8 janv. 2017

الرئيسيّة » فكر » أسئلة أثارتها قراءة كتاب : ” الإرهاب في تونس من خلال الملفّات القضائية”

مقال صادر على صفحات المجلة الالكترونية انتليجتسيا 





كتاب ” الإرهاب في تونس من خلال الملفّات القضائية” هو كتاب جماعيّ صدر بتاريخ أكتوبر 2016 عن ” المنتدى التّونسيّ للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية” و ” المركز التّونسيّ للبحوث و الدّراسات حول الإرهاب” و جاء في 155 صفحة.
ويروم هذا المقال لا إلى تقديم الكتاب بل إلى طرح أسئلة أو تساؤلات أثارتها أو حرّكتها أو زادتها أهميّة قراءة الكتاب و بعض معطيات و تأكيدات و أفكار تخلّلته.
1. ص2 : “إنّ إدراك سرعة الانتقال مباشرة بعد حالة التنظّم إلى جلب السّلاح يدلّ بشكل قاطع على أنّ المشروع الإرهابيّ في تونس تأسّس منذ البداية على تصوّر قتاليّ يناهض الدّولة المدنية و يسعى إلى إزالتها.”
يثير هذا التّأكيد في أقلّ الأحوال الأسئلة التّالية:
      – متى رسخ التّصوّر القتاليّ المناهض للدّولة المدنية ؟ قبل الثّوة أو إثرها؟ و ما هي العوامل الّتي ساعدت على رسوخه و توسّع دائرة انتشاره؟
      -هل وجدت أطراف أو جهات (داخل السّلطة و داخل المعارضة ولدى دول) وعت هذا الواقع و أسهمت فيه و سعت إلى الاستفادة منه؟ قبل الثّورة و إثر الثّورة؟
      – إذا سلّمنا أنّ مناهضة الدّولة المدنية قد وجدت من يمثّلها صلب المجلس التّأسيسيّ و بالشّارع السّياسيّ و الإعلاميّ و أنّ في مشاريع فصول عديدة من الدّستور تمّ طرحها
       ما ينمّ عن سعي إلى إزالة الدّولة المدنية فهل يمكن أن نستخلص أنّه وجدت أطراف و جهات وعت حقيقة المشروع الإرهابيّ  و آزرته أو ناورت به أو استخدمته أو               راهنت و لو جزئيا عليه؟ أو تستّرت عليه ؟
     – هل توجد أطراف و جهات داخل أجهزة الدّولة  و آليات الحكم (قديمها و جديدها) وبالشّارع السّياسيّ و الإعلاميّ أدركت انبناء المشروع الإرهابيّ منذ البداية على تصوّر       قتاليّ أو علمت بذلك  و لم تفعل شيئا للحيلولة دون المشروع أو تستّرت عليه و ناصرته(لأمر ما) و فسحت له المجال أو تخاذلت في مواجهته ؟ و ألا توجد علاقة ما              (مباشرة أو غير مباشرة ) بين هؤلاء – إن وجدوا – و بين الاغتيالات السّياسية الّتي طالت على وجه الخصوص وجهين عرفا بفضحهما للمشروع الإرهابيّ و الّتي كان من        المبرمج لها أن تطال (حسب ما هو معلوم و ما ورد في ملفّات تناولها الكتاب ) وجوها أخرىترمز لمدنية الدّولة ؟
    – هل وضع حدّ للمشروع الإرهابيّ ؟ أم انّه ما يزال قائما و إن تعطّل ؟ و إذا كان هذا المشروع   المترسّخ  و المنتشرقد تعطّل لعوامل عدّة لعلّ منها عنجهية أصحابه             و تعجّلهم و تهافتهم و سوء تقديرهم لمدى قدرة المجتمع  و بعض من أجهزة الدّولة على التصدّي لهم (و هو ما تزامن مع تقهقر قوى نخرتها نفس العوامل ففقدت سريعا           كثيرا من مقدرتها على التدافع و على الهجوم المكشوف) أفلا يعني ذلك أنّه ما يزال قائما يتحيّن الفرصة و يعيد بناء مكوّناته و يستزيد العدّة و المدد؟ أو على الأقلّ ضعف         لكن ليس إلى حدّ أنّه فقد خطورته و زالت أخطاره ؟
    – و إن تكشّف تناول الأسئلة الأولى عن إيجاب أفلا يعني  ذلك أنّ وجود تداخل أو تماه أو مؤازرة أو تواطؤ أو تغافل أو غفلة ما يزال قائما و إن كالرّماد و أنّ تبدّلا ما في        الأحوال قد يكفي للنفخ في لهيبه؟
2- ص 4 .”إنّ الدّور المتعاظم للإرهاب التّونسيّ إقليميا و دوليا  لا يجب فهمه على أنّه مسألة خارجية تهمّ دولا إقليمية بعينها و بؤر توتّر بعيدة ، بل لا بدّ من استيعاب الدّرس الجزائريّ واعتبار أنّها مسألة وطنية داخلية، إذ أنّ ساحات القتال الإقليمية و الدّولية ستغلق بانتهاء الحاجة إليها و حينها سنكون في مواجهة إشكالات العودة و مخاطرها.”
     – هل نحن واعون حقيقة أنّنا في مواجهة ظاهرة ذات أبعاد وطنية و إقليمية و دولية ؟ و هل نعرف الجهات و الأطراف الّتي تنتفع من الظّاهرة و تلك الّتي أنشأتها؟ و غايات مختلف          باعثي الظّاهرة و المتمعّشين منها و المتستّرين عليها و أين تكمن اختلافاتهم و نقاط تقاطع مصالحهم؟
     – إذا كان المشروع الإرهابيّ بهذه الأبعاد كلّها فهل يصحّ أن نقصر اهتمامنا على العائدين من التّونسيين و نغفل عن أنّهم كما ذهبوا هم لنصرة أمثالهم لا بدّ و أنّ بعضا من غير                التونسيين سيصحبونهم نصرة أو فرارا؟ كما لابدّ أنّ حاضنتهم الّتي منها انطلقوا سترعاهم مجدّدا  بشكل أو بآخر لمّا يعودون ؟ خصوصا و أن لا أحد في وسعه أن يزعم أنّ ظاهرة         العودة قد بطلت معها ظاهرة الارتحال … كما لا شيء معلوما يظهر أنّ الجهات الّتي استفادت أو حاولت الاستفادة من المشروع الإرهابيّ لن تعيد الكرّة خصوصا أنّ التقاطعات             و الشّبكات و الاندساس و ما إلى ذلك كلّها من أوجه المسألة الّتي ظلّت هلامية … أمّا المراجعات فلا شيء يثبتها…
     – هل يصحّ ان نتناول موضوع المشروع الإرهابيّ و نحن لم نتّفق حتّى على مجرّد تعريف الإهاب و لم نتعمّق في أسبابه و لم نكتشف خباياه و لم نستشرف تطوّراته و تفرّعاته على        المستويات الثّلاثة الوطنيّ و الإقليميّ و الدّوليّ؟  
     – ألن تعوّض البؤر الآيلة إلى الاندثار ( و هذا أمر لم يثبت بعد) بؤر غيرها؟ ثمّ هل من النّاجع أن نعتقد أنّ الأوضاع في بلدان مثل ليبيا سرعان ما ستستقرّعلى ما نشتهيه؟
     – هل نعرف حقّا من يقف معنا و من يراوغنا و من يتحيّل علينا في مواجهة المشروع الإرهابيّ؟ ثم ّألا يصحّ الاعتقاد أنّ هذا المشروع هو كالقطار الّذي يخفي قطارا  أو قطارات             غيره؟
     – هل يمكن أن نحسب أنذنا سنكون قطعنا دابر المشروع بمجرّد استقبالنا للعائدين أيّا كانت أعدادهم و انتصارنا على جماعات الدّاخل؟ أم أنّ المشروع ما يزال و سيظلّ قابلا لأن
      يحرّك و يسترسل و إن بأشكال أخرى؟
ص13و14- 3. ” الملفّات القضائية المتعلّقة بالإرهاب تجاوزت خلال سنة 2016 الآلاف ، بعدد صفحات و مؤيّدات و وثائق تعدّى مئات الآلاف،و بمعطيات مهمّة و أساسية لفهم الظّاهرة الإرهابية في تونس تجاوزت الملايين، دون أن يتمّ استغلالها باعتبارها غير مفتوحة للباحثين من جهة و لصعوبة مسار الوصول إليها في مصادرها و تعقّد إجراءات ذلك من جهة ثانية.”
– يميل المتابع للنّقاشات و الحوارات و التّجاذبات الدّائرة بل و لتصريحات أجهزة الدّولة ذات الاختصاص إلى الاعتقاد إلى أن لا أحد (من خارج الفاعلين فيها على الأقلّ) يعرف ماهية الظّاهرة الإرهابية أو عناصر و مناهج المشروع الإرهابيّ أو شبكات التّخطيط و التّجنيد ومراحل وتقنيات التّنفيذ أو العلاقات الرّابطة بين الأبعاد الثّلاثة أو حقيقة انتشارأنصار المشروع في العلن ثمّ انسحابهم إلى شيء كالسّرّية أو إلى ما بعد الحدود. و لا أحد يعرف أعدادهم و مواقع تمركزهم و عناصر الاتّصال و الإسناد الّتي يتعاملون معها.و يظهر التّأكيد طالعه أنّ التعرّف ممكن و موادّ الفهم متوفّرة. و بما أنّ مواجهة المشروع الإرهابيّ وضعت البلاد في حالة حرب هل ما زال من الوارد التّعلّل بتعقّد الإجراءات أو بسرّية و تحفّظ ما لتبريرعدم استغلال الكنز المتوفّر من الوثائق؟ و ألا يمكن أن تفرز الوثائق و ترتّب بما يؤمّن استغلالها و سرّيتها في نفس الآن ومعا؟ بل و ألا يمكن حتّى تجنيد باحثين و دارسين و إكسابهم صفة المحلّفين ليعملوا على الظّاهرة بما يفتح المجال لتفكيكها بمعنيي التّفكيك؟
ص18و ص 19 – 4. “…عوامل التّأثير و الاستقطاب و إن كانت تحظى بأهمّية قصوى في مسار تكوين الشّخصيّة الإرهابية إلاّ أنّ اللحظة الفارقة في نشأة هذه الشّخصية و تشكّلها لا تبدأ إلاّ من لحظة إعلان الولاء للتنظيمات الإرهابية من خلال مؤشّرات خارجية تشكّل أعمالا مادّية مجرّمة و مدانة .”
“… و من بين أهمّ المؤشّرات الخارجية الّتي تمّت ملاحظتها إعلان الأفراد و المجموعات و التّنظيمات البيعة لأمير أو تنظيم إرهابيّ داخل تونس أو خارجها و قبول الشّخص باختيارأو إسناد كنية أو أكثر له يتمّ بواسطتها إخفاء هويّته الأصلية…”
– ألم تظهر الأحداث و الوقائع أنّ المؤشّرات الخارجية قد يتمّ التخلّي عن إشهارها بل وتعمّد التّمويه عليها في أوقات الجزر أو عند تنفيذ عمل ؟ 
– ثمّ ألا تتطلّب مقاومة الإرهاب فهم مرحلة ما قبل الانتماء المعلن أو النّهائيّ و حتّى التدخّل فور بروز ما ينمّ عن عمل استقطاب أو دمغجة أوعمل استمالة أيّا كانت وسيلتها بما من شأنه أن يحمي أو ينقذ المفعول به و يفضح الفاعل؟
– صحيح و من الأهمّية بمكان أن يتمّ الحرص على عدم تجريم النّاس أو إدانتهم لمجرّد انتماء فكريّ. لكن أليس من اللاّزم الانتباه إلى وجود أرهاط من الفاعلين في الإرهاب لا تنطبق عليهم مقتضيات التقيّد بالمؤشّرات الخارجية للانتماء؟ و إلى أنّ بعض الأوضاع قد تدفع بالقيادات إلى الدّفع بمبتدئين أو ببعض من حديثي العهد بالاستقطاب و غير المنتمين شكليا إلى ميادين الفعل العنيف وذلك إمّا بتسريع إجراءات الانتماء أو حتّى بالتّغاضي عنها؟
ص 130- 6 . ” كثيرا ما اعتمد الباحث الابتدائيّ أو المناب حرسا كان أو شرطة المعطيات المتعلّقة بالتّأثير و الاستقطاب مثل الكتب و الشّبكات الاجتماعية و الأنترنت و غيرها لتوجيه الاتّهامات . و قد سانده لاحقا في حالات متعدّدة حكّام التّحقيق و دوائر الاتّهام و حتّى حكّام الأصل .”
– أليس من غير المجدي و من المحظور الاعتماد في اتّهام النّاس أو إدانتهم على قرائن لا ترتقي إلى مستوى الأدلّة ؟
– و أليس من غير المقبول أن تستسهل أعمال البحث و التّحقيق و الإدانة و تقارب العسف في حين أنّه من اليسير بمكان التأكّد من الإدانة باعتماد إمعان النّظر في الوثائق المتراكمة و بإيلاء أهمّية كافية لمؤشّرات الانتماء الظّاهرة أو الّتي ظهرت في فترة ما؟..
هذه بعض أسئلة و تساؤلات و ملاحظات أثارتها لديّ قراءة كتاب “الإرهاب في تونس من خلال الملفّات القضائية” أطرحها علّها تسهم في توسيع الحوار الجاري و تعميقه و دفعه…
يبقى أنّني أرغب في الإشارة إلى أنّه من واجبنا أن نمضي في معالجة الظّاهرة و التعمّق في مسبّباتها وخلفياتها إلى فهم مقوّمات الإغراء الّذي اكتسبه الإرهاب و عوامل الهشاشة الاجتماعية و النفسية و الفكرية الّتي مكّنته من استباحة وطننا و مواطنينا… أفليس عالمنا بل حياتنا قد غدت -بالنّسبة للشّباب خاصّة – بلا حلمو لا أمل و دون أفق و لو قصيّ؟




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire