29 avr. 2012

في الشارع والشرعية وقنص الثورة

من انتفض فانتهت هبّته بهرب رأس السلطة وتفكك أوصالها ؟
هناك من يتحدّث عن أطراف خارجية وداخلية أوحت بالثورة أو حرّضت عليها أو ساعدتها.  وهناك من يروي قصصا وأساطير عن انقلاب هيئ له وانقلاب انقلب على الانقلاب أو تقاطع معه أو أفسده عن سبق إصرار أو صدفة.
وهناك من يخيّل إليه أن لا شيء حدث بالمرّة... وبعضهم يريد أن يخيّل إلينا أن الفعل فعله حتى وهو لم يشارك فيه، بل وربما عارضه أو لم يعتقد فيه ولم ينضمّ إليه حتى آخر لحظة بل وحتى بعد ذلك ببرهة أو حين أو متّسع وقت...لكن لا احد يستطيع أن ينكر أنّ من انتفض وانتهت هبّته إلى تقطع أوصال السّلطة وتفككك مختلف أحزمتها الرّابطة والواقية والنّاسفة هم الشّبان والشّابات الذين انتهى صبرهم وضاقت عليهم فسحة الأمل الكاذب وانسدّ الأفق أمام أعينهم فلم يعودوا يرون إلا عتمة فيها فقر وجوع و"حقرة" وبهتان وامتهان...لا أحد يستطيع أن لا يعترف أن شابّات تونس وشبّانها الذين وهبوا صدورهم وحناجرهم وأيّامهم للأمل الحقّ فتصدّوا عارين إلاّ من حبالهم الصوتية لجحافل القمع وأبواق العسف ولقنّاصي الأرواح البريئة من المأجورين والطمّاعين والمخدوعين والمصنوعين صنعا للغرض، هم الذين حرّكوا السواكن ونفضوا رماد الذّعر والاستكانة عن نفوس الشّعب عامّة فانضموا إليهم : شباب وشابّات الشّبكة العنكبوتيّة يصنعون صدى ومدّا لهبّتهم وينادون النّاس لنصرتهم، فأصحاب الثّوب الأسود، وكثير من أهل النقابة، ثمّ –شيئا فشيئا- أهل المسرح والفنّ، فطوائف كثيرة من مختلف أصناف المجتمع رأيناهم في القيروان وصفاقس والعاصمة ومدن أخرى عديدة يستعيدون ملكية الشارع ويتوافدون إليه صغارا وكبارا، نساء ورجالا يوحّدهم نبذهم للرّكون وترويضهم للخوف وعزمهم على صنع غد يرضيهم. فالشارع إذا هو الذي كان الفاعل بدءا، وأثناء، وانتهاء-انتهاء فصل وليس نهاية.
الشّارع هو الذي قلب الأوضاع، ولا يهمّ كثيرا إن كانت فواعل أخرى قد يسّرت له ذلك أو سرّعت تعرية السّلطة وانخلاع رأسها وتقطّع أوصالها.>
الشّارع هو الذي صنع يومنا الجديد...وهو أب الشّرعية الجديدة... وهو الذي نحّى السلطة القديمة، أو ما نحّي بعد من السّلطة القديمة: مؤسسات ودستورا انتهك وامتهن، وأجهزة، وأشخاصا فاسدين ومتواطئين ومتورّطين...
الشّارع هو الذي هيّأ للانتخابات، وهو الذي أخلى السجون، وهو الذي قلب الموازين، وأطلق الأقلام والحناجر والتصوير والتعبير... الشارع هو الذي هيّأ الكراسي  والأرائك والنفوذ وفتح أبواب المستقبل واسعة فسيحة أمام انتقالنا إلى فصل ثان من الثّورة نصنع به لبنة أخرى في غدنا الذي سنغدو فيه بشرا مواطنين لا أحد يحكمهم بالعسف ولا أحد يرميهم بهتانا بالعجز ولا أحد يغتال آمالهم وينسف أحلامهم ويغطّي شمسهم لا بحلكة ولا بغربال...
***
فالشارع إذا هو الأصل، وله القول الفصل... والشّارع له الفضل وهو الحقّ، وإليه العود، ومنه العون والمدّ والمدد...
 
انتخبنا، بل انتخب بعضنا : نصف من يحقّ لهم التصويت أو أقلّ...
وامتحنّا بنظام اقتراع مخادع ابتدعه لنا أساطين قانون بوؤوا ذواتهم حماة لثورة لم تعرف أغلبهم من قبل وما كانوا حماة بل متهافتين، وبحملة انتخاب غلب عليها المال والنفاق والوعود الخادعة وممارسات لم يكن الشّارع الذي انتفض لينتظرها: بعضها اعتمد فيها على مخلّف السّلطة المتهالكة وبعضها ابتدعته لنا مفوّضيات العمّ سام وخدّامه من أصحاب الجلابيب والعمامات والكروش... وأصبحت لنا هيئات شرعيّة وإن وقتية... رئيس جمهورية ورئيس مجلس تأسيسي ورئيس حكومة...ومن الثّابت الآن أن قلب الترتيب أفضل تصويرا للقيمة وحقيقة الفعل والوزن في اتخاذ القرار...
وفور انتصاب السلطة الجديدة، بل وحتى قبل انتصابها، شرعت هي ومن وراءها من قابضين على مسالك وأسلاك القرار والفعل والمخاتلة، وعلى رأسهم حبرهم الأعظم والعظيم جدّا، في الإيهام و الإيحاء والتصريح على كل المنابر-منابر الجوامع التي انصبّوا عليها ومنابر الإعلام التي دجّنتهم والتي دجّنوها أو أحيوها أو صنعوها-بأن دور الشارع قد انتهى، وأن شرعيتهم هم قد غدت الشّرعية الوحيدة والمطلقة التي لا تحتمل منازعة أو نقاشا أو اعتراضا أو حتى محاورة أو نقدا أو ملاحظة بل وحتى رفض اصطفاف...
 وعلى عكس مؤسسات الدولة وحكوماتها في الدول عريقة الديمقراطية أو المتحوّلة حقّا إلى الديمقراطية التي لا تنازع الشّارع ومختلف فئات الشعب في حقه المطلق والدائم وغير المشروط في أن يردّها ويصدّها ويصرخ في وجهها ويقوّمها و في أن يسعى إلى استبدالها حتى وهو قد انتخبها وأيّا كانت الأصوات التي وهبها إيّاها، انصبّ جهد مؤسساتنا الجديدة على نزع الشرعيّة عن الشارع وعلى القول بأنّه على النّاس جميعا أن ينصرفوا في حال سبيلهم وأن يدعوا ممثّليهم المنتخبين- بل بعض ممثّليهم المنتخبين دون سواهم ممّن يصطفون في صفّ من أسموا أنفسهم غالبين- يصنعون لنا الدستور الذي يبتغونه هم ويعيدون كتابة أهداف الثّورة على هواهم وليس كما هتف بها الشّارع من 17 ديسمبر 2010 حتّى إنهاء العمل بالدّستور بل حتّى الساعة- ثمّ قالوا أن على النّاس أن يفرنقعوا وأن يبتلعوا ألسنتهم ويكتموا طوعا أنفاسهم ويشدّوا أكثر على بطونهم وأن ينتظروا ما ستفعله حكومتهم حكومة الخلافة الربّانية القادرة على كل  شيء بإذن شرعيّتهم التي قسّمت المواطنين إلى مصطفين معها فهم رعاياها الصّالحون المسلمون وإلى عباد لا يصطفون معها وإن لم يصطفّوا مع سواها فهم الكفرة الذين يحق قطع أطرافهم من خلاف..
وإذ ناقش الشارع شرعية الحكومة والهيئات المؤقّتة لا من حيث توفّرها بفعل الانتخاب بل من حيث تحوّلها إلى ولاية أو كفالة لا قبل له حتى بمجرد التّذكير بمستنداتها وأغراضها، فإن الحكومة والمؤسّسات التّابعة للحكومة قد أقرّت قفل الشّارع في وجه الشّارع ...طالما أنه ليس من مواليها ومن هراواتها...
وهكذا تحولت السلطة الجديدة من سلطة وقتية عليها أن تهيئ لانتقال يبني- لبنة بعد لبنة وطورا بعد طور-تونس الجديدة المرتكزة على المواطنة من حيث هي احترام متبادل وعدالة اجتماعية وتوازن جهوي، وتكريس لإنسانية الإنسان، تحوّلت إلى سلطة تبني ذاتها وتستديم البقاء بأي ثمن وبأي منهج وليس لها من هدف سوى ذاتها... ومن سلطة ثورة تحوّلت السلطة الجديدة إلى سلطة تسعى إلى إخضاع المجتمع وتركيعه فتشري من يشترى، وتركّع من لا قبل له برفض التّركيع، وتقصي كل من سواهم... واستبدّت وهي تواصل استبدادها...بشتّى الطّرق...
ومن بلد تضامن كل بناته وكل أولاده وتآزروا ووقفوا صفّا واحدا ضدّ الطّغيان تحولنا بفضل السلطة وحزب السّلطة وأصدقاء السّلطة إلى بلد انشطر: قسم هو الحقّ وإن بالعنف بل بالعنف وقسم هو الشّر كلّه لا يحق له إلا أن يسكت أو يهاجر أو ينحني أو يضرب كلّ يوم ولا يصرخ...
ولأن الشّارع لم يعد شارعا يصرفه الخوف والقمع والظّلم والغاز من الشّارع، قرّ قرار السلطة على تفريق الشارع بكلّ ما يتيسّر لها من أدوات وخطط... ومضت السّلطة تستبدّ ...وهي لن تفعل إلا المضي قدما في استبدادها وهمجيّة أفعالها... ذلك أنها أعجز من أن تناقش الشّارع بله أن تقنعه، وأنها فقيرة لا تملك استجابة اقتصادية واجتماعية لمطالب النّاس الذين أهلكهم التّرقّب، ولأن غرامها بالتّشبث بما استقرّ بين أيديها في مصادفة تاريخية لم تكن لتنتظرها يدفعها إلى مزيد الابتعاد عن الشّارع و اللّجوء حتّى لأبشع الوسائل وحدها لترويضه...
                                                    ***
 
ولأن السّلطة تدرك أن الشّارع هو الأصل وموقع الفصل ومكمن الفعل الحقّ، وتعلم أن الشّارع الذي انتفض على خوفه واستبطن توقه إلى غده مشرقا وضّاء لن يستكين أيّا كانت ألاعيبها وأيّا كان بطشها، فهي قد عمدت، أيضا في ما عمدت إليه، إلى ضرب رموز الشّارع-رموز الثورة-رموز الشّعب وقنصها الواحد تلو الآخر.
وفي هذا لايوجد فرق بين ما فعلته سلطة ما قبل الانتخاب وسلطة ما بعد الانتخاب: فالسّلطتان حالتا بين الشّارع وبين الاحتفاء بثورته، الأولى فسخت كل ما رسم أو كتب والثانية سمحت حتى بضرب المحتفين بالمسرح والشّمس... والسّلطتان لم تيسّرا للنّاس أن يملؤوا الساحات والأنهج شعرا وألوانا وغناء صدّاحا وسيركا وانفجار إبداع... والسّلطتان استهانتا بشهداء الثّورة وجرحاها وأهاليهم وبدل تكريمهم قتلتهم كلّ يوم وكلّ أسبوع وكلّ شهر ولأكثر من عام وربع عام عدّا وتثبّتا ووعودا، ثم أهانتهم وجرّحتهم وحتى ضربتهم وعاملتهم لا كأصحاب فضل علينا بل كما يعامل المتكبّر المتجبّر سائلا  ملحاحا... والسّلطتان تجاهلتا توق الناس إلى الكلام تقبّلا وبثّا فلم تستمعا ولم تحسنا التّواصل ... بل هدّدتا وتوعّدتا وأعدّتا للإعلام الحرّ أو السّاعي إلى حرّيته أكثر من لجام وقيد... والسّلطتان تعامتا على رموز آخرين للثّورة جادوا بجهدهم في سبيلها وحملوا أرواحهم على أكفهم وهبّوا يتنادون وينادون لنصرة المنتفضين... كرّمهم الآخرون عبر العالم وتغاضتا عنهم... بل إن السّلطة الجديدة مضت حتى إلى تسليط كثيرين لنهشهم وثلبهم والتّحريض عليهم... والسّلطتان هادنتا الفاسدين والمارقين وسارقي أموال الشّعب... والسّلطتان قنصتا القنّاصة بأيد خفيفة وخفية سحبتهم من الواقع الدّامي إلى الخيال المجافي للحقيقة... والسّلطتان تآزرتا على العدالة الانتقالية تؤجلانها وتفرغانها من معانيها وتحودان بها عن مسارها الحقّ... والسّلطتان حوّلتا أنظارنا عن غد زاه أردنا اجتراحه إلى معاناة يوم اشتد ضيقه علينا : أسعارا صاروخية التصاعد، وبطالة تتفاقم، وجهلا ينصّب علينا يريد أن يردم بالسّواد بناتنا المتوثّبات للحياة والعطاء، وكفرا بكل ما يسّر ثورتنا وما ميّزنا عن الجهلوت وعبدة الدّرهم والدّولار واستفرادا بالشّريعة يروّضونها لأهدافهم ويستولون على أحكامها عن غير وجه حقّ.
                                                *** 


استملاك للشرعية وتحجير للشّارع وقنص للرّموز وسلطة ترمي بكلكلها على مجتمع هدّه التّعب واستبدّ به الأمل حتّى كاد يهلكه، وشارع قرّ قراره على أن يمضي نحو الشّمس والأبهى وإن هو أثخن جراحا من نصال طالته كثيفة لا تنقطع حتى تراكم بعضها على بعض.
هذه هي المعادلة ... سلطة مستبدّة وشارع بحلمه وتوقه يتشبّث .
فهل تطول وحتّام تطول العتمة؟ !
 






                                                                                   20 أفريل 2012

إلى السيد وزير العدل : دعوتكم كرمٌ منكم ولكنّني... أصدّها !

دعاني أحد مستشاريك، نيابة عنك، لأزور هذا الأحد 29 أفريل، معتقل برج الرّومي الذي كنت دُفنت فيه رفقة آخرين لسنوات...
وكان نائبك دقيقا : وزارة العدل تدعوني باعتباري أحد الذين خبروا هذا المعتقل لانتمائهم لحركة آفاق-العامل التونسي... وستشمل الزيارة مساجين سياسيين سابقين من انتماءات مختلفة...
ثمّ أضاف : هكذا ستتمكنون من تذكّر ما عشتموه في هذا السجن... ومن أن تشاهدوا أمكنة قضيتم فيها ردحا من عمركم... وفي برج الرومي كما في الحافلة أثناء الطريق ستتمكنون من التلاقي... ستلتقون أنتم المنتمون إلى نفس المجموعة، وستلقون الجماعات الأخرى فتتعارفون وتتحاورون..
ورغم أنّني ممّن يحنّون إلى كلّ الأماكن التي ضمّتهم، ولو لوهلة، حتّى وإن كانت سجنا أو غرفة تعذيب... ورغم أنّني أشتهي حقّا أن أزور برج الرومي وسجن القصرين و خربة الرابطة ومكاتب وزارة الداخلية وسجن بنزرت-المدينة... وأشهد أنّني قصدت كل هذه الأماكن خلال السنوات الماضية عشرات المرّات حتّى غدا أولادي وزوجتي وأقارب كثر يعرفونها... بل إنّ آخر مرّة مررت فيها على تخوم برج الرومي كانت –مصادفة- يوم زاره رئيسكم المؤقت... رغم كل ذلك فإنني أصدّ اقتراحك، ولا يغريني كرمكم، وتعاف نفسي أن أمتطي  حافلتكم وأن أكون معك أو مع من يمثلك ومع بعض كثر من مساجين سابقين من انتماءات أخرى...
ذلك أنّني أصبحت أرى فيك بل فيكم، أنتم وحكومتكم ومن وراء حكومتكم، وكل من يحرّكه حكومتكم وسادة حكومتكم باب سجن كبير تبنونه حول شعبنا الذي كان شعبكم أيضا فاغتلتموه طعنا في أهدافه، واستفرادا بمصيره، وتحريضا على حراته وأحراره...
أرى فيك وفيكم –ولا أخالني مخطئا بل أتمنى لو كان يمكن أن أكون مخطئا-طغاة جددا، متكبّرين- متجبّرين، أطلقوا علينا جحافل شرط مهيجيين، وهمّجا لا يغلم أصلهم ودافع أجرهم إلاكم... أرى فيكم عصيّا وهراوات وقنابل غاز سام استوردتموه بثمرات عرقنا... أرى فيك وفيكم من كسر ذراع أستاذ القانون والعازف والشابة المتوثبة إلى الشمس والصدق وضرب الشيخ الوقور وأدمع عيون الأطفال... أرى فيك وفيكم مكمّمي لسان يوسف وملجمي الإعلاميين والمستفردين بدين الله يوظّفونه كيفما شاؤوا ولما شاؤوا ويسلطونه تدافعا يقطع أو صال شعبنا- يجيّش بعضه ضد بعضه... أرى فيك-فيكم من نحر الفصل الأوّل من ثورتنا، وحاد بها عن مسار خلناكم حقّا تبتغونه معنا...صدقا وبكل صراحة، ومع تحمّل أعباء موقفي : "لا يمكن لي إلاّ أن أرفض كرمكم وإلاّ أن أصدّ دعوتكم... وأنا لا أراني راكبا الحافلة ذاتها التي تقلّ من يدعو إلى بتر أعضاء بني بلدي أيا كان دافعه للاحتراب... ولا أراني أستذكر عسف عهد باد مع صناع عسف جديد يهدمون توق ابنتي إلى أن تكون أخت أخيها لها ما له وعليها ما عليه...
لا أراني أصحبكم وأنتم تعاملون شعبنا : "هذا معنا فليفعل ما يشاء ! وذاك ليس من صفّنا. فحقّت عليه اللعنة وإن لم يعادنا"...
لا أراني أصحبكم وأنتم تصدّون جرحى الثورة وأسر الشهداء وتضحكون للفاسدين وترمون بالبلد في غياهب التاريخ...
لا أراني في ضيافتكم لا إلى برج الرومي ولا حتّى إلى الجنة طالما أنّكم تصرون على اختطاف البسمة من عيون شبابنا، ووأد الفكرة قبل أن حتى أن تينع في رؤوس حكمائنا ، وقصف النغم حتّى قبل أن تنطق به القيثارات، واغتيال الجمال من بناتنا، وتسويتنا قطيع أنعام بُلْهٍ لا يصحّ له إلاّ أن يقبل يد مستبيحيه...
سيدي وزير العدل !
دعوتك كرم منك... لكنّه كرم في طعم الحنظل بل السمّ بل اِغتيال المغتال بعد...
دعوتك كرم منكم... لكنّا بدأنا نتعلّم منكم أن للكلمة أكثر من معنى وللدعوة أكثر من خلفية وللكرم سمّه...
ولهذا أصدّها.   

21 avr. 2012

l'avenue ta9ra

Ce soir je suis un homme heureux,un tunisien fier de l'être,un citoyen qui croit dans la possibilité de l'impossible.Ce soir je pense à mon camarade NOUREDDINE BEN KHADER et le vois rigolant à pleine gorge.Ce soir je me remémore nos débats de BORJ ERROUMI et comment certains parmi nous en sont arrivés à croire que susciter une révolution véritable et durable ne peut nécessairement se faire que si on arrive à faire évoluer les mentalités par le biais de l'éducation et de la culture.Une fois libres quelques uns parmi nous se sont donnés au livre,à l'édition ou à l'écriture,d'autres ont fait du cinéma,de la recherche ou sont devenus enseignants,d'autres sont devenus journalistes(comme le poète AMMAR MANSOUR qui vient de nous faire une mauvaise farce) et beaucoup se sont investis dans le théâtre...Ce soir je pense à tous ces enfants de mon village,EL MAY,qui ont offert à ma génération une bibliothèque et la joie de lire.Ce soir je revois ce grand festival du livre de MOUANS-SARTOUX.Ce soir je me sens bien dans ma peau.Ce soir je me sens LIVRE,et heureux de VIVRE.Ce soir je me mets à croire de nouveau qu'on va vraiment vers notre bonheur à tous.C'est que tout à l'heure,j'ai été parmi ceux qui ont répondu à l'appel et ai accouru à l'avenue avec dans la main un livre.Oui plein de monde ont été là.Surtout des jeunes.Mais aussi des moins jeunes.C'était la fête.C'était la joie.C'était l'espoir.C'étaitle défi.Les flics n'y ont rien trouvé à dire et se sont limités à assurer.Les connards ont tout fait pour perturber ,mais les véritables "GENS DU LIVRE" étaient imperturbables et volaient très haut et très loin...vers leur avenir radieux.Merci à tous ceux qui étaient derrière cette initiative.Merci à tous ceux qui y ont participé.Merci à "EL KITAB".Ce soir je me vois carthaginois voguant vers un horizon sans fin,kairouanais débattant tard le soir dans une maison de la médina une question philosophique dans un panel de savants musulmans, juifs et chrétiens.Ce soir je vois Ibn Khaldoun,Magon;Saint-Augustin,Messaadi,Echabbi,Ibn al Baitar, et bien d'autres réconciliés avec leurs héritiers.Merci à tous.

كلاّ ! إنّهم لم ينقلبوا على أنفسهم : تلك هي أنفسهم !

 
يوم 9 أفريل 2012 يوم دخل التّاريخ إلى الأبد. ولا شكّ أنّ وقعه خلال الأشهر والسنوات القادمة سيكون كوقع 9 أفريل 1938 في الأشهر والسنوات التي تلته. يوم 9 أفريل 2012 هو يوم علّمتنا وقائعه أنّه علينا أن نعتبر من الأحداث الماضية والجارية، وأن لا ننساق وراء سرابات الأوهام والحسابات الخاطئة، والتكتيكات قصيرة النّظر، وزيف أحلامنا الوردية التي ترفض أن نرى الواقع على حاله وتجعلنا نحلّق في سماوات رومنطيقية فيها الوفاق وفيها الإخاء وفيها الانتقال السلس إلى تونس بديلة ديمقراطية وعادلة ونامية فعلا.
يوم 9 أفريل 2012، أفصح لنا عن واقع ما ينفكّ يتشكّل لبنة بعد لبنة، واقع قوامه الغطرسة والغلظة والكذب والتعسّف والعداء العاري لمقوّمات الإنسانية الحقّ... يوم 9 أفريل 2012 هو خطوة أخرى، محسوبة وبُيّت لها بليل بهيم، خطوة أخرى نحو خنق المجتمع وتعبيرات المجتمع، والرمي بكلكل حزب-حركة-جماعة- عصابة غايتها السلطة والسلطة وحدها، وإن بلا أفق، على مفاصل هذا البلد بفئاته المختلفة وبنياته الاقتصادية والاجتماعية ومقدّراته وثرواته وآفاق أبنائه وبناته ؛ خطوة أخرى نحو محو التنوّع الفكريّ والإبداعيّ والشّعري والسياسي والعقائدي وحتّى  التنوّع في الملبس والهيئة والكلام ؛ خطوة أخرى نحو فرض الاحتماء بطغاة جدد وبسادة الطغاة الجدد ؛ خطوة أخرى نحو محق كلّ ما أنجزته بلادنا عبر تاريخها العريق من تحضر وتقدّم ووحدة صفّ وهدم المستقبل الواعد الذي بدأ شبابنا يضع أساساته منذ أن هبّ ضدّ الطاغي الهارب وضدّ نظام الطاغي الهارب الذي ما يزال يراوح مع الطغاة الجدد بين المهادنة وبين الابتزاز وبين العمالة...
سمعت ناسا يقولون : "إنّهم أخطؤوا والحساب ولم يقدّروا الأوضاع خير تقدير فخسروا" ؛ وسمعت من يقول : "كيف يتحوّلون من مضروبين-مقموعين-محرومين من حقوقهم إلى ضاربين-قامعين-حارمين للناس من حقوقهم، وكيف تتملّكهم هذه الشراسة الهوجاء ؟" ولفت نظري أن بعضهم يرى في تصرّفاتهم وأعمالهم الخرقاء انقلابا من قبلهم على قيمهم-مبادئهم-منهاجهم-أنفسهم...
فهل أنّ أحداث وممارسات 9 أفريل 2012 استثنائية ومفاجئة من قبلهم حتّى يخيّل إلينا أنّهم اِنقلبوا على أنفسهم ؟
لنعد إلى ممارساتهم منذ أن أنهالوا على البلد أيّاما بعد 14 جانفي.
كلّ ممارساتهم كانت لها غاية واحدة وحيدة : الانقضاض على السلطة بأيّة وسيلة، واحتكار أجهزة الدّولة أيّا كانت التحالفات الميسّرة لذلك، والاتّكاء على المجدّفين والهمّج والمشعوذين والسّفلة والطامعين دون تردّد، واعتماد لغة لاذغة فيها إلاّ كذب وادّعاء وترهيب...
اِدّعوا وضع أيديهم في أيدي كلّ من له مصلحة في الانتقال نحو الدّيمقراطية لكنّهم قبلوا كلّ ما رأوا فيه مصلحة لهم، وفرضوا طرح كل ما لم يكن يواتيهم : مرّة بالمقاطعة، ومرّة بالتباكي، ومرّة بافتعال الأزمات، ومرّة بالتهديد بالشارع، ومرّة بتواطئ متواطئين...
اِنقادوا إلى رعاة لهم جاؤوا من وراء البحر شرقا وغربا، وظهرت عليهم الثروة –هم من يدّعون أنّهم حرموا عشريتين أو أكثر من أيّ مورد رزق- ظهرت عليهم الثروة بل الثروات في هيئتهم وفي تلك المقرّات العديدة والفخمة، وفي هذه السيّارات والدراجات النارية غالية الأثمان، وفي هذه الحملات الإعلامية والاتّصالية التي جنّدوا لها العشرات، بل المئات، وفي تنقّلاتهم وبذخ حياتهم، وفي ما يبذلونه لشراء الذّمم...
وتعمّدوا النفاق والخداع والإغراء الكريه في حملاتهم الانتخابية ولاستقطاب الأتباع والخدّام...
واستولوا على بيوت الله –حضارة وتاريخا وملكا لغيرهم- وفضاء للجميع- وقدسية- وحوّلوها أوكارا لهم ولدعاتهم الذين انشقّت الأرض عنهم فجأة كما تنشقّ عن الفقّاع (الفطر) بعد هطول المطر... وتلوّنوا وهم واحد... ونوّعوا من تحرّكاتهم وهيئاتهم وخطبهم وهم في الأصل وفي الفعل واحد : هؤلاء "شباب" هؤلاء، وهؤلاء "إخوة" أولائك، وهؤلاء عمق الآخرين وحماة ظهورهم .
وسريعا ما تغاضوا عن السلطة القديمة وعن محاربة السلطة التي خلع رأسها ولكنّها ظلّت تحكم وتخطّط، وتآلفوا معها كلّما وجدوا لذلك سبيلا، وأخافوها كلّما كان لهم في ذلك مصلحة، وسلّطوا سهامهم وكلامهم وقبضات تابعيهم على منافسيهم ومعارضيهم... كفّروهم وخوّنوهم وخوّفوهم وحرّكوا جحافلهم ليعرقلوهم...
وما إن بدت السلطة في طريقها إليهم حتّى انتفشوا وانتفخوا وتهافتوا وتوعّدوا..... ثم وما إن أخذوا بزمام السلطة بل بحلوقنا ودروب مستقبلنا الذي كان واعدا حتّى ظهر تهافتهم على المناصب والألقاب،وغدت لغتهم سوقية بليدة، وتجرّؤوا على أعراض الناس يهتكونها، ولم يعودوا يقبلون بأن يتكلّم أحد، أيّا كان، عن أهداف الثورة التي هبّوا إليها يقبرونها :  " الثورة نحن... الغالبية نحن... الدّين نحن... الأفق الوحيد نحن... فلتصمتوا... دعونا نعمل... لا تسألونا... لا تسائلونا... لا تناقشونا... أنتم خونة دعاة، قلّة قليلة عملاء، جهلة، أزلام النظام السابق وعملاء الغرب"... ومضوا حتّى إلى دين الله يستفردون به، يتملّكونه ويدّعون أنهم وحدهم العالمون بحكمته وسدنة تعاليمه... وفي الأثناء ضربوا، وقمعوا وهدّدوا بالويل والثبور... وبعد أن قمعوا أفرادا أو جماعات صغيرة، تجرؤوا على الحرّيات وعلى أبرزها : حريّة التعبير والإعلام... ثمّ طفقوا يبرّرون عجزهم وانسداد الأفق الاجتماعي والاقتصادي بمؤامرات نسجوها لا من خيالهم بل من جشعهم للسلطة والنفوذ... واتّهموا الناس والتنظيمات وهم يعلمون أن اِتّهامهم باطل... وراوحوا في خطابهم بين الكذب والمغالطة والاعتذار والتبرير والتطاول والتهجّم والتناقض... ومع ذلك فقد كان دفاعهم الأساسي عن فعلهم الحكومي- وقد ظهر جليا أنّهم غفل ولا خبرة ولا كفاءة لهم في ما يصلح منه- أنّهم يتحلّون بالنزاهة ونظافة اليد... واعتدّوا بأنفسهم وكأنّ النزاهة ونظافة اليد أمران يصحّ أن يشهد بهما المرء لخاصّة نفسه... وكأنّهم لم يمتنعوا عن اعتماد الشفافية في تصرّفهم الحكومي (وهنا أسألهم : على أي أسس وقواعد تتصرّفون في المشاريع الكبرى لتقرّروا إسنادها أو مواصلة إنجازها أو لتؤكّدوا التفريط فيها... وأذكر أمثلة : مشاريع المخلوع في تونس العاصمة ومنها المشاريع العقارية على ضفتي البحيرة والمرفأ المالي بقلعة الأندلس، وسبخة بن غياضه بالمهدية، وغيرها كثير، ومشروع مصفاة النفط بالصخيرة، ومشروع محطة الأرتال سوسة : هل شخّصتم حالتها وتبيّنتم صحة أو فساد تركيباتها المالية والمؤسساتية وحفظتم حقوق الدولة فيها، وعدّلتموها على الوجه الذي يجب أن تعدّل به،.. وكيف ولماذا أقررتم استمرارها أو تعديلها أو تحويلها إلى الغير ؟ ... ومسألة الطاقة هل تبيّنتم فعلا أنحن بلد مصدّر ومكتف أو مورّد وقليل الإنتاج ومن ينتج ومن يورّد وما تحصل عليه الدولة وما تخسره سبهللا وما ينهب ؟...)
وبعد أن كانوا يتحدّثون عن المساءلة والمحاسبة ويستعجلونهما، هاهم قد أصبحوا شديدي الحرص على أن يقفزوا مباشرة إلى المصالحة، ويجدون لذلك تعلاّت يسمّونها مصلحة عامّة وحرصا على الاستثمار والتشغيل.
وإلى ما سلف، وما يمكن أن يضاف إلى ما سلف كثير، هاهم يدقّون عظام الناس  بهمجية خلنا أنّها أصبحت من الماضي... وها هم يسلطون قمعا بالزيّ وقمعا بلا زيّ وجحافل لا تعلم إلى أيّ جحور تنكفئ ولا إلى من تنقاد وتخضع، ولا من يهيّجها ويشنّجها ويسخّرها.
فهل انقلب هؤلاء فعلا على أنفسهم –مبادئهم –مطامحهم وهل ارتقاؤهم إلى السلطة هو الذي حوّلهم إلى ضدّهم ؟
لم أجد في فعلهم منذ انهالوا علينا بعد أن تأكّدوا من حصول الثورة، وبعد أن انقضّوا على السلطة ما يجعلني أعتقد أنّ أفعالهم يوم 9 أفريل 2012 مجرّد خطإ أو اِستثناء أو غلطة لن يعيدوها... بل لم أجد فيه إلاّ تواصلا وتصعيدا أو إصرارا على هجماتهم الصغرى والكبرى وإنكارا منهم لحقّ من لا يواليهم أو لا يداهنهم في أن يعيش في هذا البلد وتكالبهم على رموز الثورة جرحى وعائلات شهداء، ومواقع، وحقائق... وما تبريراتهم وتكذيباتهم وتعليلاتهم التي ليس فيها أدنى أدنى مراجعة أو اعتراف أو تصحيح- ولا أقول أيّ اعتذار- إلاّ خير دليل على أن ما بالنفس لم يتغيّر،وساكن في أعماق أعماقها، قديم مثلها...
وهنا أسأل : كيف كانوا إذن قبل زلزال 14 جانفي 2012 ؟
وتنهمر عليّ الإجابات حتى أنّني لا أقدر على تحبيرها كلّها : ألم يكونوا يسعون إلى السلطة أيّا كانت السبل إليها ؟ ألم يتحاوروا ويتعاضدوا مع أطراف من السلطة القديمة ؟ ألم يتحاوروا مع المخلوع وصهر المخلوع ؟ ثمّ ألم يسعوا قبل ذلك إلى الاستيلاء على السلطة بالانقلاب وبالعنف وبماء النار وبالتفجيرات ؟ ومن أدخل العنف إلى الجامعة بل وسلّطه فيها على منافسيه حتّى وهم شركاؤه في التعرض لقمع السلطة ؟
وهل يصحّ أن نتغاضى عن هذا الماضي وتجلّياته بالقول أنّه ماض وأن تجاوزا قد حصل في حين أنّنا لم نسمع ولم نقرأ اعترافا أو مراجعة أو تخلّيا... وألا تؤكّد الممارسات الحالية صلابة المنهج القديم واستدامة الممارسات إيّاها ؟
وبما أنّنا التفتنا إلى الماضي فلنر كيف اكتسب هؤلاء حلّة توهم بتبنّيهم للديمقراطية وللتمشّي غير العنيف للارتقاء إلى السلطة ؟ ألم يهيّء لهم ذلك هؤلاء السياسيون والحقوقيون ونشطاء المجتمع المدني الذين حموهم ودافعوا عنهم وفتحوا لهم أبواب الرحمة، وعلّموهم كيف يطرقون أبواب الهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان، وكانوا صوتهم عندما لم يعد لهم صوت، ثمّ نادوهم لينضمّوا إليهم في كفاحهم وطهّروهم من دنس عنفهم، وجعلوا الناس-هنا وخارج الوطن- يقبلون بهم طرفا ومحاورا.
فهل رأيتموهم اليوم يعلنون تمسّكهم بما كانوا تظاهروا بالاقتناع به و بأنّ عزمهم قد صحّ على الأخذ بمبادئ الديمقراطية والحداثة ومقوّمات التعايش ؟ لم أسمعهم-ولو مرّة-يدافعون عن توافق 18 أكتوبر أو يتمسّكون جهارا ودون مراغة بما قطعوا العهد عليه ؟... ثمّ إن أفعالهم البربرية قد انصبّت على كلّ من يتشبّثون بالحداثة والحرّيات وحقّ الاختلاف، ومنهم أولئك الذين حموهم ودافعوا عنهم ولمّعوا صورتهم...
يوم 9 أفريل 2012 هو يوم كشف لكلّ غافل أنّنا وقعنا بعد تحت جزمة سلطة غاشمة أخرى لا يعنيها إلاّ الاحتفاظ بالسلطة والنفوذ، ولا يهمّها أن تبني مع الناس بلدا جديدا وجميلا ومعطاء لكل الناس، سلطة لم تتورّع عن لجم كلّ الأفواه التي لا تسبّح بحمدها، وعن قطع كلّ الأيدي والأعضاء التي لا يواليها أصحابها، وستجد طريقها –إن لم تكن قد وجدته بعد- للتسلّح بكلّ ما ييسّر لها الهيمنة والسيطرة مثلما وجدت طريقها سريعا إلى التزوّد بكلّ تلك الغازات السامّة الأمريكية والبرازيلية التي سلطتها علينا- ونحن مسالمون- بلا تقتير ولا حساب. (عجزنا عن الإسراع في إغاثة المنكوبين بالفيضانات والثلوج، ولم نعالج بما يجب من حزم وإتقان وسرعة جرحانا، وأفلحنا في إعداد العدّة لتفريق المتظاهرين شرّ تفريق، ونحن في ثورة مستمرّة وتحت حكومة تصف نفسها بأنّها حكومة الثورة !)
كلاّ ! إنّهم لم ينقلبوا على أنفسهم. ذلك هو ما بأنفسهم. تلك هي أنفسهم !
إن ما فعلوه لا يمكن أن يعدّ عرضيا. وهم سيمضون في ما مضوا فيه. وحتى إن هم اعتذروا- وإن كنت أرجح أنهم لن يعتذروا إذ ليس من طبعهم أن يعتذروا- فعلينا أن لا نصدقهم وأن لا نثق بهم. فلو كانوا ممن يقرون بالخطإ وبارتكاب الكبائر في حق الوطن والإنسان لاستقال بعضهم واعتذر بعضهم وانتفض بعضهم قبل انتهاء اليوم إياه 9 أفريل 2012.
 فلنتوقّع الأسوأ والأظلم و الأحلك والأقتم...
ولنعدّ أنفسنا لنظلم أكثر ونتعب أكثر ونقمع أكثر، ولتضحيات لا حدّ لها...ولنستمرّ في عنادنا وفي تصدّينا بصدورنا العارية وقبضاتنا الخالية من أي سلاح وحناجرنا المدويّة وتضامننا الرائع : شبابا وشيبا، نساء ورجالا، من كلّ الأطياف وبكلّ الأحلام والتّوق إلى الأبهى...
فيوم 9 أفريل 2012 قد بيّن أيضا أنّنا حقيقة شعب لا يهان، ودفق بذل وتضحيات لا ينضب، وأن شاباتنا وأمهاتنا وبناتنا كما إخوتهنّ ورفاقهنّ وآباؤهن وأزيد قد تعلّقت هممهم جميعا بأغلى ما في الوجود : الكرامة والحريّة والحقّ في حياة أفضل !
 
       11 أفريل 2012  

15 avr. 2012

11 avril 2012

Certains journalistes ont vite fait de qualifier A.L. d'homme d'état.J'espère que les évènements du 9 avril,les positions qu'il a prises par la suite et ses mensonges de bas étage les feront changer d'avis.Un homme d'état qui vaut ce qualificatif - et notamment un homme d'état qui doit sa fonction aux sacrifices de tout un peuple- ne peut se permettre ni de prendre la décision d'interdiction qu'il a prise,ni de lâcher ses sbires de toutes sortes-surtout des civils et avec une hargne inégalée- sur ces femmes et hommes,jeunes et moins jeunes qui n'ont fait que s'exprimer,que fêter et que vouloir assumer leur devoir de patriotes,ni d'avancer ces justifications pernicieuses et lâches,ni de s'accrocher à son poste malgré toutes les horreurs dont il s'est rendu responsable.Ne nous leurrons pas :ils sont tous du même tissu et ils veulent tous notre bien,mais...sans nous.

أسلو

أسير في شوارع "أسلو" أتفحّص الواجهات على عادتي... فجأة أجدني أمام معهد "نوبل"، هناك غير بعيد عن القصر الملكيّ... ثمّ بعد أقل من نصف ساعة مشيا أجدني بجوار "مركز نوبل للسلام، المواجه لقصر البلدية المطلّ على الميناء. والذي أدخله متطلّعا إلى روائعه الفنيّة فأجدني بأحد أروقته قبالة صور حفل تسليم جائزة نوبل للسلام لسنة 2011.
حينها فقط، وليس قبلها أو بعدها، انبثقت في وجداني صورة : صورة لينا بن مهني تتسلّم جائزة نوبل للسّلام لسنة 2011... فارتعدت وارتعبت وحاصرني إحساس بالغثيان... ورأيتُني يومين قبل الإعلان عن الفائز أو الفائزين أجيب صحافيتين سويديتين دون سابق ولا طول تفكير أنّني أتمنى أن لا تفوز ابنتي بالجائزة... ورأيتني أعود مساء إلى المنزل وحتّى قبل أن أنزع معطفي أخبر رفيقة دربي عمّا قلت، فلا تنتظرني حتّى أكمل وأسأل وأتساءل بل تسارع لتؤكّد لي أن إحساسها إحساسي وأنّ الجائزة خطر يداهم ابنتنا وأنها تودّ لو يقف القدر إلى جنبنا... وتواترت المشاهد والذكريات : أسابيع ونحن نعيش جحيما جحيما بحق : مئات المكالمات، صحافيون يتوافدون على المنزل دون سابق إعلام، تصريحات وتصريحات وتصريحات، فرق إعلام تتوالد وتتعدّد دون أن تعلن عن ذلك، وتلك المنشطة في راديو كندا التي لا تقتنع بأنه لم يكن في وسع أمّ لينا أن تربط بينهما، وبغية إفحامها تقول لها في شبه أمر : "اتّصلي بها عن طريق أحد حرّاسها الشخصيين، من فضلك !" والأصدقاء الذين تحوّلوا واسطات يقدمون إلى المنزل ووراء ظهورهم إعلاميون قرؤوا على "الفايسبوك" أنّني لمجرّد حفاظ على صحّتها أمنع لينا من أي اتّصال".
ومثلما ينهمر على ذاكرتك فجأة لمجرّد أنّك رأيت صورة أو تذوّقت نكهة أو أبصرت شعاعا أو سمعت نغما، شريط أحداث كنت لأمر ما دفعت بها عميقا في ملفّات دماغك، أو غمرها الزّمن  بغيرها، أو أردت طمرها لتهرب منها، غمرتني تلك الأيام الشاقة : كتابات وكتابات وكتابات في "الفايسبوك" وفي بعض الصحف، وتصريحات في إذاعات وتلفزات، وهرج كبير ومرج أكبر : هذا يتساءل كيف رشحت لينا نفسها للجائزة والآخر يقول أن على تونس أن ترشح غيرها، وذاك يرشح هذا أو تلك، وغيرهم يقذف لينا بأقذف النّعوت... بل إن بعضهم يذهب حتّى المبادرة بمكاتبة جهات عليا وربّما حتّى القائمين على جائزة "نوبل" ليقول أنّ لينا ليست جديرة بالجائزة وليتوعّد أو يحتجّ أو يعارض...
مئات من الإذاعات والتلفزات والصحف الأجنبية من كلّ بلدان الدنيا يهتفون باسم لينا وقلّة قليلة من بنات وبني وطني يدعون لها أن تفوز بالجائزة...
وبنوا/ بنات بلدنا -إلاّ قلّة منهم، هم بعض من جماعة الضلال والتيه والعهر والفساد- يجادلون ويحتجّون ويثلبون ويحنقون ويغتاظون ويجهدون أنفسهم حتّى لا تفوز لينا... ولعلّ بعضهم أشعل شموعا من أجل ذلك أو تعكّف راغبا من الربّ أن يلهمه إلى فعلة تقطع الطريق بين الجائزة وبين لينا...
تونس تكاد تدخل قائمة "نوبل" لأوّل مرّة ، ولا أحد من الرسميين حكومة وأتباع حكومة والأحزاب والمنظمات وغالبية الجمعيات قد عبّر، بصورة أو بأخرى، عن سعادته أو ترحيبه أو تثمينه أو مجرّد قبوله بهذه الفرضية التي لم تنبن –واقعا- على ترشّح أو ترشيخ بل عن اختيار من القائمين على الجائزة ذاتهم...
فرصة لتبرز تونس، وثورة تونس، وتمسّك التونسيين بالسلام ومجانبتهم للعنف، وغالبيتنا تفكّر بعقلية "إمّا أنا أو أخي أو صاحبي أو فلنفسد كلّ شيء..." وفي ذلك ذهب بعضهم ومازالوا يذهبون مذاهب غريبة عجيبة... فمنهم من رشّح واختار وعيّن ومنهم من صفّق لأن الجائزة لم تؤل للينا، ومنهم من يدعو لترشيح المؤقت لهذا العام وكأن الأمر حقّ وطنيّ، لزام على جماعة نوبل أن يأخذوا به تكفيرا عن ذنب...
...ووصلت إلى الفندق حيث لينا...
وفاجأتها واستغربت وتعجبت إذ قلت لها : أنا ذاهب إلى غرفتي لأكتب رسالة شكر إلى كل من لم يؤازرك ولم يساندك ولم يفرح لك ولتونس إذ تم ترشيحك لجائزة نوبل..."
نعم أن أشكركم جميعا حكومة وأحزابا ومنظمات وجمعيات وبعضا من الشعب وأفراد مقدامين ورئيسا مؤقتا (سابقا ولاحقا) ووزيرا أوّل (سابقا ولاحقين)، فلقد استمدّت لينا واستمدّ أهل لينا وأحبّة لينا من غيرتكم وانحيازكم البليد وقلّة وعيكم الوطنيّ وتكلّس أذهانكم ما قوّانا جميعا لنواجه البلادة والتخلّف والبهامة والجشع والانحياز الأعمى...
ولم تخسر لينا جائزة "نوبل"... لأنّها إذ ناضلت لم تكن تفكّر في جوائز ومكافآت، وإذ حملت روحها على كفّها ومضت إلى حيث لم تمضوا، لم تكن تنتظر عونا من أيّ منكم.

لسان العرب لسان الفايكنغ

مقال صادر في العدد14 لجريدة ضد السلطة

يوم تكلّم الباش مهندس عن الاشارات الربانية,و أعلن باسم الله تعالى أنّهم الخليفة السادس, و ادّعى أنّهم موكّلون ليبسطوا الراية (السوداء طبعا( لا على تونس فحسب بل حتى تخوم
العالم الاسلامي (كما يرونه) جميعا , يومها لم أصدّق ما ذهب اليه البعض من أنّه كلن منتشيا أو يحادث نفسه أو من أنّه انزلق لغويا دون سابق تقدير أو تدبير ...كما لم تقنعني تبريرا مسّاح كلامهم الأوّل
ووجدته متعثّراللغة و الفقه و الانشاء...
 بل انّني رأيت عتمة تخيّم كعتمة القبور القديمة ,ونتونة كنتونة الأقبية الرطبة المهجورة تغشاهم فتضلّهم فينتفشون و ينتفخون و يتغوّلون و تملؤهم السلطة إشارات و خزعبلات و توجيهات و تخيّلات فيداهموننا ركلا و لكما و تكميما و تقييدا و اعتقالا و غدرا و طعنا و رميا في غياهب التاريخ.
و طوّعت ابنتي الاقدار و أجبرتها أن تشاء فشاءت فوجدتني أتجوّل في أوسلو عاصمة النرويج ...و هناك مابين البحر و قصر البلدية و مركزنوبل للسلام ,باغتتني أنا أيضا إشارات ,وأحسستني واسطة خير بين باعث الاشارات إيّاها و بين الباش مهندس الذي لم يهندس شيئا ـو هو لن يهندس شيئا فقراراته لا تأتيه إلاّ و هو يرتعد رغم تدثيره,وهو في التيه حتى يكلّمه مرشده أو تلهمه الرعدة ـ...خاطبني طيف أو خيال أو روح أو غمامة أو جان أو ملك  قال :-هم يبحثون عن الثواب أطنانا و عن النهي عن المنكر و الامر بالمعروف كلّ ان و لحظة و عن دخول الناس دينهم أفواجا بل بالملايين ,فلماذا لا يتركونكم وراءهم و أنتم بعد مسلمون و إن على غير هواهم و يعبرون البحر أو السماء إلى هنا فهنا الخلاعة , و هنا الاصنام في كلّ فجّ وركن عارية حتى ما بين فخذيها و أزيد, و هنا الناس يشربون جهارا, وهنا حفنة ينادون بطرد المسلمين , و هنا شعب مسالم و هادئ لكنّه لم  يسلم لانّ لا أحد دعاه الى الاسلام ...هنا يمكن للواحد أن يحطّم صنما كلّ يوم بل كلّ ساعة , وأن يشوّه رسما كلّ لحظة فالمتاحف و المعارض و أروقة الفنون كالفقاع ...و هنا يمكنهم أن يلاقوا استلطاف أناس يؤمنون بالانسان فيسكتون عنه و إن عن مضض , و لا يردون الاذى بالاذى ...هنا يمكنهم أن يكونوا أكثر نجاعة و فعالية ...هنا يمكنهم أن يعايشوا الثلج دون ضرّه أو أن يكرعوا من كلّ خير عميم , و أن يجدوا من القماش ما يكفي خياما كالحة  تئد بالحياة كلّ النساء و من هنا يمكنهم أن ينطلقوا كالفيكنغ قديما يوّسعون امبراطورياتهم جنوبا سلاحهم السلاح و الابيض منه خصوصا (فهو أقربه الى أفئدتهم و خيالاتهم العتيقة ( و تكبير تكبير حتى الاغماء ...هنا لا أحد سيجادلهم أو يعارضهم أو يقول غير قولهم أو يجتهد بغير ما أقرّوه ...
و فجأة انقطعت الاشارات ...ووجدتني أمام خيمات ثلاث متدرّجة الطول : جدة و ابنتها و ...الحفيدة . ارتعبت و انخلعت و .... ثبت الى رشدي ... هم هنا أيضا لم ينتظروا وساطتي ليتلقّوا الاشارات ...هم هنا , و هنالك  و في غير الهنا و الهنالك ...هم ...ريح صرصر و عواصف هوجاء ...و طاعون أسود ...و في كلّ مكان ...و خارج الزمان و عدت الى كامو أغرق في روايته الطاعون التي كانت قد غمزتني و انا اعدّ نفسي للسفر فاصطحبتها . 

 

قراءة في الراهن

شر بجريدة ضد السلطة من 8 الى 14 افريل

الغالب أنّ السعي الى السلطة أيّا كان الدافع إليه: فكرا أو سياسة أو فقها أو عصبية أو حتى شعرا و رومنطقية يحوّل القائم به الى سلطة  حتّى وهو مازال يخطو بل يحبو نحو السلطة. فالساعي الى السلطة يتحوّل ـ غالب الأحيان إن لم يكن كلّها ـ  إلى ضدّه. و من حانق على سلطة يريد تغييرها أو استبدالها لأسباب مبدئية يتحوّل إلى متشبّث بسلطة يريد افتكاكها أو الانقضاض عليها أو اختلاسها أو اقتناصها ثمّ الحفاظ عليها و الاستئثار بها و حجبها عن الغير,ولا يتورّع ـ في ذلك حتّى عن التحوّل  إلى نقيضه ـ  ضدّه ـ معاكسه و بالتالي عن مناقضة  منطلقاته باتجاه السلطة  ـإن فكرا و إن سياسة و إن فقها و إن عصبية و إن شعرا و رومنطقية ـ  غير أنّ المنطلقات و الدوافع تؤثّر في تفاصيل تحوّل الساعي  إلى السلطة  فتجعل هذا يقبل على التحوّل  إلى ضدّه أو حتّى إلى أنتن من ضدّه  و تجعل ذاك يحرص على حدّ من  لياقة أو لباقة...
أمّا إذا كان الحال كما هو حالنا فالأمر بل المآل  بيّن و معيّن. انهارت سلطة  بل انخلع رأسها و "ترهوج" البدن. ولم تنهر السلطة لأنّ سلطة أخرى سعت لانهيارها... قلبتها و دحرتها و "رهوجتها" جموع من الشباب انسدّ أمامهم الأفق و غلبت عليهم الحيرة  و هدّ بعضهم الجوع و أقضّت مضاجعهم " الحقرة" فانتفضوا و كلّ ما يهمّهم أن ينتفضوا و أن يصدحوا برفضهم و أن يتغيّر الحال.
لكنّهم لم يكونوا أصحاب مشروع بديل ولا ساعين إلى سلطة. فتهافت الساعون الى السلطة...و من ورائهم  المتحكّمون في الساعين الى السلطة و المتشبّثون بسلطة أوسع و أشمل و خدّامهم  من الساعين الى ظلّ سلطة  تظهرهم, هم الأقزام ,كبارا بخدمة الكبار.
و لأنّ الحال كان هو الحال  ولا يزال ,تداولت علينا حكومتان  كان همّهما الاوّل المحافظة على السلطة رغم انخلاع رأسها...ناورت الحكومتان , و " تنازلتا" و تلوّنتا, و استمعتا و "وسّعتا اللعبة" الى حدّ , و قمعتا بعنف كان أحيانا أشدّ من عنف المخلوع  (يبدو أنّ شهداء ما بعد 14 جانفي أكثر من شهداء ما قبله). ثمّ جاءت  حكومة  قائد السبسي.  (وبالمناسبة  لقد كانت  هذه الحكومة في  نفس الان حكومة  عياض بن عاشور  و جماعته على عكس مل كانوا يظهرونه و ما لا يزالون  يسوّقون له من أنّهم  كانوا سلطة مضادّة  أو معدّلة . لقد كانت الحكومة  و الهيئة  سلطة  واحدة مشتركة ...ولكن  هذه مسألة تتطلّب فسحة أوسع).وكانت هذه الحكومة  سلطة  سعي الى استعادة السلطة القديمة المنخلع رأسها  بتسميات جديدة  بل أعتق :اذ تسلّط همّها على  الاعتماد  في اعادة تجميع  قواها على  رفات حزب اندثر  منذ لأي  و على صوت  لم يعد له وقع . سعوا  إلى أن يخيّلوا إلينا أنّ الثورة  إنّما جاءت لتنصفه هو ...و بغاية المحافظة على السلطة  عمدت سلطة القائد السبسي الى القمع بعنف و شدّة و سلاطة أبانها خصوصا قمع مظاهرة الشباب يوم 15 أوت 2011 ...وسعيا الى الحفاظ و إن عن سراب سلطة  قبلت هذه السلطة أوامر المتسّلطين  و إغراءاتهم و تحالفت مع أدهى الساعين الى السلطة  بل المتكالبين عليها و هيّأت الامر لهم ...
ثمّ انقضّ     هؤلاء على مراكز السلطة و كراسيها و عروشها و أثاثها  و مصادحها و أطلقوا كلابهم و دوّابهم و سدنة بيوتهم و حاملي هراواتهم على الوطن يريدون ترويعه و اذلاله و اسكاته ليظلّوا...  و سرعان ما تحوّلوا  عن الثورة و غدوا جهرا غير مهتمّين  باهدافها...بل تنافسوا و تسا بقوا و تهالكوا كلّ على شبر من السلطة, و أعلنوا أنّهم هم الثورة , ولا أحد غيرهم  يحقّ له المناداة بشعاراتها, بل و كفّروا و خوّنوا و روّعوا حيثما حلّوا و كلّما تفوّهوا...
 و لأنّ هؤلاء انّما أتوا الى السلطة من خارجها  و من زمن سحيق كانوا خلاله فاشلين : سعوا الى سلطة بالانقلاب ففشلوا, و سعوا الى السلطة بالاصطفاف ففشلوا , وتلاعبوا من أجل السلطة ففشلوا , و ألّبوا ففشلوا ,وهادنوا ففشلوا...و لأنّهم انّما انقّضوا على سلطة لم يسقطوها و لم يخلعوا رأسها و لم يعطوها لا من دمهم و لا من دمعهم  و لا من حبالهم الصوتية , بل جاءتهم  و دفعت اليهم و قدّمت لهم: قدّمها لهم الشباب الذين لم يتجاوز فعلهم اسقاط السلطة  القائمة , وأعطاها لهم العمّ سام  و خدّام العمّ سام  بدعاتهم  و تلوّن  عقالاتهم و دشدشاتهم  و قمصانهم  و لحيّهم , و دفعها اليهم بقايا السلطة القديمة  الذين قبلوا بأيّ حلّ الاّ حلّ تحقيق أهداف الثورة  و شباب الثورة.
و لأنّ الحال  هي الحال فلقد انصبّت جهود المتسّلطين الجدد  على القبض على اليات السلطة  و أجهزتها  و على انهاء المسار الثوري  بل ابطاله ...و اذ شعروا بأنّهم سلطة ضعيفة  و هشّة و متاكلة من داخلها, فانّهم  سرعان مازادوا حقدا  و حنقا و ادّعاء و ضراوة  و انقضاضا...
أطلقوا قطعان  القتامة و الحلكة , و تحاملوا على الناس  جميعا من كراسيهم الوثيرة . و لوّحوا بالحبس بل مارسوه  و سلّطوا الهراوات (خصوصا و هم يتضايقون من الاعلام  و حرية الابداع و الفكر و التعبير )و أحصوا على المواطنين (ولا أقول " العباد") أنفاسهم و غدا شعارهم  : " ساعدونا و اسكتوا علينا و اصبروا و صابروا حتّى نبقى"...
وظهر جليّا اليوم أنّهم لا يهمّهم الاّ الخمر : خمر الاستفراد بالسلطة  ووضع المجتمع   جميعا في شباكهم ...أمّا الأمر ـ أمر مسبّبات الثورة و مبتغاها ـ فهو مؤجّل الى غد ...غد لا يهمّهم أن يطول انتظاره ... لذلك تراهم يهادنون  الفاسدين بالوانهم  و يضمّون حتى جلاّديهم القدامى الى صفوفهم ...و لذلك تراهم  يركزّون نفث  سمومهم  و تسليط هراواتهم على الاقسام الأشدّ هشاشة من مجتمعنا: المرأة يسعون الى اهانتها و تحقيرها , و الشباب يستبعدونه الاّ من  رضي باستعبادهم , و الجهات المحرومة كفّوا حتى عن اشباعها وعودا , و المحرومين من حقّ الشغل  يدمونهم , و جرحى الثورة يسخرون منهم ـو يجرحونهم أكثر...

السلطة الجديدة  تبني نفسها ... و لأنّ همّها الأوّل و الأخير هو السلطة ـ و ليس ما كان من منطلقاتها فكرا  أو سياسة أو فقها أو عصبية أو شعرا أو كلاما أجوف ـ فهي ستمضي كلّ يوم ,بل كلّ ساعة ,أكثر باتجاه القمع , و ستعزّز  كلّ يوم منحى فرز الصفوف : من هو معي محظوظ لانّه في صفّ المنافع و الحوافز و تطلق يده على الحلال و الحرام و يوعد بالجنّة ,و من هو ليس معي , و ان لم يكن ضدّي , فهو الكافر  و الفاسق  و يحلّ اهداره  معنى و لحما و دما.
ولأنّ من لهم مصلحة  في أن تمرّ الثورة  الى مرحلتها  الثانية مرحلة  الانتقال الفعلي  الى وضع جديد  فيه الكرامة  و فيه العزّة و  فيه الحريات  و فيه عمل  تنمية  متوازن  و عادل , هم الشباب  و المهمّشون  و الحالمون  و النساء و البطّالون  و الشعراء و المبدعون , فإنّ السلطة  الجديدة في سعيها الحثيث  الى تأبيد سلطتها ستسلّط عليهم كلّ يوم  أزيد ريحها  الأصفر  و هراواتها الصدئة و سمومها  الخفيّة , و ستغلق في وجوههم  الشوارع و الساحات و فسحات  الأمل و افاق الحلم ... السلطة الجديدة  سيحتدّ خطابها  كلّ يوم أكثر , و هي ستسلّط كلّ يوم أزيد هراواتها  ذات الزيّ , و المتخفيّة بأزياء مدنيّة , الرسمية و غير الرسمية , المصطفّة عن قناعة  أو عن لؤم  و طمع , و هي ستستهدف  أساسا رموز البلد  و رموز الثورة : مواقع و مواقيت  و فئات و أفرادا ...و لن يردعها  رادع  من ذاتها  فهي سلطة أوّلا  و هي سلطة  تسعى الى الاستدامة ثانيا و هي سلطة قد انقلبت على الثورة أوّلا و أخيرا ...
و لذلك فانّه لم يعد لنا من أمل سوى أن نتشبّث بحلمنا  و ... نقاوم

 مطلع افريل 2012

 

في زمن حرية التعبير

الصادق بن مهني جريدة الجزيرة أفريل 2012



تعافُ نفسي أن أنطلق في الكتابة وأنا أحتاط من اندفاعي وأناور حتّى لا أنقاد لوجداني وأنصاع لدواخلي، وأمسك بلجام قلمي حتّى لا يقودني إلى المحظور أو ما يبدو محظورا. وهذه هي حالي اللحظة. بل إنّها حالي منذ أسبوعين أو أكثر: أتناول الورق والقلم وأهُمُّ بالكتابة فأحسّني مكبّلا، ولا يريد النصّ/النصوص الذي/التي حرّرته/حرّرتها في داخلي أن ينساب/تنساب.
قد يستغرب قارئي ما أقول ونحن في زمن حرّية التّعبير.
وقد يستغرب ذلك أكثر قارئي المعتاد على نصوصي منذ عشريتين ـ وقبل 14 جانفي ـ  فهو قد رآني أكثر من مرّة أبلّغ ما أريدُ إبلاغه واضحا رغم عُسْرِ الآن ودقّةِ الموضوع...
وحتّى لا أرهقَ قرّائي وحَتّى لا أناورَ أكثر أفصح جليّا فأقولُ: أحسّنا انتقلنا من عهد دكتاتوري لا إلى عهد انتقالِ باتّجاه الدّيمقراطية، بل إلى لحظة تاريخية مفصليّة كلّ شيء فيها ممكنٌ ومُحتمَلٌ، فنحن كالبهلوانيّ الذي يمشي على حبل يمتدّ بين جَبَلين فوق هوّة بلا قرار، قد يفلِح في مشيه إذ يتمسّك بتركيزه ولا تخونه لا أعصابه ولا عضلاته ولا ثقته بالنّجاح وإحساسه بالقدرة والكفاءة، وقد يرتبك أو يرتعش أو تهون عليه نفسه هنيهةً فيسوء مآله... اِنتشينا أسابيع بأن اكتشفنا أنّنا حقّا نحبّ تونس كل يوم وأكثر من كلّ يوم، وأنّ لنا شبابا لا يهاب، أو لم يعد يهاب، لا اللّظى ولا ركوب المخاطر ولا المجاهَرَة بتوقِه ورؤاه، وبأن أصبحنا ننظر إلى بعضنا بعضا مباشرة في بؤبؤ العين وبفخر، وبأن اعتقدنا أنّنا واحد لا ينفصم، وهذا دربُنَا ينفتحُ أمامنا وضّاءً سهلا أو يكادُ نمضي فيه بلا تدافع، بل باندفاعِ جميل منظّم فيه تنافسٌ لكن نزيه، وفيه تسابقٌ لكن لا لتحقيق ذاتٍ ضيّقة بل لنيل الفخر بتحقيق الذّات الجمعية التي صنعتها شعارات الحريّة والكرامة والحقّ للجميع في التنمية... ثمّ داهمنا الصّقيع وأحاطت بنا الهواجرُ فإذا بنا نعود قبائل تشحذ سكاكينَها للتَناحر، وتحفر التاريخ عميقا لتتّكئ على مقولات تُنسب للسّلف الصّالح، إن عن حقّ وإن بهتانا... وإذا بنا نكتشفُ كَرهَنا لذواتنا ـ لأخواتنا ـ لأصحابنا ـ لجيراننا ـ لأمّهاتنا ـ للأفق الفسيح... وإذا بنا لسنا بُنَاةَ مستقبل وضّاءٍ بل برابرةً يسكرهم الهدم والهدر... وإذا بنا ننقلِبُ من خبر أفرحَ العالم كلَّه إلى سؤال يقضّ مضاجع كلّ حرّ وكلّ صديق... وإذا بنا ننسى أنّنا فخرُ المسلمين والعرب بما اجترحناهُ رغم الدّكتاتورية وتقتير المتاح من حضارة وتقدّم باتّجاه صنع إنسانية الإنسان بلا ميز، ونعودُ إلى تحقير الإنسان والقول باِستعباده شيعا وطوائف وأجناسا ونساءً هنّ أمّهاتنا ـ أخواتنا ـ بناتنا ـ شريكاتنا ـ حمّالات همومنا ـ مربّياتنا ورافداتنا في انطلاقتنا نحو الشمس...
ها هو قلمي يتنطّع ـ يستقوي ـ يغريه الحلم ـ تسحره الحرّية ـ يخلب لُبّهُ الجمال الحلو... وها أنّني أجدُني أميل إلى الرّغبة في كبح جماحه ـ الحدّ من انطلاقته ـ الحيلولة دونه ودون سبر أغوار الواقع على هواه...
ذلك أنّني أكتب نصّي لجريدة «الجزيرة»، وجريدة «الجزيرة» غالية عليّ، وصاحبُها ـ لطفي الجريري ـ صديقي وصاحبي وإن لم يكن مثلي ولم أكن مثله بل بيننا لقاءات وبيننا تباينات... وفي نفسي «للجزيرة» وللطفي ما يدفعني بقوّة وثبات إلى القبول حتّى بالتنازل المرّ كي تستمرّ «الجزيرة» ولا يشقى لطفي لحدّ الانهيار... وأنا لا أنسى ـ ولن أنسى ـ أنّ لطفي فتح لغيري ولي صفحات «الجزيرة» في زمن عزّت فيه الصفحات وكانت فيه موارده متأتيّة من منابعَ سِمتُها أنّها تجفّ سريعا ولأوهن الأسباب... وأنا لستُ ممّن يقدّمون هواهم وتَرَفهم وحتّى خياراتهم على هموم الناس... وأنا أدرك أنّ قلمي ـ  كما أقلام أخرى ـ أصبح في عُرف الطامحين الجدد إلى الاستفراد بالسلطة والنفوذ والحكم والقرار صوتا يُطلَبُ إسكاتُه أو على الأقلّ تطويعه... وأنا أعي أنّه قد يكون أعسر على «الجهابذة» الجدد منه على سابقيهم من الطّغاة أن يقبلوا «بالجزيرة» قوس قزح ـ طيف ألوان بهيجة ـ وسيمفونية بكلّ أنغام البلد...
ولأنّني قلتُ ما قلتُ وانتهيت إلى أن أوضحتُ وأفصحتُ فإنّني سأتطرق أخيرا إلى «جربةَ» التي سأظلّ ما بقي لي من عمر أحلم بها جرْبَةً ـ جنّة ـ فيحاء بكلّ عطورها ـ زاهية بجميع ألوانها الجميلة ـ باقية بكلّ تنويعات ساكنيها القدامى والجدد ـ هادئة بكلّ ما يضطرم عليها من أنشطة ومطامح وانتظارات وتطلّعات... جربةُ هذه الأيّام وفي هذا الزّمن المضطرب ـ الغريب ـ العجيب ـ المتقلّب ـ المفاجئ ـ المفرح ـ المفجع ـ المجنون ـ الفاتح على شتّى الاحتمالات غدت لقمة سائغة يستبيحها هُمّج يكدّسون المال الحرام، ينهبونه من سواحلها ومن دواخلها ومن إنشاءاتها، وهمّج استحلّوا تراثها فشوّهوه أو سرقوه أو عبثوا به باسم التفرّد بالحقّ والإيمان أو بدعوى التّقوى والمعروف... جربةُ هذه الأيّام تعيش تحوّلات وتبدّلات لم تعشها طوال عشريات بل طوال قرون ودهور، وستغدو قريبا شيئا جديدا وتخسر الكثير الكثير ممّا كان يميّزها فيجعل الناس جميعا ـ وإن اختلفوا في كلّ شيء ـ يدعونها «جنّة» بل «الجنّة».
لكنّ جربة تعيش هذه الأيام أيضا زخما رفيقا ـ صامدا ـ عنودا، زخم الشابات والشبان ومعهم كهول وشيوخ هبّوا جميعا يتصدّون ـ يتحدّون ـ  يقاومون نزعات الاختلاف والتضارب يجعلونها عنوان بهجة وتلاق واتّحاد ـ ينهضون لأنفسهم ولوطنهم ولمراتع طفولتهم ومرابع عيشهم ـ  يقدّون من وهنهم قوة بنّاءة بجمعياتهم وتجمعاتهم ولقاءاتهم وتناديهم وصراخهم وغنائهم... وجربة هذه الأيّام هي جربة هؤلاء الذين هبّوا يعرّضون صدورهم للمستكرشين والمنتطّعين يحولون بينهم وبين مزيد نهب طبيعتها، ويتحدّون عزّلا المتستّرين بمختلف تمظهرات السلطة، قديمة وجديدة، يفضحون تواطأها ويعرّون تخاذلها... جربة هي هذه الأيّام جربةُ عشاقها الذين يغلّبون عشقهم ويغزلون من أصواتهم المختلفة نغما متناسقا  ينشد حمايتها، وينسجون من أفكارهم المتنوّعة وحتّى المتضاربة دثارا بهيّا وأثيرا يدفئها ويحضنها...
جربة هذه الأيّام هي جربة بناتها ـ جمعياتها ـ أولادها ـ عشّاقها من كلّ جيل ومن كلّ مكان... جربة هذه الأيّام هي جربةُ حُمَاتها كلٌّ ومنهجه كلّ وأداتُه كلّ وخطوه، جربةُ «بسمة» «وآنّي» و«لينا» و«حوسين» و«النّاصر» و«آمال» و«جربة الذاكرة» و«جمعية الصيانة» وشباب الأحزاب المتيقّظ وأولئك الذين وهبتهم الثورة عمرا جديدا أو عزما كان قد خمد، وكثيرين لم أذكرهم لكن سيذكرهم التاريخ ذات زمن... ولو تطلّب الأمر: ثورة...