27 août 2011

ماذا تدبّر لنا يا سي الباجي ؟


رغم أنّ واحدا من أصدقائي العاقلين و المجرّبين، على الأقلّ، يشاطرني ما سأكتبه أسفله، فإنّني أرجو صادقا أن لا يكون لتخميناتي و استنتاجاتي أيّ قدر، مهما ضؤل، من المصداقية... ذلك أنّني أتمنّى لبلدي سيرا واثقا نحو الديمقراطية و نجاحات تخدم جميع فئات الشعب ذات المصلحة في الثورة التي هي في واقع الأمر جميع فئات الشعب لا يستثنى منها إلاّ قلّة من المتمعشين المستكرشين النهّابين الفاسدين على جميع المستويات و منتهكي حقوق الإنسان و الطمّاعين الخنوعين.
 من قراءتي للخطاب الأخير للوزير الأوّل في الحكومة المؤقتة، و من بعض التحليلات و البيانات الصّادرة هنا و هنالك، و من مواقف تمّ التعبير عنها من قبل بعض أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و ما إلى ذلك و خصوصا منهم رئيسها، و من بعض التحركات الميدانية التي شهدها و ما يزال يشهدها الشارع التونسي يبدو لي أنّ قوى بعضها خفيّ و بعضها يجمع بين رئيس الحكومة المؤقتة و رئيس الهيئة العليا و زعامات بعض الأحزاب و المنظّمات المهنيّة و الحقوقية تدبّر للانعراج بالمجلس التأسيسي من مجلس تخوّل له شرعيته المستمدّة من الشعب عبر صناديق الاقتراع أن تكون له صلوحيات :
-تعيين حكومة مؤقتة جديدة و رئيس مؤقّت جديد، و الإشراف على أعمالهما،
-و التشريع،
-و إعداد الدّستور الجديد
-ثمّ أخيرا الإعداد لانتخابات تشريعية و رئاسية،
الإنعراج به إلى مجلس تأسيسي فنيّ لا يتولّى غير مهمّة إعداد دستور جديد.
و هو ما يعني استمرار مسك السلطة بل السلطات من قبل الحكومة المؤقتة الحاليّة، على حالتها أو معدلّة، أي عمليا تحكّم سلطات بعضها خفيّ، و قد يكون الأقوى و الأكثر تأثيرا- و كلّها مفتقدة لشرعيّة حقّة أو ذات شرعية ضئيلة، في مقدّرات البلد و في المؤسسة الشرعية الوحيدة التي من المفترض و المقدّر و المطلوب أن تؤمّن الانتقال بالبلاد من مرحلة سيادة اختيارات و مؤسسات و منظومات النظام البائد- أصلا و بقايا إلى مرحلة بناء نظام جديد بديل.
و إذا ما صحّ هذا التخمين فإنّ الأمر سيعني حقيقة لا مجرّد التفاف على الثورة و إحباط لأهدافها و هدرا للطاقات و التضحيات و الوقت بل سرقة موصوفة لمطامح الشعب و أحلامه و نضالاته و إهداء للسلّطة إمّا لأزلام النظام السابق أو لنظام بديل لن يتميّز عن النظام البائد إلاّ ببعض من مسّمياته و صوره و خطاباته.
و إذا ما صح هذا التخمين فإنّه سيترتّب عن الأخذ بما استشفّه- و لا شكّ- خيبة أمل كبرى، و يأس عارم، و غضب هادر، و بالتالي انفجار جديد قد يكون أشدّ رعدا و قصفا و هيجانا و أثرا. ذلك أنّ طموحات شبابنا و انتظاراته لا تزال متأجّجة، و أنّ ما قد يبدو لبعض من المستبدّين بالسلطة على أنّه هدوء و خنوع  و تسليم أو استسلام ليس إلاّ وهما أو سرابا يخفي و راءه بركانا متوثّبا للانفجار و الانسياب و الزحف.
 و لعلّ من أبرز علامات الانفجار الكبير الممكن و شديد الاحتمال و الذي سيعصف أوّل ما سيعصف في حال وقوعه- بالقوى الخفيّة و الظاهرة التي ذكرها التخمين حتّى و إن  هي تشبّثت بالسلطة بكلّ الوسائل حتى غير القانونية  و العنيفة منها، هذه المظاهرات و الأحداث التي يدعو إليها شبّان و شابّات أغلبهم غير منظّمين في أحزاب و جمعيّات و بعضهم منظّمون لكنهم يحرصون على حدّ أدنى من الاستقلالية و لا ترضيهم كلّ أو جلّ أو بعض خيارات تنظيماتهم.
 و أيّا كانت الإشاعات و الادّعاءات التي تبثّها أجهزة السلطة و بعض من الناطقين الرسميين و التي ترمي لتشويه تحركّات هؤلاء و إظهارها على نقيض حقيقتها و تبرير التعامل معها باللجوء إلى العنف و القهر و القمع ... هذا ما يظهره مثلا التعامل العنيف الذي لاقته المظاهرات السلميّة التي اجتاحت وسط العاصمة و شارع بورقيبة يوم الاثنين 15 أوت، و ما تلاه من تعمية إعلامية و ادعاءات و من تعتيم شمل التحرّكات المماثلة و الموازية التي شهدتها أنحاء و مدن و تجمّعات عديدة من بلادنا.
 و من علامات ما  قد يكون يدبَّر هذا التغاضي- الذي قد يبلغ حدّ التحفيز- عن الفوضى العارمة التي طغت على شوارع مدننا و أنهجها و تواصل نماء شبكات الأنشطة غير المنظّمة و التجارة الموازية العابرة للحدود ( و ليس باتجاه ليبيا فحسب) و البناء الفوضوي، و البلطجة، و عدم التصدّي للتجاوزات و الاعتداءات و الانخرامات الأمنية ...
سيّدي الوزير الأوّل، أحلم بأن تقرؤوا هذا و بأن تكذّبوه و تبيّنوا أنّكم فعلا في خدمة تحوّل ديمقراطي حقيقيّ و بأنّكم لن تعرقلوا مسيرة شعبنا نحو الحرّية و الكرامة و التنمية في أيّ حال من الأحوال.
الصادق بن مهنّي
 
26  أوت 2011

20 août 2011

مواضيع و أسئلة سكت عنها خطاب الوزير الأّول


خطاب الوزير الأوّل الذي ألقاه قبل يومين بقصر المؤتمرات أحيط ببهرج و إخراج أظهراه و كأنّه حدث يتنزّل ضمن حملة إنتخابية .
الحاضرون في القاعة كانوا بالأساس أعضاء الحكومة المؤقتة و الهيئات العاملة إلى جانبها و ممثلو أحزاب عدد كبير منها تعبيرات تجّمعية ... و الوزير الأوّل وقف قبالة الحاضرين على مبعدة منهم ( و في هذا لم يقلد الوزير الأوّل مثله الأعلى بل سلك مسلك المخلوع) يحيط به و يظهر خلفه أعلام كثيرة و حماة . و لم يكن واضحا من كان الوزير الأوّل يستهدفه بخطابه: الحاضرون؟ أم عامّة الطبقة السياسية ؟ أم جزء منها ؟ أم عموم الشعب ؟ كما لم يكن واضحا لماذا لم يتوجّه الوزير الأوّل بخطابه من قصر القصبة التي "حرّرها" و شغلها تأكيدا على رمزيتها ؟ و لماذا لم يقتصر على خطاب منقول تلفزيا و إذاعيا ؟ و لماذا لم يفتح قصر المؤتمرات لحشود تحوّل الخطاب إلى حدث جماهريّ؟ هذا على المستوى الشكليّ و هو هامّ، و على صلة وثيقة بالمضمون – المعلن و المسكوت عنه_ . و من حيث المضمون سجّل أوّلا تأكيد الرّجل على  أنّ حكومته أفضل الحكومات التونسية بعد حكومة الاستقلال الأولى، و تشديده على أنّه لم يكن و ليس في الإمكان أفضل مّما كان و مما يكون منه و من حكومته و من هيئاته بما فيها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد و الرشوة التي نفخ في أعمالها فضاعف عشرات المرّات من نتائج عملها ( يظهر أنّه خلط بين الملفات التي تمّ درسها و بين الملفّات التي أحملت إلى القضاء) و لم يثر ما طرح تساؤلات حول تركيبتها (المبنية على رئيس معيّن يختار كما يريد و يشتهي و دون معايير مساعديه) و حول طرق تسيير أعمالها ( إستراتجية تلقي الشكاوي أو التفتيش عن الملفات...) و منهجيّة التناول و الأولويات (القطاعات؟ حجم الملّفات؟ مستوى المسؤولية؟ ... إلخ) و كيفية اتخاذ القرار بالنسبة لكلّ ملف (قرار فردي؟ قار لجنة فرعية؟ قرار جماعي؟) و شفافية أعمالها (إعلام العموم بأهم الملّفات، تبرير طرح شكاوي و ملفات من عرضها على القضاء...) و انفتاح جناحيها الواحد على الآخر بما يضمن التناغم و التكامل بينهما. ( الهيئة العامة التي كان من المفترض وفقا لمرسوم الإحداث أن تتولى و ضع توجّهات العمل، و اللجنة الفنيّة) و مدى انفتاحها على وسائل الإعلام و على المجتمع المدني (كيفية اختيار ممثليه في هيئتها العامّة و فقا للمهام الموكولة لهم و بما يجعلهم يمثّلون حقيقة الرأي العام الواسع و المتنّوع، و مناهج حفظها للملّفات و للوثائق التي تصلها أو تتحفّظ عليها (و منها وثائق الرئاسة التي صادرتها و لا أحد –مبدئيا- يملك نسخا منها...) بما يؤمّن ديمومتها  و حسن استخدامها  و عدم تعرضها للتلّف أو العبث ... و بخصوص المطالب السياسية العامة تضمّن الخطاب تبرئة عملية للحكومة بكامل أجهزتها من كلّ ما يمثّل قصورا أو حتّى نقصا في المساءلة و المحاسبة في ما يهمّ الفساد السياسي و المالي و الأخلاقيّ، و تحويلا للملفّات و المسؤولية إلى جهات لم تعد قادرة على التكفّل بها... و يلاحظ هنا أن الخطاب سكت عن مواضيع و مسائل كثيرة منها:
-لماذا تمّ تقزيم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي و لم يسمح لها إن لم يكن بمراقبة العمل التشريعي و الحكومي فبالمساهمة فيه على الأقلّ ؟ خصوصا أنّ الحكومة لا يمكنها أن تزايد على الهيئة العليا من حيث الشرعية .
-لماذا تمّ السكوت عن المطالب الشعبيّة التي جدّدت التعبير عنها المسيرات التي عرفتها مدن و قرى عديدة. و التّي مثّلت الشعارات الأساسية التي رفعتها المسيرة التي  تمّ قمعها بشراسة يوم 15 أوت في شارع  بورقيبة و الأنهج المحيطة به... (و من المعلوم أنّه سعى بطرق متعدّدة إلى تشويه هذه المسيرة و الادّعاء على منّظميها رغم أنّها كانت سلمية و رغم انّ المشاركين فيها كانوا متنوّعي المشارب لكن جمعتهم مطالب تحقيق أهداف الثورة و خصوصا إسقاط النظام القديم و محاسبة رموزه من الفاسدين و الوفاء للشهداء بمحاكمة المسؤولين عن تقتيلهم و تطهير القضاء... و خلافا لما يروّج له لم ينادوا بتاتا بتأخير انتخابات المجلس التأسيسي أو التخلي عنها ...
-لماذا لم يتحدّث الخطاب إلى الشباب الذي اعترف له بأنّه وقود الثورة  و الفاعل الأساسي فيها بما يطمئنه و يهدّئه... و لماذا لم يعلن عن آلية تؤسّس للاستماع إليه هو أيضا –بل هو قبلا- و لمحاورته و لتشريكه؟
-لماذا لم يشر الخطاب إلى مثيري الشغب في الجهات ممّن كشفتهم أفعالهم و تحدّثت عليهم وسائل الإعلام و فضحتهم الناس و لم يعد يالتصدّي لهم فعلا و حقيقة حفاظا على هيبة الدولة و سلامة المواطنين ؟
-لماذا لم يتناول بالدّحض أو بالتأكيد تكاثر المال السياسي و المال الفاسد و لم يدع إلى وضع ميثاق أخلاقيّ و قانوني للتعامل معه؟ و لماذا لم يشرح للعموم ظاهرة الفقاقيع الحزبية المتزايدة و هذه الحملات الانتخابية السابقة لأوانها و المسخّرة لإمكانيات أقلّ ما يمكن فيها أنها مجلبة للشكّ ؟ و عندما تحدّث الوزير الأوّل عن موعد الانتخابات لماذا عمد إلى إثارة الشكّ بخصوصه أو بخصوص صلاحيات المجلس التأسيسيّ عندما أشار إلى إمكانية مواصلة الحكومة المؤقتّة لعملها بعد 23 أكتوبر ؟ بل لماذا  لم يعمد الوزير الأوّل في هذا الصدّد إلى التبسّط في شرح المسألة بما يبيّن و يبرّر إمكانية المحافظة على الحكومة المؤقتة ذاتها حتّى بعد انتصاب المجلس التأسي إمّا بالإقرار المسبق  بتفريغه لموضوع إعداد الدستور دون سواه (بناء على أيّ وفاق أو توافق؟ و كيف؟) أو بطلب منه (من يلزمه به؟ و كيف؟) ... فالمنصت إلى الخطاب يخيّل إليه أنّ أمرا ما يدبّر في الصّدد (من قبل من؟ و كيف؟ و لأيّة غايات؟ وحديث المختصّ في القانون الدستوري عضو لجنة الخبراء بالهيئة العليا أمين محفوظ إلى جريدة الصباح ليوم السبت 20 أوت المعنون ب" مجلس تأسيسي فنّي و حكومة و حدة وطنية لادارة المرحلة القادمة" يزيد في الميل إلى استشفاف أمر ما. فهل يمكن أن نعلم بشفافية أفضل؟ و هل يمكن أن نتوقّع توضيحات و تفسيرات تحدّ من التأويلات و التخمينات، و تساعد على السيطرة على احتقان الشارع الذي بدأ يتفاقم، و على التحكّم في أفعال القوى الخفيّة، و ادّعاءات المغرضين الدافعين باتجاه التصادم و العودة إلى القمع الممنهج .
الصادق بن مهنّي 20 أوت 2011

11 août 2011

لو كنت الوزير الأول في الحكومة المؤقتة لحرصت على أن أحافظ على ما تبقى من ماء الوجه و ...

عندما عيّن السيد الباجي القايد السبسي و زيرا أوّلا في الحكومة المؤقّتة أفلح في أن يستميل قطاعات واسعة من الشعب ، بل و خيّل لكثيرين  أنّه "الرجل المناسب للموقع المناسب" اعتبارا لخبرته، و لسنّه الذي يحول بينه و بين أن يطمع في مزيد جاه أو مال أو نفوذ ... و خلال الأيّام الأولى لحكمه هدأ شباب كثيرون و مرح البعض انقيادا لروحه المرحة، و أعجب معجبون بطريقته في الكلام و "ضماره"...
غير أنّ الرجل سرعان ما بادر إلى التكشير عن "بورقيبيته" : بدأ يستعرض عضلاته ... و اتّخذ "هيبة الدولة" همّا أوّلا له ... ثمّ استحضر بورقيبة هيئة و خطابا و إشارات بل و لم يتردّد ، هو و من عاضده في ذلك، حتّى في أن يحاولوا تحويل الثورة إلى مجرّد ثأر لبورقيبة و البورقيبية ... و على شاكلة مرجعه الأوّل و الأخير انطلق يهدّد و يتوعّد ، و يذكّر بمناسبة و بدون مناسبة أنّه يحكم بمفرده و أن لا أحد يشاركه صنع القرار ... و تعملق و استأسد و لم يتورّع حتّى عن استعمال العبارات السوقيّة حتى في محضر الهيئة التي سبقته إلى سدّة السلطة و التي أريد لها أن تمثّل الشعب و تحمي حقوقه في إنفاذ ثورته و انتقاله الديمقراطي و إصلاحاته السياسية ... و سيرا على خطى المستبدّين جميعا و المستبدّ الذي هو مثله الأعلى تحامل على الإعلام الحابي شتما و استحقارا و تهجّما و اعتداء ... و رغم كلّ  ذلك لم يفقد السيّد الباجي قايد السبسي كلّ وهجه، بل حافظ على شيء من ألقه رغم الصدإ المتسارع ... و ظلّ قسم كبير من الرأي العام يرى فيه الرجل المناسب للبلوغ بالبلاد إلى مجلسها التأسيسيّ الموعود ...   غير أنّ انكفاء حسّ الرجل و انحسار حرصه على هيبة الدّولة عند حدّ إطلاق الغازات و الهراوات و الكلبشات على المسيرات و الاعتصامات التي تتقدّمها الورود و القبلات و الأهازيج السلميّة، و إطلاق أيدي خفافيش الظلام ليعيّنوا من يريدونه في مفاصل الإدارة و هياكل اقتصادية و سياسية محورية، و حدّ التذرّع باستقلالية السلطات لترك القضاء يعمل و فق آلياته و خياراته و ممارساته الموروثة، و حدّ التعلّل بالتمسّك بمبادئ حقوق الإنسان لفسح المجال أمام فاسدين لا شكّ في فسادهم –السياسي و / أو المالي و/ أو الاجتماعي و / أو الأخلاقي-   و ليستمرّوا طلقاء، و لرفض تفكيك المنظومات التّي ركزّها الفاسدون النهّابون الخونة... و مضى الرجل يتدحرج على منزلق التسلّط و الاستهتار بمطالب عامّة النّاس و الاستخفاف بمواقف و أراء الهيئات التي لا تزيد شرعيته على شرعيتها و صمّ أذنيه عن مناشدات أهالي الشهداء و الضحايا، و نداءات المجتمع المدني و نصائح أحرار البلد... فسكت عن القوى الخفيّة التي أشار إليها أكثر من مرّة و التي تعمل جاهدة على تخريب البلاد و نسيجها الاجتماعي... و لم يمتنع عن تخويف الناس و تهديدهم بالويل و الثبور بإطلاق فزّاعات التدهور الاقتصادي و تهويل المخاطر الأمنية
و أخيرا ها أّنّنا نراه يرأس حكومة:
-لا تحكم حقيقة، و لا يرأسها حقيقة ، ولا تصبّ جهدها باتجاه تصريف الأمور الذي هو دورها .
-لا تشتغل وفق مبدإ التضامن و التآزر و التناغم بل تتناحر و تتبادل الاتّهامات، و تعمل عناصرها كلّ وفق هواه.
-لا تحقّق للشعب مطالبه، و لا تصغي لصرخاته، و لا تعمل على تهدئته إلاّ بمسكّنات المغالطة  و الخداع التي ثبت فشلها.
-لا تسيطر على مفاصل القرار الأمنيّ و العدليّ و الاقتصاديّ و لم ترس لمرحلة حكمها خطّة تضمن تحقيق و لو حدّ أدنى من أغراض الثورة و إنجاح التحوّل نحو الديمقراطية ، بل تركت الحبل على الغارب للفاسدين ليلتحقوا ب"زميمهم" و للمارقين كي لا يحاسبوا، و لم تمدّ يدها للهيئات الاستثنائية التي أحدثت بدعوى التقصّي و المساءلة و المحاسبة فحال الصّد و الاستئساد بين إحداها و بين إتمام أعمالها، و شلّ الانفراد بالرأي و القرار و العمى الإستراتيجي و انعدام الحسّ المنهجيّ واحدة أخرى منها حتّى حادت –أو كادت- عن أهدافها و رميت بأنّها تسعى إلى وأدها:
-لم تعمل شيئا لتبوّء الشباب مكانة تناسب قدره وعدده و حرمانه و نضالاته و انتظاراته.
 و ها أنّنا نراه :
- يتخلّى عن عرينه بالقصبة – التي يصرّ إلحاحا و هراوات  على الاستئثار بها دون أبناء الوطن الذين لا يشاطرونه الرأي- ليؤوي مسرحيات هزليّة لا محلّ لها تؤجّج التضاد بين أجنحة حكومته، و تستصغر تضحيات الشّعب، و تستهتر حقيقة بهيبة الدّولة.
-لا يحرّك ساكنا حتّى تنشط حقيقة عمليات مسائلة و محاسبة رموز العهد البائد و الفاسدين و من أجرموا في حقّ الوطن بتعطيل فعله التنمويّ، و نهب مقدّراته، تكميم أفواه أبنائه و تقييد جميع الفاعلين فيه أيّا كان موقعهم في عملية الإنتاج و التطوير.
- لا يطلّ على الناس إلاّ ليزيد حيرتهم حيرة و أساهم أسى و إحباطهم إحباطا حتّى لكأّنّ همّه أصبح غلق أبواب الأمل أمامهم و سدّ كلّ منافذ التطّلع إلى أفق بهيّ... و في المقابل هو يصمت عن الأسئلة الحارقة و يغضّ الطرف عن كثير ممّا يستوجب التمعّن فيه... و كأنّ الحفاظ على هيبة الدولة لا يعني قبلا و خصوصا حماية الدّولة من تطاول المارقين و فرعنة قوى الظلام، و ديمومة الفساد و استشراء المضاربة بقوت الشعب، و تواصل الاستكراش و مخاتلة الفاسدين في الإدارة و اجهزة الدّولة...
-لا يتصرّف بما يبيّن عدم صحة ما يقال عن ابتزاز القرار من قبل جهات داخلية و خارجية يكتنف الغموض ملامحها.
 و في ما هو مفصل أعلاه ما يفسّر علامات اندثار الهالة التي أحيط بها السيد الباجي قائد السبسي أيّام تنصيبه الأولى و بدء تعالي أصوات تنادي بإزاحته...
و لأّنّني تربّيت على احترام الأكبر سنّا، أجدني أقول للسيد الباجي قايد السبسي: " لو كنت مكانك لاخترت بين أمرين: أن أطلع على الناس فأصارحهم و أكاشفهم بما يشبه عمل السيد فرحات الراجحي أو بما يشبه ما فعله السيد محمد الغنوشي و هو يغادر أو أن انسحب –ومن معي أو وحدي- و لو على أطراف الأصابع".
الصادق بن مهنّي
10 أوت 2011

10 août 2011

نص أعجبني كتبه الدكتور الأمين ذويب في جريدة الجزيرة

لا تخافوا على الثّورة، فهي بخير ما دمتم بعيدين عنها
 قبل بضعة أشهر، كانت لنا رئيسة تحكم تونس مع إخوتها عن طريق زوجها الرّئيس.
كان لنا حزب واحد يتحكّم في كلّ دواليب الدّولة، وينضمّ إليه تسعون في المائة من أفراد الشّعب الّذين لم يدخلوا إلى السّجون.
كانت لنا نشرة أخبار يعيدونها كلّ يوم كنسخة مطابقة للأصل، وتتحدّث عن الخير الكبير الّذي يعمّ تونس بفضل صانع التّغيير.
كانت كلمة «لا» تسبّب لصا

حبها كلّ البلاء.
كانوا يسرقون وينهبون وأفراد شعبنا من «القفّافة» و»البنادريّة» يصفّقون لهم... وما أكثرهم في وطني!!
واليوم...
لنا «رئيس» و«رئيس وزراء» يقفان أمام القضاء إذا تطلّب الأمر، ويُحاسبان حسابا عسيرا.
أضحى لدينا شيء اسمه «قضاء مستقلّ»، ويستقلّ كلّ يوم أكثر.
أصبح لنا وزراء يسبحون في البحر أمام النّاس ليثبتوا نقاءه من الموادّ السّامّة، ويدفعون ثمن قهوتهم، ونسخر منهم في الجرائد وبرامج الإذاعة والتّلفزة، ونتنافس في السّخرية منهم وعليهم.
أضحى لدينا مائة حزب وألف جمعيّة مدنيّة.
أصبحنا نشاهد نشرات الأخبار التونسيّة!!!
كلمة «لا» أصبحنا نتنفّسها كما نتنفّس الهواء.
وبعد كلّ ذلك... يطلّ علينا بعضهم ليقولوا لنا بأنّ الثّورة لا تعدو أن تكون «وهما» وخدعة سياسيّة، وبأنّ الشّعب التّونسيّ مازال لم يكسب شيئا من المكاسب، وبأنّ الثّورة «الحقيقيّة» لم تتحقّق بعد!!
وبعد كلّ ذلك... نفس هؤلاء النّاس مازالوا يعتصمون ويضربون عن العمل، ويحتجّون ويتخاصمون، ويسبّون ويلعنون، ويشتكون إلى القضاء... ثمّ يخالفون القانون ولا يدفعون الضّرائب!!... ويطردون مديري المؤسّسات لأسباب شخصيّة.
وأغلب هؤلاء هم من «بنادريّة» و«قفّافة» الماضي الّذين استحالوا في يوم وليلة إلى أبطال يقولون بأنّهم يقومون بحماية الثّورة.
أقول لقفّافة الماضي: الثّورة لا تحتاج إلى حمايتكم لأنّكم ببساطة لم تقوموا بها، ولأنّ ألاعيبكم مكشوفة وخططكم الغبيّة أضحت عارية أمام الجميع... اتركوا الثّورة لأهلها، أو انضمّوا إلى الأغلبيّة الّتي تعمل في صمت إلى أن يحين أوان القبر... ولا تخافوا على الثّورة، فهي بخير ما دمتم بعيدين عنها.

فقط، اتركونا بسلام!
حقوقكم محفوظة.
كلّ حقوقكم بلا استثناء.
من حقّكم أن تحافظوا على كلّ وصايا السّلف الصّالح،
أن تطبّقوا كلّ تعاليم شيوخكم الذّين يخاطبونكم من الفضاء،
أن تجهروا بمذاهبهم المتسلّلة إلى مجتمعنا عبر قنواتهم الفضائيّة،
من حقّكم أن تطيلوا اللّحية وأن تضعوا الأخمرة على نسائكم،
أن تقضّوا كل وقتكم الضّائع في الصّلوات النّافلة وأن تهبوا كل طاقتكم الثّمينة للصّيام،
حقوقكم «العظيمة» كلّها محفوظة.
من حقّكم أن تهبوا حياتكم للآخرة، وأن تفعلوا بأنفسكم ما تريدون.
فقط، اتركونا بسلام!
اتركونا نعيش الدّنيا الّتي لن نعيش فيها إلاّ مرّة واحدة.
اتركونا نستمتع بحياتنا... بفنوننا... بكتبنا وأفلامنا ومسرحيّاتنا ورسومنا...
اتركونا نصنع «الحضارة» الّتي لن يصنعها إلاّ أمثالنا... مثلما لم يصنع حضارة أجدادنا إلاّ أمثال «ابن رشد» و»ابن سينا» و»المعرّي» و»الجاحظ» و»ابن زيدون».
انقدونا فيما بينكم... انتقدونا إن أردتم...
تهامسوا بينكم أنّنا حطب جهنّم.
تهامسوا كما تريدون.
فقط، اتركونا بسلام!
وابعدوا ألسنتكم وأياديكم عنّا... وابعدوا عنّا سيوفكم... وبنادقكم... وأحزمتكم النّاسفة.
ولا تحزنوا... هناك طرق أخرى، غير الأحزمة النّاسفة، تستطيعون بها أن تصلوا إلى حوريّات الجنّة السّبعين.
اتركونا نعيش الحياة لنصنع الحياة.
واصنعوا آخرتكم كما تريدون.

فقط، اتركونا بسلام!

لا للإحباط

-ماذا تقول بشأن تمكين السيدة العقربي من مغادرة البلاد، وإطلاق سراح الوزير البشير التكاري؟ ثمّ ألا ترى مثلي بعض نقاط استفهام تتراقص أمام ناظريك بخصوص المحاكمات التي تجري والحرص الظاهر على عدم فتح بعض الملفّات حتّى لا تطال المساءلة بعض الرؤوس؟ 
________________________________________

لم تفاجئني هذه الأحداث أو الأفعال , و إنّني لسعيد  لأنّ عمليات التهريب و الهروب و التّخفي و خصوصا مناورات النّهّابين و السرّاق و الفاسدين و ألاعيبهم ظلّت –لحد الآن محدودة ، و تصدّى لها المجتمع و إن بعناء . ذلك أنّه من الطبيعي أن يسعى من انتفعوا من نظام القهر و غنموا من آليات الفساد إلى الحفاظ على أكثر ما يمكن من الأجهزة و الآليات و الممارسات التي بنوها على امتداد أكثر من نصف قرن . و أن يلجؤوا في سعيهم ذلك إلى كلّ أنواع الدّهاء و الخبث و أن لا يتردّدوا في استخدام كل الأسلحة و المناورات . كما أن ما نكتشفه كل يوم من تشرّش منظومات الفساد عميقا في  كلّ جهات البلاد و أنحائها و في كلّ قطاعات الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية يدعونا إلى الاعتقاد أنّ اقتلاع جذور الفساد سيتطلب وقتا طويلا و جهودا مضنية .
ثمّ إنّ الثورة – يا صديقي . لم تكد تنطلق ... صحيح أنّ رأس النظام قد خلع و أن جهازه الأوّل (التجمّع الدستوري الديمقراطي) قد حلّ... و صحيح أنّ أشياء كثيرة قد تغيّرت... لكنّ جوهر النظام السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ما يزال جاثما على البلاد ... ثمّ إنّ السلطة المتهاوية لم تعّوضها بعد سلطة بديلة ديمقراطية... كما أنّنا لم نفلح في رسم خطط واضحة و فعّالة لإنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي... لقد تمّ إسقاط السلطة التشريعية لكنّ السلطة القضائية ظلّت على حالها و تسير وفق مناهج التسيير الفاشلة ذاتها.كما ظلّت السلطة التنفيذية في أساسها في يد متنفّذين قدامى لا مصالح لهم في انتقال حقيقيّ، بل أن منهم من عمل و ما يزال يعمل على تحويل المسار من ثورة شعبية واسعة إلى فعل ثأر و انتقام لبورقيبة ... و الجماهير الشعبية فاجأها نجاحها و أسكرتها سرعة الأحداث ، و ترنّحت تحرّكاتها جرّاء غياب قيادات حقّة... و المعارضة لم تجد سبيلا لتتجاوز نفسها ... و القوى المتشبثة بتلابيب السّلف وجدت تربة خصبة لتترعرع وسقاة أسخياء ... انظر-صديقي- نحن لم نركّز عدالة انتقالية فعّالة ، بل إنّنا لم نركّز عدالة انتقالية بالمرّة ... و حتى ما تم تركيزه من لجان فهي قد بنيت وفق نمط جعلها تولد معوقة ، و محرومة من وسائل الفعل و النجاعة بل و حتّى مسخرّة لكسر أغراضها المعلنة ...
معك حقّ لا شيء يدلّ على أنّ السلطة القضائية و السلطات التنفيذية المؤقتة ، و بعضا من الأحهزة الأمنية ، و لجنة التقصي ترغب حقيقة في المساءلة و المحاسبة و تفكيك الملّفات و المنظومات ... و المحاكمات التي تجري هي بالمهازل أشبه.لكن لا تنسى يا صديقي أنّ مسار الثورة لا يمكن أن يكون خطيّا و أنّ دربها لا يمكن أن يكون هيّنا ... مسار الثورة مدّ و جزر ، و جزر و مدّ ... مسار الثورة صراع و غلبة و خيبات ... مسار الثورة انكسارات و تضحيات و خسائر ثمّ انتصارات ...
ما جرى و ما يجري لا يدفع إلى اليأس و القنوط ... ففيه تأكيد على أنّنا بدأنا نعيش ثورة حقيقيّة، و أنّ تحوّل بلادنا نحو الديمقراطية ممكن و متاح . لو سارت الأمور بصفة هينة لكان علينا أن نتوجّس خيفة و أن نخشى من تكرار ما حدث في 1987 ... ثمّ إنّ في سرعة ردّ الجمهور و بعض من نخب ... و في سرعة انتشارالمعلومة ، و في مسارعة الشباب إلى الشارع لخير ضمان للمواجهة و للمضيّ قدما ...
هروب سيئة الذكر، و عدم متابعة فاسدين لا عدّ لهم، و الخزعبلات القضائية، و تواصل القمع، كلّ هذه هي عوامل تذكي الرغبة في التصدّي، و تبرهن على هلع النهّابين و الجلاّدين و الفاسدين جميعا . و نكتشف أنهم أشباه قزمة من ذلك الذي ألّهوه و أظهرت الأيّام أنه ليس إلاّ بعبعا نفخ فيه وجبان لا أنف له .
صديقي، أنا متفائل... ما زال أمامنا أشواك و معاناة و حتّى بذل دماء ... ولكنّ التحوّل نحو الديمقراطية قد بدأ ... و هؤلاء الشباب و الشابات الذين و اللاتي أعادوا إلينا البسمة و النخوة لن توقفهم المخاذلات و الخيانات و المناورات ... بلادنا ماضية نحو النور و ستخرج دون شكّ من الحلكة ... و هؤلاء الذين يشاركون كلّ بما يستطيع في المخاتلات و الخيانات و المناورات و القذارة أيّا كان موقعهم سينكشفون الواحد بعد الآخر و سيساءلون و يحاسبون و لن يكون لهم من مهرب إلاّ ربّما مهرب القلب الواسع الذي يطبع أهلنا الذين قد يسامحون  و يغفرون و يصفحون و يتجاوزون لكن ليس إلاّ بعد أن يسائلوا و يحاسبوا و يعاقبوا و تشنّف آذانهم  شواهد الاستغفار و طلبات المغفرة و عبارات الندم و المسكنة .

تونس في 9 أوت 2011