29 avr. 2012

إلى السيد وزير العدل : دعوتكم كرمٌ منكم ولكنّني... أصدّها !

دعاني أحد مستشاريك، نيابة عنك، لأزور هذا الأحد 29 أفريل، معتقل برج الرّومي الذي كنت دُفنت فيه رفقة آخرين لسنوات...
وكان نائبك دقيقا : وزارة العدل تدعوني باعتباري أحد الذين خبروا هذا المعتقل لانتمائهم لحركة آفاق-العامل التونسي... وستشمل الزيارة مساجين سياسيين سابقين من انتماءات مختلفة...
ثمّ أضاف : هكذا ستتمكنون من تذكّر ما عشتموه في هذا السجن... ومن أن تشاهدوا أمكنة قضيتم فيها ردحا من عمركم... وفي برج الرومي كما في الحافلة أثناء الطريق ستتمكنون من التلاقي... ستلتقون أنتم المنتمون إلى نفس المجموعة، وستلقون الجماعات الأخرى فتتعارفون وتتحاورون..
ورغم أنّني ممّن يحنّون إلى كلّ الأماكن التي ضمّتهم، ولو لوهلة، حتّى وإن كانت سجنا أو غرفة تعذيب... ورغم أنّني أشتهي حقّا أن أزور برج الرومي وسجن القصرين و خربة الرابطة ومكاتب وزارة الداخلية وسجن بنزرت-المدينة... وأشهد أنّني قصدت كل هذه الأماكن خلال السنوات الماضية عشرات المرّات حتّى غدا أولادي وزوجتي وأقارب كثر يعرفونها... بل إنّ آخر مرّة مررت فيها على تخوم برج الرومي كانت –مصادفة- يوم زاره رئيسكم المؤقت... رغم كل ذلك فإنني أصدّ اقتراحك، ولا يغريني كرمكم، وتعاف نفسي أن أمتطي  حافلتكم وأن أكون معك أو مع من يمثلك ومع بعض كثر من مساجين سابقين من انتماءات أخرى...
ذلك أنّني أصبحت أرى فيك بل فيكم، أنتم وحكومتكم ومن وراء حكومتكم، وكل من يحرّكه حكومتكم وسادة حكومتكم باب سجن كبير تبنونه حول شعبنا الذي كان شعبكم أيضا فاغتلتموه طعنا في أهدافه، واستفرادا بمصيره، وتحريضا على حراته وأحراره...
أرى فيك وفيكم –ولا أخالني مخطئا بل أتمنى لو كان يمكن أن أكون مخطئا-طغاة جددا، متكبّرين- متجبّرين، أطلقوا علينا جحافل شرط مهيجيين، وهمّجا لا يغلم أصلهم ودافع أجرهم إلاكم... أرى فيكم عصيّا وهراوات وقنابل غاز سام استوردتموه بثمرات عرقنا... أرى فيك وفيكم من كسر ذراع أستاذ القانون والعازف والشابة المتوثبة إلى الشمس والصدق وضرب الشيخ الوقور وأدمع عيون الأطفال... أرى فيك وفيكم مكمّمي لسان يوسف وملجمي الإعلاميين والمستفردين بدين الله يوظّفونه كيفما شاؤوا ولما شاؤوا ويسلطونه تدافعا يقطع أو صال شعبنا- يجيّش بعضه ضد بعضه... أرى فيك-فيكم من نحر الفصل الأوّل من ثورتنا، وحاد بها عن مسار خلناكم حقّا تبتغونه معنا...صدقا وبكل صراحة، ومع تحمّل أعباء موقفي : "لا يمكن لي إلاّ أن أرفض كرمكم وإلاّ أن أصدّ دعوتكم... وأنا لا أراني راكبا الحافلة ذاتها التي تقلّ من يدعو إلى بتر أعضاء بني بلدي أيا كان دافعه للاحتراب... ولا أراني أستذكر عسف عهد باد مع صناع عسف جديد يهدمون توق ابنتي إلى أن تكون أخت أخيها لها ما له وعليها ما عليه...
لا أراني أصحبكم وأنتم تعاملون شعبنا : "هذا معنا فليفعل ما يشاء ! وذاك ليس من صفّنا. فحقّت عليه اللعنة وإن لم يعادنا"...
لا أراني أصحبكم وأنتم تصدّون جرحى الثورة وأسر الشهداء وتضحكون للفاسدين وترمون بالبلد في غياهب التاريخ...
لا أراني في ضيافتكم لا إلى برج الرومي ولا حتّى إلى الجنة طالما أنّكم تصرون على اختطاف البسمة من عيون شبابنا، ووأد الفكرة قبل أن حتى أن تينع في رؤوس حكمائنا ، وقصف النغم حتّى قبل أن تنطق به القيثارات، واغتيال الجمال من بناتنا، وتسويتنا قطيع أنعام بُلْهٍ لا يصحّ له إلاّ أن يقبل يد مستبيحيه...
سيدي وزير العدل !
دعوتك كرم منك... لكنّه كرم في طعم الحنظل بل السمّ بل اِغتيال المغتال بعد...
دعوتك كرم منكم... لكنّا بدأنا نتعلّم منكم أن للكلمة أكثر من معنى وللدعوة أكثر من خلفية وللكرم سمّه...
ولهذا أصدّها.   

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire