10 août 2011

نص أعجبني كتبه الدكتور الأمين ذويب في جريدة الجزيرة

لا تخافوا على الثّورة، فهي بخير ما دمتم بعيدين عنها
 قبل بضعة أشهر، كانت لنا رئيسة تحكم تونس مع إخوتها عن طريق زوجها الرّئيس.
كان لنا حزب واحد يتحكّم في كلّ دواليب الدّولة، وينضمّ إليه تسعون في المائة من أفراد الشّعب الّذين لم يدخلوا إلى السّجون.
كانت لنا نشرة أخبار يعيدونها كلّ يوم كنسخة مطابقة للأصل، وتتحدّث عن الخير الكبير الّذي يعمّ تونس بفضل صانع التّغيير.
كانت كلمة «لا» تسبّب لصا

حبها كلّ البلاء.
كانوا يسرقون وينهبون وأفراد شعبنا من «القفّافة» و»البنادريّة» يصفّقون لهم... وما أكثرهم في وطني!!
واليوم...
لنا «رئيس» و«رئيس وزراء» يقفان أمام القضاء إذا تطلّب الأمر، ويُحاسبان حسابا عسيرا.
أضحى لدينا شيء اسمه «قضاء مستقلّ»، ويستقلّ كلّ يوم أكثر.
أصبح لنا وزراء يسبحون في البحر أمام النّاس ليثبتوا نقاءه من الموادّ السّامّة، ويدفعون ثمن قهوتهم، ونسخر منهم في الجرائد وبرامج الإذاعة والتّلفزة، ونتنافس في السّخرية منهم وعليهم.
أضحى لدينا مائة حزب وألف جمعيّة مدنيّة.
أصبحنا نشاهد نشرات الأخبار التونسيّة!!!
كلمة «لا» أصبحنا نتنفّسها كما نتنفّس الهواء.
وبعد كلّ ذلك... يطلّ علينا بعضهم ليقولوا لنا بأنّ الثّورة لا تعدو أن تكون «وهما» وخدعة سياسيّة، وبأنّ الشّعب التّونسيّ مازال لم يكسب شيئا من المكاسب، وبأنّ الثّورة «الحقيقيّة» لم تتحقّق بعد!!
وبعد كلّ ذلك... نفس هؤلاء النّاس مازالوا يعتصمون ويضربون عن العمل، ويحتجّون ويتخاصمون، ويسبّون ويلعنون، ويشتكون إلى القضاء... ثمّ يخالفون القانون ولا يدفعون الضّرائب!!... ويطردون مديري المؤسّسات لأسباب شخصيّة.
وأغلب هؤلاء هم من «بنادريّة» و«قفّافة» الماضي الّذين استحالوا في يوم وليلة إلى أبطال يقولون بأنّهم يقومون بحماية الثّورة.
أقول لقفّافة الماضي: الثّورة لا تحتاج إلى حمايتكم لأنّكم ببساطة لم تقوموا بها، ولأنّ ألاعيبكم مكشوفة وخططكم الغبيّة أضحت عارية أمام الجميع... اتركوا الثّورة لأهلها، أو انضمّوا إلى الأغلبيّة الّتي تعمل في صمت إلى أن يحين أوان القبر... ولا تخافوا على الثّورة، فهي بخير ما دمتم بعيدين عنها.

فقط، اتركونا بسلام!
حقوقكم محفوظة.
كلّ حقوقكم بلا استثناء.
من حقّكم أن تحافظوا على كلّ وصايا السّلف الصّالح،
أن تطبّقوا كلّ تعاليم شيوخكم الذّين يخاطبونكم من الفضاء،
أن تجهروا بمذاهبهم المتسلّلة إلى مجتمعنا عبر قنواتهم الفضائيّة،
من حقّكم أن تطيلوا اللّحية وأن تضعوا الأخمرة على نسائكم،
أن تقضّوا كل وقتكم الضّائع في الصّلوات النّافلة وأن تهبوا كل طاقتكم الثّمينة للصّيام،
حقوقكم «العظيمة» كلّها محفوظة.
من حقّكم أن تهبوا حياتكم للآخرة، وأن تفعلوا بأنفسكم ما تريدون.
فقط، اتركونا بسلام!
اتركونا نعيش الدّنيا الّتي لن نعيش فيها إلاّ مرّة واحدة.
اتركونا نستمتع بحياتنا... بفنوننا... بكتبنا وأفلامنا ومسرحيّاتنا ورسومنا...
اتركونا نصنع «الحضارة» الّتي لن يصنعها إلاّ أمثالنا... مثلما لم يصنع حضارة أجدادنا إلاّ أمثال «ابن رشد» و»ابن سينا» و»المعرّي» و»الجاحظ» و»ابن زيدون».
انقدونا فيما بينكم... انتقدونا إن أردتم...
تهامسوا بينكم أنّنا حطب جهنّم.
تهامسوا كما تريدون.
فقط، اتركونا بسلام!
وابعدوا ألسنتكم وأياديكم عنّا... وابعدوا عنّا سيوفكم... وبنادقكم... وأحزمتكم النّاسفة.
ولا تحزنوا... هناك طرق أخرى، غير الأحزمة النّاسفة، تستطيعون بها أن تصلوا إلى حوريّات الجنّة السّبعين.
اتركونا نعيش الحياة لنصنع الحياة.
واصنعوا آخرتكم كما تريدون.

فقط، اتركونا بسلام!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire