6 oct. 2013

تغريدات إلى روح والدي شعبان بن رجب بن مهنّي نشر بجريدة الجزيرة لشهري اوت ـ سبتمبر





أستسمحك، والدي، أن أقضّ مضجعك الأبديّ في زمننا هذا الجميل / الرديء لأخبرك أنّهم فقدوا صوابهم وأنّ عنجهيتهم ـ غرورهم ـ غطرستهم ـ غباءهم ـ صلفهم ـ لاإنسيانيتهم ـ تدافعهم المرضيّ يقودهم إلى إهلاكنا / هلاكهم. ولأؤكّد ما تعلمه: نحن لن نخاف ـ لن نهلع ـ لن نتراجع ـ لن نهرب بل سنتصدّى: بصدورنا العارية الصّادحة سنتصدّى، بمداومتنا سنتصدّى، بحناجرنا سنتصدّى، بأقلامنا سنتصدّى، وبهؤلاء القادمات / القادمين من كلّ حدب وصوب ـ من عمق تاريخنا ـ ومن مستقبلنا الوضّاء سنتصدّى... سنتصدّى وسـ... يهربون... سيهربون كما هربوا. ولكنّهم سيفرّون هذه المرّة بلا أمل في رجوع وتحت البصاق.
****

أمّا حفيدتك لينا فهي قد ردّت على هديّتك بمثلها: تغيّرت وأنت تتهيّأ لتغادرنا فأصبحت مع المرأة وأوصيتنا بأنّ لا فرق بين رجل وامرأة وقلت «أريد حفيداتي كما أحفادي: ناجحات، متعلّمات، متحرّرات»... ووهبتك ـ وهبتنا هي نجاحا رغم النوائب وبريقا حقّا رغم الدياجير، وتموقعت في الكوكبة الأولى تفتح طريقنا صوب الشّمس ـ تروّض أشواكه من مجالدتها وترشّه أزهارا وعشقا...
****

حفيدتك لينا تستظلّ بعشقها لهذا الوطن الزّاهي، لهذا الشعب الغالي، تحمل عمرها على كفّها هبة للكلّ، لا تعبأ بالمارقين ـ المنافقين ـ الغاصبين ـ التّابعين ـ الهمّج، ولا ترتاح يحفظها حبّ النّاس وصدق العزيمة وحسن السّريرة... لكنّني أكاد أجزم أنّك أنت أيضا تحميها ـ تظلّلها وتضلّل الآفكين ـ تدثّرها من عليائك بغيمة خير تردّ رصاص المتربّصين وتفشل مخطّطات القنّاصة ومنهم واحد رأيته ذات ليلة يتخفّى وراء نخلة مدخل الممرّ، وهمست لي: «أن اخرج ترَ !» ففضحته.
****
والدي، أعرف أن كان في قلبك شيء من مرارة وإحساس بالغبن لأنّك عشت وأسرتك سجني  في وحدة وتنكّر لك حتّى من كنت تحسبهم أحبّة وتحاشاك حتّى غالب أصدقاء العمر... لذلك أقول لك: «اهنأ بالا، حبيبي!، لقد دار الزّمن دورته وجاء تكريمك من نساء / رجال عرفوك وإن لم يكن لك بهم سابق صلة كرّموك إذ كرّموني وصفّقوا لذكر اسمك وذكراك، ومنهم من بكى، ومنهم من غنّى، وكلّهم كانوا / كنّ صدقا ـ حبّا ـ وانطلاقا ـ توثّبا...
****

والدي العزيز ـ معلّمي ـ وملهمي! علّمتني أن أقول كلمتي، أيّا كانت، ورأيتك كم مرّة تتمعّن في ما أكتبه ـ تحثّني على أن لا تنقطع كلماتي عن «الجزيرة»، ولأنّهم الآن يريدون إخراسي فيصبّون جام غضبهم على «لطفي» ـ أخي وإن لم تلده أمّي ولا ولده أبي، ويلوّحون أمام عينيْه بدنانيرهم وبعصيّهم الغليظة، أجدُني أؤكّد لك: أن اهنأ بالا: لن أسكت ـ لن أخرس ـ لن أتراجع... وسيخسؤون!
****

والدي صديقي ! صدق توقّعك: بعد أن أعلن بورقيبة أنّه «يوغرطة الذي انتصر» تصرّف بما يجعله يكون «آخر يوغرطة ينتصر»... لذلك نحن اليوم في ما نحن فيه... وبالمقابل قادك تشاؤمك ذاك العام إلى تقدير خاطئ: بدا لك أنّ أجيالنا الجديدة غير مهتمّة بالشّأن العام، وقلت لي: «حبّ الوطن يُرضع مع حليب الأم... وأطفالنا أصبحوا يرضعون حليبا جافّا نستورده من أمريكا، فكيف نتوقّع أن يكون أبناؤنا وطنيين؟... وها أنّ بناتنا ـ أولادنا يبزّوننا وطنيّة ويتفوّقون علينا إبداعا ويبهروننا بمداومتهم.
****

 سيظل وطننا كما حَلُمتَ به: أمسا مشرّشا في التّاريخ وحاضرا يعرفه النّضال وغدا أبهى.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire