4 janv. 2013

بلد المتوّثبين الى الابهى مقال صادر في ضد السلطة بتاريخ 5 جانفي 2013


كنّا في الصّالة بين الكتب والجرائد والحواسيب والتّلفاز- كلّ منهمك فيما يقرأ وجزء من سمعه يتابع الحوار – العراك...
قالت :"مرّة أخرى يتأكّد أنّ الجواسيس والبوليس السّياسي  و" الصّبّابة " كانوا في كلّ مكان ... ألا ترون كم عرّضنا أنفسنا للأخطار وكم غفلنا ،أحيانا كثيرة ،عن أن نحمي بعضنا بعضا ؟ "
وهي تنضمّ إلينا، على حين غفلة ،علّقت لينا:" بل أعتقد أنّه كان في وسعنا، بل في وسع التّوانسة جميعا ،أن يفعلوا أكثر ممّا فعلوه ،وأن يبدؤوا المقاومة باكرا ، وأن لا يخشوا "الصّبّابة " والمخبرين والقمع بتاتا ... لقد ثبت أنّ كلّ هذه الأجهزة والشّبكات سرعان ما يجرفها التّاريخ بشرط انهيار حاجز الخوف أو تدجين النّاس لخشيتهم وهلعهم ..."
في العدد السّابق من " ضدّ السّلطة " كتبت أنّني  "أرى تونس تُونسيْن  : واحدة تبلع والأخرى تبتلع ."...أنا أعتقد أنّ الأحداث الجارية لا تفعل سوى أن تؤكّد ذلك كلّ يوم بل كلّ ساعة ...كما يخيّل لي أنّ أناسا كثيرين انتبهوا أو استفاقوا أو هم بدؤوا ينتبهون ويستفيقون ...
فلنقل الآن إنّ تونس انشطرت تُونسَيْن : واحدة تَبْلَعُ وتَبْتَلِع، والأخرى تُبْلَعُ وتُبْتَلَعُ،
الأولى تستثري وتستكرش وتنشر حبائلها وشباكها وشبكاتها ، وتستقوي بكلّ ما أوتيت من مناورات ودسائس وتحالفات (حتّى مع الشّيطان بل مع الشّياطين جميعا وأتباع الشّياطين كلّهم )...وهي تكشف كلّ يوم أكثر صلفها وعنجهيّتها واستهتارها...لكنّها تحقّق كلّ يوم تقدّماعلى درب بسط نفوذها المطلق وسلطتها الاستبدادية وتحكّمها الجائر في مصائر الأجيال القادمة وفي رقاب النّاس جميعا .. وهي تفرض في "التّأسيسي" الذي لم تعد له صلة بالتّأسيس الحقّ ، قرارات نهب المال العامّ تعويضات وأجورا خيالية ... وهي تمسك كلّ يوم أكثر بالسّلط جميعها فتحتكرها وتجمّعها وتسخّرها تسخيرا ...وهي تغالط كما شاءت ، وتضرب كما شاءت ،وتدّعي كما شاءت ، وتتعامل كما شاءت ومع من شاءت ...وتطوّع القوانين والشّريعة والأخلاق كما شاءت...
أمّا الثّانية فهي تعاني كلّ يوم أكثر ...وهي تتشظّى وتتباين وتختلف وتتوه وتنساق كلّ يوم أكثر ...هؤلاء تشغلهم الأسعار وتضاؤل الدّخل وشحّ الموادّ (وأغلب الشّحّ مفتعل) ويلهثون وراء شغل أوّل أو ثان أو وراء"تدبير الرّأس"ببيع أو شراء أو حيلة ...وأولئك يتصدّون بإضراب أو اعتصام أو جوع أو مناداة لكنّ مطامحهم تظلّ جزئيّة ومباشرة كما أنّهم يظلّون بعيدا عن إدراك السّائر والصّائر والمتحوّل ...والنّخب السّياسية ما تزال مصدومة من أنّ ما حدث في البلاد حدث  خارج إرادتها وخارج رؤيتها تلهث وراء المسك بخيوط سبقها إلى المسك بها هؤلاء القادمون من فنادق الخليج وإقامات أوروبا حيث استراحوا واستأثروا وتدرّبوا وتحنّكوا ومن معهم من شركاء كانوا مرتاحين في الظّلّ يقبضون الإعانات والهبات وينتظرون ساعتهم ...النّخب السّياسية ما تزال تغازل متنفّذين انزاح الزّمن عنهم وانخلع رأس سلطتهم ومتنفّذين جددا كم خدعهم كلامهم المعسول عن اعتدال تسلّل إليهم ...وقلّة أغلبهم في الجمعيّات واللّجان وينشطون أساسا خارج الأحزاب يجهدون النّفس ليبقوا وليستديموا تونس السّمحة التي صنعوها أيّام ديسمبر 2010 وجانفي وفيفري ومارس وأفريل 2011 ويقاومون ...غير أنّهم لم يعودوا يحلمون بالقمر والضّياء وقوس قزح بل يكتفون بالقليل :أن يبقوا وأن لايضطهدوا وأن لا يهوي بلدهم إلى العتمة ...
فتونس الثّانية إذن تونسان هي أيضا ، بل ثلاث :
- تونس العامّة –الجمهور- المحرومون –الكادّون – الجهات الدّاخلية – طوق المدن – وهؤلاء يلهثون وراء العيش –اكتووا بنار الخيبة –أفرحتهم الهبّة وسرّهم انخلاع رأس السّلطة لكنّهم لم يعودوا يرون آمالهم في طريقها إلى أن تتحقّق ...هؤلاء سيصطفّون أو ينسحبون-  سيهادنون ويشترون أو يخافون – وسيخبو البريق في عيونهم وينعقد العقال مجدّدا حول ألسنتهم ، وبعضهم سينتظرون فرصة أخرى أو وجعا لا يطاق وضيقا يكتم المعدة والأنفاس لينفجروا – لينفجروا كما اتّفق ...
- وتونس الأحزاب والهيئات وأصحاب الاختصاص وذوو المهن الذين ما انفكّوا يناورون ويداورون همّهم الأوّل الاستقرار –استقرار حالهم ، والذين يرفضون أن يروا الواقع والإبداع ...وغالبية منهم ينصبّ همّهم الأوّل على افتعال العلل لتبرير صمتهم ومهادنتهم في الزّمن الماضي لكنّهم لا ينتبهون إلى أنّهم يصمتون ويهادنون ويختلقون لأنفسهم الأعذار في الزّمن الرّديء هذا أيضا .
َ
-وتونس الشّابات والشّبّان الذين أخذتهم النّخوة لأنّهم أبدعوا انتصارا ...ثم كاد يغلبهم الانكسار لأنّ انتصارهم سرعان ما اختلس منهم ...لكنّهم عازمون لم يفلّ فيهم التّخويف ولا التّرهيب ولا ما اعتراهم أحيانا من خيبات وهؤلاء هم الذين سيواجهون البلع والابتلاع ، وسيجرّون تونس معهم تونس وتونس وتونس فيدحرون معا الاستبداد والاستغباء ...وهم لن يكتفوا هذه المرّة بانخلاع رأس النّظام بل لن يهدؤوا إلّا بعد أن يسقط النّظام كلّه ...هؤلاء هم النّاهضون –المتوثُبون دوما إلى الأبهى ...
 
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire