكان بادر أيضا  بتكليف محامين للدفاع عن أيّوب  على نفقته الخاصّة  و باذن صريح منه ... و لو كان رافعا الشكوى  يرغبان حقّا  في أن يكونا  في مستوى اللحظة  التي يعيشها بلدنا لركانا رفضا  رفع الشكوى , و تجاوزا , و خيّرا  التسامي , و لم يحوّلا  " حالة تعبير عن رأي و موقف " الى قضية  شأن عام  بكلّ الابعاد التي أخذتها ... و لو كان العقل الراجح  هو الذي يحكمنا  و ارادة  البناء  البناء الجماغعي هي التي تقودنا  لما عرفنا قضية  عنوانها : حرمان " أيّوب المسعودي " من حقّه في السفر  و التضييق  عليه كي ينتهي الى السكوت  و الامتناع  تلقائيا  عن التفكير خارج سرب العرش ...أمّا و الحال  أنّنا ما زلنا في بلده تحكمه الرغبة في الهيمنة و الاستبداد  و الاتكاء  على " مقدّسات" أقلّ ما يمكن أن توصف بها أنّها قابلة  للنقاش و اعتماد قوانين هي من صنع الدكتاتورية , و تناسي اللحظة التي نعيشها  و التي تشرّع  للجميع أن ينشد ما يريد  و أن ينادي بما يشاء , و أن يفكّر كما يحلو له , و أن يرى ما يراه , و أن يصرّح  بما يودّ التصريح  به , فانّه ليس من المستغرب  أن يواجه أيّوب  ما يواجهه  و أن يكون من ضحايا  قمع الرأي  و اضطهاد  حرية التعبير , و علامة سيّئة  و مسينة  على هذا الزمن و حكّامه ...هم لم يغفروا له استقالته : فالسابقان أرسيا تقاليد  تحريم الاستقالة.... و هو تكلّم مبينا حيث صمت الاخرون  أو راوغوا ... و هو أظهر لهم  أنّ ولاءه لهم  هو من ولائه لتونس ... و أنّه قبلا  و بعدا , ابن تونس و مواطنها ... و من ثمّة وقف  معهم ... و من حقّه , بالتالي , أن  يتجاوزهم  و ينقدهم  و يختلف معهم و لا يصطفّ معهم ..كفاكم عنتا ... و كفانا ضيما ... لقد سئمنا  المحاكمات الاستثنائية و محاكمة التعبير و الراي .    

الصادق بن مهني


22 déc. 2012

أنشودة حبّ لمسرح الحمراء

 
حلّقت الفراشات, حلّقت العصافير... أشعّت الفراشات أنوارا وألوانا, العصافير غرّدت ـزقزقت ـأنشدت ـ تلراقصت ـ غنّت...
رقصت الأجساد  ـ رقصت الخشبات ـ رقص الديكور ـ رقصت الكراسي...
تفلسف القهر ـ تفلسف الطمع ـ الجشع ـ الطوى  ـ انعدام الشبع ...
كنتُ هنالك ـ كنتَ هنالك ـ كنتِ هنالك ـ كانوا هنالك ـ كنّ هنالك ـ كنّا جميعا نتفلسف ـ نكذب ـ نداهن ـ نراهن ـ نهادن ـ نطمع ـ  ننصاع ـ نتداعى ـ نتداعى ـ ننباع ـ "نطحّن"ـ نتطاحن ـ نهوى ـ نهوي ـ ننقضّ ـ نتناقض ـ يهدّنا الاإحباط ـ نعاود...
نعم رأيتُ الكراسي ترقص ... لكن لم تكن على الرّكح لا فراشات و لا عصافير ! هكضا قالت لي رفيقة زمني .أجبتُ ـ هل أجبتها أم أجبتُني ؟!:ـ رأيت فراشات و عصافير...تألّقت الفراشات و تلألأت...وغنّت العصافير لدرويش و نيرودا و ناظم حكمت  و إليوار ...و أنشدت ديوان الشابي كلّه ...و تذكّرت من نسيناه : المختار اللغماني... و أقسمت معه على انتصار الشمس!
غدا الركح حلبة ,و تجوّلت الحلبة شارعا ـ الشارع الكبير بوسط المدينة ,الشوارع الكبرى بالمدن جميعها...
و انساب ـ انسكب صوتها ـ صوتكَ ـصوتكٍ ـ صوتهم ـ صوتنا من السماء ـ من الأفق ـ من فوق ـ من السماء يدفع الى الخشوع ـمهتمّا ـ مهموما ـ مؤمّلا ـ يترجّى ـ يقرّ ـ يقرّر ـ يأسف ـ يتوعّد ـ يأمل ـ حزينا ـ بهيجاـ مثلَها ـمثلُك ـ مثلكٍ ـ مثلهنّ مثلنا ...لا لم تكن ليلى غائبة:كانت حاضرة  بذلك الصوت ـصوتها...كانت حاضرة بتشاؤمها ـ تشاؤلها ـ تفاؤلها...كانت حاضرة و رأيتها في "قنّون"يراقص ـ يلاعب يهدهد كلامها و ترجّيها...لماذا كان مبدعونا ـ و كسرحيّونا خصوصا ـأقلّ من هادن وداهن و تمطّط و تبنفسج و باع عمره و هواه و قدره؟
وأليس لذلك بالذات كان  مبدعونا و مسرحيونا الضحايا الأوائل للعلم الأسود؟
الشارع الكبير تحوّل الى الرّكح...رأيناه ينبض ـ ينبذـ يتحرّك ـ يتحرّر...رأيناها عيونا ضاحكةوجمالا متوّثبا و حناجرصدّاحة و قبضات رفيقة وألقا متوّثبا وعزما عازما  و انبهارا يبهر...
الشارع الكبير أيّام 14و 15و 16و 17و 18 جانفي بانعتاقه و بغازه و رصاصه و تآمره و انقضاضه و بتحدّيه و تصدّيه و اندفاعه وطفولته...
و القصبةُ...و القادمون سيرا على الأقدام من منزل بوزيّان...النّائمون عند عتبات الحكّام ... المتمرّسون بأحلامهم البسيطة ـ الجميلة - البهيّة...
شارع الجزيرة إستعاد شيئا من بهجته  ـ من ثورته ك تجنّبته مظاهرات جانفي 2011, فانتفض متذكّرا فيفري 1972, وبلطف و تأنّ و تؤدة جذب إليه الشارع ـ كلّ الشوارع و البطاح و استضافها بال"حمراء"لدى طوبال و عز الدين...
يا ليلى صوتكٍ ـ صوتنا ـ خشيتك خشيتنا ـ رجفتك رجفتنا ـ همومك همومنا ـ صبرك صبرنا ـ و انطلاقتك أملنا ...كم أنت حلوة : صوتا يملؤنا...وكم أنت حلوة تلتحفين العلم و تنيرين الشموع و تفتحين المجال لمارسيل في مسرح بوقرنين...و كم أنتـ نحن و أنت تقاومين القدر : تظاهرا و غضبا صدّحا و ابداعا يبدع رفضا  و يفتح الأفق أمامنا واسعا و مغالبة للخبيث يرهقك ولا يهدّك...
أيّها المبدعون و يا مبدعات : رقصنا معكم و بكينا معكم و أشفقنا معكم و تنادينا معكم و ـقسماـ!سننتصر معكم...
شعبنا شعب المستحيل:لا يستحيل عليه الانتصار العصيّ...و لا يستحيل عليه الانكسار ساعة الانتصار ...نعم شعبنا ينكسر  حين يسهل عليه أن لا ينكسر : انظروا حنبعل  يراوح مكانه  تغريه روما  و هو ينتظر !انظروا حنبعل يزرع البلد زيتونا و أخضر ثمّ يصرف أو ينصرف ...انظروا خير الدين يفتح الباب للعصر ثمّ ينباع ـ يبيع و ينصرف...انظروا بن غذاهم انظروا فرحات ...انظروا انكساراتنا بعد جانفي 1978و جانفي 1984, و انظروا من حكمنا بعد انخلاع المنخلع أوّلا و ثانيا و ثالثا, و رابعهم هو الذي لا همّ له إلاّ أن يسدّ الأفق أمام أحلامنا! لكنّ شعبنا  اعتاد الكرّ ـ تربّى على المعاودة ـ كبحره يهدأ لكنّه سرعان ما يعود يثور ـ صبور  لكنّه حين ـ يجدّ الجدّ و يقول القوم  "من فتى"؟ لا يناور بل يستجيب...
غيلانكم غيلان يغلبها " غيلان"...غيلانكم منّا و فينا وسننزعها منّا و فينا...غيلانكم بهجة الأفق ما يزال يسدّه شيء من حلكة و دم سرعان ما سينقشعان...

ملحق: سؤال الى المستبدّ:أسألك .هل تعرف معنى هذا الشعر ـ الكلام ـ الأغنية : "يطير الحمام...يحطّ الحمام"؟
قطعا لا ...و لذلك سيطير الحمام و يحطّ ثمّ يطير و يحطّ و يطير ...و لذلك ستظلّ مستبدّا جهولا حتى...تنخلع
 
 
 
 .