13 juil. 2010



خواطر من وحي كتاب :   Awladna. Nos ados. Que dire ? Que faire

                                    (سراس للنشر 2009)
 
 
 

اِنتظرتُ صدور هذا الكتاب بلهفة كبيرة.

لأنّني اِنتظرت منه إنارة لعتمة جامعة وهديا  إلى سواء السّبيل !

وها أنّني أقرأه بشغف وتأنّ، وأتمعّن في الأمثلة التي يصفها، وأحاول أن أفهم، أو بالأحرى أتفهّم، بعضا من وصاياهُ.

فأنا من جيل مخضرم. طفولتي ومراهقتي سارت بهما الأيام في وضع لم يكن كوضعنا الآن...

وخلال شبابي نهلت من التوجّهات التربوية التحرّرية، وتناغمت مع تجارب ما بعد ماي 1968، وقرأت أكثر من مرّة بشغف : "Libres enfants de Summerhill".

وأبًا، سعيت إلى أن أكون  لولديّ رفيقا وصديقا : أصاحبهما، وأمازحهما، وأعمل على أن أفهمهما، ولا أخفيهما أمرا، وأرى فيهما أقرانا ومساوين لي.

وأرجع الآن إلى طفولتي ومراهقتي : فأجد أبا كان بي رفيقا ولي صديقا وصاحب قلب كالدّنيا رغم فارق السنّ بينَه وبيني ورغم تكرّر الغياب وطوله. وأجد أمّا  ولدتني وهي لم تبلغ بعد العشرين، وربّتني بحرص وصرامة وكثير من الحنوّ والحبّ، وفَهََِمَتْ وأنا أتجاوز العاشرة أنّه أصبح عليها أن تصادقني وعاملتني معاملة رجل  وبكثير من الحنوّ واللّين... وأنا الآن لا أعتقد أو أحسّ أن مراهقتي عرفت إرهاصات عسيرة أو مررت خلالها بصعوبات مهمّة.

وأراجع نفسي أبا فأجدني  قد عرفت، ومازلت أعرف، صعوبات شتّى مع ولديّ : أحيانا لا أفهمهما وأشعر بأنّهما لا يفهمانني... وحدث أن فقدت معهما صوابي... بل وبلغت حدّ البدء في التّعنيف... كثيرا ما أحسّهما أقرب إلى نفسي من نفسي، وقد أنزف داخلي لأنّني أحسّ أحدهما بعيدا بُعدَ كوكب الزّهرة... وأحيانا كثيرة يصيبني الإحباط وأشعر أنّني فاشل، وأشكّ في قناعاتي... وأرجع إلى أصدقائي  فأجدهم أضرابي... ونناقش الوضع معا فنجد أنّنا "جيل فاشل"، أو أنّنا "ضحايا تناقض مع مجتمعنا وتباين مع قيمه وممارساته"، أو "أنّنا لم نفلح لا على مستوى المجتمع ككلّ ولا على مستوى نواته الأولى"، وما إلى ذلك ... ونهدّأ من روعنا بأن نجد في أطفالنا "مثقّفين خيرا من غيرهم" و"ناجحين أكثر من غيرهم" و"سائرين على درب التمرّد مثلنا" و"متعلّقين بنا في أعماقهم"، إلى غير ذلك...

وأمضي في قراءة الكتاب فأجد وجعا من وجعي، وإحباطا من إحباطي، وعناية من عنايتي، وتطلّعا إلى الفهم والفعل كتطلّعي. ولكن... أجد أيضا مناداة إلى رفق ومرافقة هي من شيمي، وتفسيرا، بل تبريرا، لتصرّفات خبرت مثيلاتها  وابتدعت لها التفاسير والتبريرات...

ولكنّي أجد أيضا نصحا بالحزم وبالصّرامة وبأن يقرن الرّفق أحيانا بالتشدّد وبأن يجمع بين المرافقة وبين ضبط الأدوار والفصل بين المواقع...

ولا أفهم... لا أتفهّم... لا أقتنع !

بل أجدُ حتّى تبريرا لشيء من القسوة مع المراهقين، إن لم يكن لتعنيفهم... بل ويبدو لي أنّ التبرير يصل أحيانا حدّ النصيحة !

وأجدني أسعى إلى الاقتناع... ففي الاقتناع لو حصل ما يخلّصني من جلد الذّات ومن النّدم على تصرّفات اِستثنائية صدرت عنّي.

ولا أقتنع !

وأواصل المضيّ في القراءة فأجد الدكتورين المختصّين يعلّمانني أنّ المراهقة واحدة، وإرهاصاتها واحدة، ومتاعبها واحدة، وتعبيراتها واحدة سواء تعلّق الأمر بمراهقين في بلدي (الآن وهنا) أو في فرنسا...

وأُعْجَبُ ثمَّ أَعْجَبُ لأنّ في ذلك ما يؤكّد أنّ الإنسان واحد، غرائزه وطباعه واحدة، ومشاكله وتطلّعاته واحدة. وأَعْجَبُ لأنّني أجد في اختلاف الظرف والوضع بين أيّام مراهقتي وبين أيّام مراهقة طفليّ ما يفسّر لي بعضا من الاختلاف بين ردود أفعالي وتصرّفاتي حينها وبين ردود أفعالهم وتصرّفاتهم الآن، فكيف لي أن أفهم أن لا فرق بين مراهق تونسيّ ومراهق فرنسي في وضعنا هذا، رغم فروقاته، وبقطع النّظر عمّا يسود من مناخات فكرية وثقافية واجتماعية ومادية لا شكّ أنّها لا تتماثل هنالك وهنا ؟

أَعْجَبَ لأنّني لا أرى التحليل النفسيّ يستند إلى المعطيات الاجتماعية-الاقتصادية ولا إلى الخصوصيات الثقافية وواقع عنف التحوّلات التي  تعرفها المجتمعات كلّها ولكن بتمايز.

وأقرأ ثمّ أقرأ وأجدُني أسأل : إذا ما نحن فسّرنا ما تفعله المراهقة ووجدنا تبريرات لجميعه ألا نكون بذلك نحمّل  أهل المراهقين المسؤولية جميعها، والحمل كلّه، ونكبّلهم بما يزيد في عبئهم وفي حيرتهم وفي عجزهم ؟

لكن... لعلّني لم أفهم. أو لعلّني لم أقرأ في الكتاب بل في نفسي !

وعلى أيّ حال أنا، وإن كان الكتاب قد زادني حيرة على حيرة ونمّى تساؤلاتي، أرى فيه مدخلا مناسبا إلى عالم يحتاج إلى عديد المداخل، وأرى في صدوره استجابة لحاجة عمّت واستعصت.

وهو ، وإن لم يشف غليلي، قد ساعدني ولا شكّ.

ولعلّ في ما ختمت به الحكمة التي سعى مؤلّفاه وناشره إليها بوضعه.
 

                                                            الصادق بن مهنــي

                                                            25 مارس 2009

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire