15 avr. 2012

قراءة في الراهن

شر بجريدة ضد السلطة من 8 الى 14 افريل

الغالب أنّ السعي الى السلطة أيّا كان الدافع إليه: فكرا أو سياسة أو فقها أو عصبية أو حتى شعرا و رومنطقية يحوّل القائم به الى سلطة  حتّى وهو مازال يخطو بل يحبو نحو السلطة. فالساعي الى السلطة يتحوّل ـ غالب الأحيان إن لم يكن كلّها ـ  إلى ضدّه. و من حانق على سلطة يريد تغييرها أو استبدالها لأسباب مبدئية يتحوّل إلى متشبّث بسلطة يريد افتكاكها أو الانقضاض عليها أو اختلاسها أو اقتناصها ثمّ الحفاظ عليها و الاستئثار بها و حجبها عن الغير,ولا يتورّع ـ في ذلك حتّى عن التحوّل  إلى نقيضه ـ  ضدّه ـ معاكسه و بالتالي عن مناقضة  منطلقاته باتجاه السلطة  ـإن فكرا و إن سياسة و إن فقها و إن عصبية و إن شعرا و رومنطقية ـ  غير أنّ المنطلقات و الدوافع تؤثّر في تفاصيل تحوّل الساعي  إلى السلطة  فتجعل هذا يقبل على التحوّل  إلى ضدّه أو حتّى إلى أنتن من ضدّه  و تجعل ذاك يحرص على حدّ من  لياقة أو لباقة...
أمّا إذا كان الحال كما هو حالنا فالأمر بل المآل  بيّن و معيّن. انهارت سلطة  بل انخلع رأسها و "ترهوج" البدن. ولم تنهر السلطة لأنّ سلطة أخرى سعت لانهيارها... قلبتها و دحرتها و "رهوجتها" جموع من الشباب انسدّ أمامهم الأفق و غلبت عليهم الحيرة  و هدّ بعضهم الجوع و أقضّت مضاجعهم " الحقرة" فانتفضوا و كلّ ما يهمّهم أن ينتفضوا و أن يصدحوا برفضهم و أن يتغيّر الحال.
لكنّهم لم يكونوا أصحاب مشروع بديل ولا ساعين إلى سلطة. فتهافت الساعون الى السلطة...و من ورائهم  المتحكّمون في الساعين الى السلطة و المتشبّثون بسلطة أوسع و أشمل و خدّامهم  من الساعين الى ظلّ سلطة  تظهرهم, هم الأقزام ,كبارا بخدمة الكبار.
و لأنّ الحال كان هو الحال  ولا يزال ,تداولت علينا حكومتان  كان همّهما الاوّل المحافظة على السلطة رغم انخلاع رأسها...ناورت الحكومتان , و " تنازلتا" و تلوّنتا, و استمعتا و "وسّعتا اللعبة" الى حدّ , و قمعتا بعنف كان أحيانا أشدّ من عنف المخلوع  (يبدو أنّ شهداء ما بعد 14 جانفي أكثر من شهداء ما قبله). ثمّ جاءت  حكومة  قائد السبسي.  (وبالمناسبة  لقد كانت  هذه الحكومة في  نفس الان حكومة  عياض بن عاشور  و جماعته على عكس مل كانوا يظهرونه و ما لا يزالون  يسوّقون له من أنّهم  كانوا سلطة مضادّة  أو معدّلة . لقد كانت الحكومة  و الهيئة  سلطة  واحدة مشتركة ...ولكن  هذه مسألة تتطلّب فسحة أوسع).وكانت هذه الحكومة  سلطة  سعي الى استعادة السلطة القديمة المنخلع رأسها  بتسميات جديدة  بل أعتق :اذ تسلّط همّها على  الاعتماد  في اعادة تجميع  قواها على  رفات حزب اندثر  منذ لأي  و على صوت  لم يعد له وقع . سعوا  إلى أن يخيّلوا إلينا أنّ الثورة  إنّما جاءت لتنصفه هو ...و بغاية المحافظة على السلطة  عمدت سلطة القائد السبسي الى القمع بعنف و شدّة و سلاطة أبانها خصوصا قمع مظاهرة الشباب يوم 15 أوت 2011 ...وسعيا الى الحفاظ و إن عن سراب سلطة  قبلت هذه السلطة أوامر المتسّلطين  و إغراءاتهم و تحالفت مع أدهى الساعين الى السلطة  بل المتكالبين عليها و هيّأت الامر لهم ...
ثمّ انقضّ     هؤلاء على مراكز السلطة و كراسيها و عروشها و أثاثها  و مصادحها و أطلقوا كلابهم و دوّابهم و سدنة بيوتهم و حاملي هراواتهم على الوطن يريدون ترويعه و اذلاله و اسكاته ليظلّوا...  و سرعان ما تحوّلوا  عن الثورة و غدوا جهرا غير مهتمّين  باهدافها...بل تنافسوا و تسا بقوا و تهالكوا كلّ على شبر من السلطة, و أعلنوا أنّهم هم الثورة , ولا أحد غيرهم  يحقّ له المناداة بشعاراتها, بل و كفّروا و خوّنوا و روّعوا حيثما حلّوا و كلّما تفوّهوا...
 و لأنّ هؤلاء انّما أتوا الى السلطة من خارجها  و من زمن سحيق كانوا خلاله فاشلين : سعوا الى سلطة بالانقلاب ففشلوا, و سعوا الى السلطة بالاصطفاف ففشلوا , وتلاعبوا من أجل السلطة ففشلوا , و ألّبوا ففشلوا ,وهادنوا ففشلوا...و لأنّهم انّما انقّضوا على سلطة لم يسقطوها و لم يخلعوا رأسها و لم يعطوها لا من دمهم و لا من دمعهم  و لا من حبالهم الصوتية , بل جاءتهم  و دفعت اليهم و قدّمت لهم: قدّمها لهم الشباب الذين لم يتجاوز فعلهم اسقاط السلطة  القائمة , وأعطاها لهم العمّ سام  و خدّام العمّ سام  بدعاتهم  و تلوّن  عقالاتهم و دشدشاتهم  و قمصانهم  و لحيّهم , و دفعها اليهم بقايا السلطة القديمة  الذين قبلوا بأيّ حلّ الاّ حلّ تحقيق أهداف الثورة  و شباب الثورة.
و لأنّ الحال  هي الحال فلقد انصبّت جهود المتسّلطين الجدد  على القبض على اليات السلطة  و أجهزتها  و على انهاء المسار الثوري  بل ابطاله ...و اذ شعروا بأنّهم سلطة ضعيفة  و هشّة و متاكلة من داخلها, فانّهم  سرعان مازادوا حقدا  و حنقا و ادّعاء و ضراوة  و انقضاضا...
أطلقوا قطعان  القتامة و الحلكة , و تحاملوا على الناس  جميعا من كراسيهم الوثيرة . و لوّحوا بالحبس بل مارسوه  و سلّطوا الهراوات (خصوصا و هم يتضايقون من الاعلام  و حرية الابداع و الفكر و التعبير )و أحصوا على المواطنين (ولا أقول " العباد") أنفاسهم و غدا شعارهم  : " ساعدونا و اسكتوا علينا و اصبروا و صابروا حتّى نبقى"...
وظهر جليّا اليوم أنّهم لا يهمّهم الاّ الخمر : خمر الاستفراد بالسلطة  ووضع المجتمع   جميعا في شباكهم ...أمّا الأمر ـ أمر مسبّبات الثورة و مبتغاها ـ فهو مؤجّل الى غد ...غد لا يهمّهم أن يطول انتظاره ... لذلك تراهم يهادنون  الفاسدين بالوانهم  و يضمّون حتى جلاّديهم القدامى الى صفوفهم ...و لذلك تراهم  يركزّون نفث  سمومهم  و تسليط هراواتهم على الاقسام الأشدّ هشاشة من مجتمعنا: المرأة يسعون الى اهانتها و تحقيرها , و الشباب يستبعدونه الاّ من  رضي باستعبادهم , و الجهات المحرومة كفّوا حتى عن اشباعها وعودا , و المحرومين من حقّ الشغل  يدمونهم , و جرحى الثورة يسخرون منهم ـو يجرحونهم أكثر...

السلطة الجديدة  تبني نفسها ... و لأنّ همّها الأوّل و الأخير هو السلطة ـ و ليس ما كان من منطلقاتها فكرا  أو سياسة أو فقها أو عصبية أو شعرا أو كلاما أجوف ـ فهي ستمضي كلّ يوم ,بل كلّ ساعة ,أكثر باتجاه القمع , و ستعزّز  كلّ يوم منحى فرز الصفوف : من هو معي محظوظ لانّه في صفّ المنافع و الحوافز و تطلق يده على الحلال و الحرام و يوعد بالجنّة ,و من هو ليس معي , و ان لم يكن ضدّي , فهو الكافر  و الفاسق  و يحلّ اهداره  معنى و لحما و دما.
ولأنّ من لهم مصلحة  في أن تمرّ الثورة  الى مرحلتها  الثانية مرحلة  الانتقال الفعلي  الى وضع جديد  فيه الكرامة  و فيه العزّة و  فيه الحريات  و فيه عمل  تنمية  متوازن  و عادل , هم الشباب  و المهمّشون  و الحالمون  و النساء و البطّالون  و الشعراء و المبدعون , فإنّ السلطة  الجديدة في سعيها الحثيث  الى تأبيد سلطتها ستسلّط عليهم كلّ يوم  أزيد ريحها  الأصفر  و هراواتها الصدئة و سمومها  الخفيّة , و ستغلق في وجوههم  الشوارع و الساحات و فسحات  الأمل و افاق الحلم ... السلطة الجديدة  سيحتدّ خطابها  كلّ يوم أكثر , و هي ستسلّط كلّ يوم أزيد هراواتها  ذات الزيّ , و المتخفيّة بأزياء مدنيّة , الرسمية و غير الرسمية , المصطفّة عن قناعة  أو عن لؤم  و طمع , و هي ستستهدف  أساسا رموز البلد  و رموز الثورة : مواقع و مواقيت  و فئات و أفرادا ...و لن يردعها  رادع  من ذاتها  فهي سلطة أوّلا  و هي سلطة  تسعى الى الاستدامة ثانيا و هي سلطة قد انقلبت على الثورة أوّلا و أخيرا ...
و لذلك فانّه لم يعد لنا من أمل سوى أن نتشبّث بحلمنا  و ... نقاوم

 مطلع افريل 2012

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire