خطاب الوزير الأوّل الذي ألقاه قبل يومين بقصر المؤتمرات أحيط ببهرج و إخراج أظهراه و كأنّه حدث يتنزّل ضمن حملة إنتخابية .
الحاضرون في القاعة كانوا بالأساس أعضاء الحكومة المؤقتة و الهيئات العاملة إلى جانبها و ممثلو أحزاب عدد كبير منها تعبيرات تجّمعية ... و الوزير الأوّل وقف قبالة الحاضرين على مبعدة منهم ( و في هذا لم يقلد الوزير الأوّل مثله الأعلى بل سلك مسلك المخلوع) يحيط به و يظهر خلفه أعلام كثيرة و حماة . و لم يكن واضحا من كان الوزير الأوّل يستهدفه بخطابه: الحاضرون؟ أم عامّة الطبقة السياسية ؟ أم جزء منها ؟ أم عموم الشعب ؟ كما لم يكن واضحا لماذا لم يتوجّه الوزير الأوّل بخطابه من قصر القصبة التي "حرّرها" و شغلها تأكيدا على رمزيتها ؟ و لماذا لم يقتصر على خطاب منقول تلفزيا و إذاعيا ؟ و لماذا لم يفتح قصر المؤتمرات لحشود تحوّل الخطاب إلى حدث جماهريّ؟ هذا على المستوى الشكليّ و هو هامّ، و على صلة وثيقة بالمضمون – المعلن و المسكوت عنه_ . و من حيث المضمون سجّل أوّلا تأكيد الرّجل على أنّ حكومته أفضل الحكومات التونسية بعد حكومة الاستقلال الأولى، و تشديده على أنّه لم يكن و ليس في الإمكان أفضل مّما كان و مما يكون منه و من حكومته و من هيئاته بما فيها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد و الرشوة التي نفخ في أعمالها فضاعف عشرات المرّات من نتائج عملها ( يظهر أنّه خلط بين الملفات التي تمّ درسها و بين الملفّات التي أحملت إلى القضاء) و لم يثر ما طرح تساؤلات حول تركيبتها (المبنية على رئيس معيّن يختار كما يريد و يشتهي و دون معايير مساعديه) و حول طرق تسيير أعمالها ( إستراتجية تلقي الشكاوي أو التفتيش عن الملفات...) و منهجيّة التناول و الأولويات (القطاعات؟ حجم الملّفات؟ مستوى المسؤولية؟ ... إلخ) و كيفية اتخاذ القرار بالنسبة لكلّ ملف (قرار فردي؟ قار لجنة فرعية؟ قرار جماعي؟) و شفافية أعمالها (إعلام العموم بأهم الملّفات، تبرير طرح شكاوي و ملفات من عرضها على القضاء...) و انفتاح جناحيها الواحد على الآخر بما يضمن التناغم و التكامل بينهما. ( الهيئة العامة التي كان من المفترض وفقا لمرسوم الإحداث أن تتولى و ضع توجّهات العمل، و اللجنة الفنيّة) و مدى انفتاحها على وسائل الإعلام و على المجتمع المدني (كيفية اختيار ممثليه في هيئتها العامّة و فقا للمهام الموكولة لهم و بما يجعلهم يمثّلون حقيقة الرأي العام الواسع و المتنّوع، و مناهج حفظها للملّفات و للوثائق التي تصلها أو تتحفّظ عليها (و منها وثائق الرئاسة التي صادرتها و لا أحد –مبدئيا- يملك نسخا منها...) بما يؤمّن ديمومتها و حسن استخدامها و عدم تعرضها للتلّف أو العبث ... و بخصوص المطالب السياسية العامة تضمّن الخطاب تبرئة عملية للحكومة بكامل أجهزتها من كلّ ما يمثّل قصورا أو حتّى نقصا في المساءلة و المحاسبة في ما يهمّ الفساد السياسي و المالي و الأخلاقيّ، و تحويلا للملفّات و المسؤولية إلى جهات لم تعد قادرة على التكفّل بها... و يلاحظ هنا أن الخطاب سكت عن مواضيع و مسائل كثيرة منها:
الحاضرون في القاعة كانوا بالأساس أعضاء الحكومة المؤقتة و الهيئات العاملة إلى جانبها و ممثلو أحزاب عدد كبير منها تعبيرات تجّمعية ... و الوزير الأوّل وقف قبالة الحاضرين على مبعدة منهم ( و في هذا لم يقلد الوزير الأوّل مثله الأعلى بل سلك مسلك المخلوع) يحيط به و يظهر خلفه أعلام كثيرة و حماة . و لم يكن واضحا من كان الوزير الأوّل يستهدفه بخطابه: الحاضرون؟ أم عامّة الطبقة السياسية ؟ أم جزء منها ؟ أم عموم الشعب ؟ كما لم يكن واضحا لماذا لم يتوجّه الوزير الأوّل بخطابه من قصر القصبة التي "حرّرها" و شغلها تأكيدا على رمزيتها ؟ و لماذا لم يقتصر على خطاب منقول تلفزيا و إذاعيا ؟ و لماذا لم يفتح قصر المؤتمرات لحشود تحوّل الخطاب إلى حدث جماهريّ؟ هذا على المستوى الشكليّ و هو هامّ، و على صلة وثيقة بالمضمون – المعلن و المسكوت عنه_ . و من حيث المضمون سجّل أوّلا تأكيد الرّجل على أنّ حكومته أفضل الحكومات التونسية بعد حكومة الاستقلال الأولى، و تشديده على أنّه لم يكن و ليس في الإمكان أفضل مّما كان و مما يكون منه و من حكومته و من هيئاته بما فيها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد و الرشوة التي نفخ في أعمالها فضاعف عشرات المرّات من نتائج عملها ( يظهر أنّه خلط بين الملفات التي تمّ درسها و بين الملفّات التي أحملت إلى القضاء) و لم يثر ما طرح تساؤلات حول تركيبتها (المبنية على رئيس معيّن يختار كما يريد و يشتهي و دون معايير مساعديه) و حول طرق تسيير أعمالها ( إستراتجية تلقي الشكاوي أو التفتيش عن الملفات...) و منهجيّة التناول و الأولويات (القطاعات؟ حجم الملّفات؟ مستوى المسؤولية؟ ... إلخ) و كيفية اتخاذ القرار بالنسبة لكلّ ملف (قرار فردي؟ قار لجنة فرعية؟ قرار جماعي؟) و شفافية أعمالها (إعلام العموم بأهم الملّفات، تبرير طرح شكاوي و ملفات من عرضها على القضاء...) و انفتاح جناحيها الواحد على الآخر بما يضمن التناغم و التكامل بينهما. ( الهيئة العامة التي كان من المفترض وفقا لمرسوم الإحداث أن تتولى و ضع توجّهات العمل، و اللجنة الفنيّة) و مدى انفتاحها على وسائل الإعلام و على المجتمع المدني (كيفية اختيار ممثليه في هيئتها العامّة و فقا للمهام الموكولة لهم و بما يجعلهم يمثّلون حقيقة الرأي العام الواسع و المتنّوع، و مناهج حفظها للملّفات و للوثائق التي تصلها أو تتحفّظ عليها (و منها وثائق الرئاسة التي صادرتها و لا أحد –مبدئيا- يملك نسخا منها...) بما يؤمّن ديمومتها و حسن استخدامها و عدم تعرضها للتلّف أو العبث ... و بخصوص المطالب السياسية العامة تضمّن الخطاب تبرئة عملية للحكومة بكامل أجهزتها من كلّ ما يمثّل قصورا أو حتّى نقصا في المساءلة و المحاسبة في ما يهمّ الفساد السياسي و المالي و الأخلاقيّ، و تحويلا للملفّات و المسؤولية إلى جهات لم تعد قادرة على التكفّل بها... و يلاحظ هنا أن الخطاب سكت عن مواضيع و مسائل كثيرة منها:
-لماذا تمّ تقزيم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي و لم يسمح لها إن لم يكن بمراقبة العمل التشريعي و الحكومي فبالمساهمة فيه على الأقلّ ؟ خصوصا أنّ الحكومة لا يمكنها أن تزايد على الهيئة العليا من حيث الشرعية .
-لماذا تمّ السكوت عن المطالب الشعبيّة التي جدّدت التعبير عنها المسيرات التي عرفتها مدن و قرى عديدة. و التّي مثّلت الشعارات الأساسية التي رفعتها المسيرة التي تمّ قمعها بشراسة يوم 15 أوت في شارع بورقيبة و الأنهج المحيطة به... (و من المعلوم أنّه سعى بطرق متعدّدة إلى تشويه هذه المسيرة و الادّعاء على منّظميها رغم أنّها كانت سلمية و رغم انّ المشاركين فيها كانوا متنوّعي المشارب لكن جمعتهم مطالب تحقيق أهداف الثورة و خصوصا إسقاط النظام القديم و محاسبة رموزه من الفاسدين و الوفاء للشهداء بمحاكمة المسؤولين عن تقتيلهم و تطهير القضاء... و خلافا لما يروّج له لم ينادوا بتاتا بتأخير انتخابات المجلس التأسيسي أو التخلي عنها ...
-لماذا لم يتحدّث الخطاب إلى الشباب الذي اعترف له بأنّه وقود الثورة و الفاعل الأساسي فيها بما يطمئنه و يهدّئه... و لماذا لم يعلن عن آلية تؤسّس للاستماع إليه هو أيضا –بل هو قبلا- و لمحاورته و لتشريكه؟
-لماذا لم يتحدّث الخطاب إلى الشباب الذي اعترف له بأنّه وقود الثورة و الفاعل الأساسي فيها بما يطمئنه و يهدّئه... و لماذا لم يعلن عن آلية تؤسّس للاستماع إليه هو أيضا –بل هو قبلا- و لمحاورته و لتشريكه؟
-لماذا لم يشر الخطاب إلى مثيري الشغب في الجهات ممّن كشفتهم أفعالهم و تحدّثت عليهم وسائل الإعلام و فضحتهم الناس و لم يعد يالتصدّي لهم فعلا و حقيقة حفاظا على هيبة الدولة و سلامة المواطنين ؟
-لماذا لم يتناول بالدّحض أو بالتأكيد تكاثر المال السياسي و المال الفاسد و لم يدع إلى وضع ميثاق أخلاقيّ و قانوني للتعامل معه؟ و لماذا لم يشرح للعموم ظاهرة الفقاقيع الحزبية المتزايدة و هذه الحملات الانتخابية السابقة لأوانها و المسخّرة لإمكانيات أقلّ ما يمكن فيها أنها مجلبة للشكّ ؟ و عندما تحدّث الوزير الأوّل عن موعد الانتخابات لماذا عمد إلى إثارة الشكّ بخصوصه أو بخصوص صلاحيات المجلس التأسيسيّ عندما أشار إلى إمكانية مواصلة الحكومة المؤقتّة لعملها بعد 23 أكتوبر ؟ بل لماذا لم يعمد الوزير الأوّل في هذا الصدّد إلى التبسّط في شرح المسألة بما يبيّن و يبرّر إمكانية المحافظة على الحكومة المؤقتة ذاتها حتّى بعد انتصاب المجلس التأسي إمّا بالإقرار المسبق بتفريغه لموضوع إعداد الدستور دون سواه (بناء على أيّ وفاق أو توافق؟ و كيف؟) أو بطلب منه (من يلزمه به؟ و كيف؟) ... فالمنصت إلى الخطاب يخيّل إليه أنّ أمرا ما يدبّر في الصّدد (من قبل من؟ و كيف؟ و لأيّة غايات؟ وحديث المختصّ في القانون الدستوري عضو لجنة الخبراء بالهيئة العليا أمين محفوظ إلى جريدة الصباح ليوم السبت 20 أوت المعنون ب" مجلس تأسيسي فنّي و حكومة و حدة وطنية لادارة المرحلة القادمة" يزيد في الميل إلى استشفاف أمر ما. فهل يمكن أن نعلم بشفافية أفضل؟ و هل يمكن أن نتوقّع توضيحات و تفسيرات تحدّ من التأويلات و التخمينات، و تساعد على السيطرة على احتقان الشارع الذي بدأ يتفاقم، و على التحكّم في أفعال القوى الخفيّة، و ادّعاءات المغرضين الدافعين باتجاه التصادم و العودة إلى القمع الممنهج .
الصادق بن مهنّي 20 أوت 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire