الصادق بن مهني شخصية ربما يجهلها البعض ممن لم تتسن لهم الفرصة للقائه او سماع اخباره لكنه في اوساط بني جيله خاصة من رفاق درب النضال غني عن التعريف وبات معروفا اكثر لدى شباب « المدونين» ما بعد 14 جانفي حين انكسر جدار الصمت وتعالت اصوات الكهول والشباب ذكورا واناثا تنادي بالخلاص من اوجاع الماضي وتهتف املا في الحرية ولعل ذلك كان اجمل هدية تقدمها الثورة للشعب هدية التلاقي والالتحام يدا بيد شيبا وشبابا بعد سنين من الفرقة والشتات نزفت خلالها البلاد الغالي والنفيس.
هو اذن حقوقي من مناضلي اليسار التونسي «آفاق» ثم «العامل التونسي» عرف العمل السياسي السري ما بين سنة 1973 و1974 ثم حوكم سنتي 1974 و1975 ليقضي قرابة ست سنوات في سجون بورقيبة .
الصادق بن مهني هو ايضا من مؤسسي فرع تونس لمنظمة العفو الدولية ومن المولعين بالعمل الجمعياتي «جمعية صيانة جربة» و«جمعية جربة الذاكرة» وليس اجمل من الوفاء لمسقط الرأس.
استقال مؤخرا من اللجنة الوطنية للتقصي في قضايا الفساد والرشوة وهو ما سنعرف تفاصيله في الحوار التالي:
كيف انضممت إلى اللجنة الوطنية للتقصي مسائل الفساد والرشوة ؟
بعد 14 جانفي قررت ان اكون مع ابناء شعبي في الشارع وفي جميع الاعتصامات والمظاهرات اعبر عن افكاري ومواقفي بواسطة مدونتي وعبر الفايس بوك وعبر الكتابات الصحفية .
لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة الي فانضممت الى اعضاء الشبكة الوطنية لمقاومة الرشوة والفساد. وهي منظمة غير حكومية تأسست في 22 فيفري 2011.
دوافعي في ذلك الإنضمام كثيرة، اولها قناعتي بان الفساد هو سبب البلية لا سيما في وضع لا يوجد فيه فصل بين السلطات ووجود هيمنة الفرد الواحد والحزب الواحد على القرار وافساد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بالرشوة والمحسوبية.
لذلك اقررنا في الشبكة منهجا وخطة عمل تطوعية تنبني على التحسيس بأهمية الفساد في تعطيل عملية التنمية العامة وكسر جميع تعابير الانشطة السياسية والإجتماعية والاقتصادية .
دافعي الثاني في ذلك هو الايمان الكبير والمشترك بين جميع اعضاء الشبكة لفهم ومعرفة كيف تسرب الفاسد وكيف تحول من استثناء الى قاعدة وساد جميع ميادين الأنشطة وجميع الجهات وتسلل إلى جميع أوجه الحياة اليومية لأنه دون تفكيك الظاهرة لا يمكن أن نصف علاجا لها أو نبني منظومة للمقاومة.
ثالثا أردنا مساعدة المتظلمين على تكوين ملفاتهم وتوجيههم وحتى مساعدتهم عدليا وقضائيا.
رابعا سنعمل على اعداد دورات تكوينية لفائدة القضاة والشرطة العدلية وهيئات الرقابة والصحافيين فيما يهم تقنيات التقصي والتحقيق والمتابعة التي تحترم القانون وتسمح ببلوغ الأهداف.
سنعمل أيضا على المساهمة في انجاز وإرساء منظومة شفافة بتعميم مبدإ حرية النفاذ إلى مصدر المعلومةونشر الموازنات ومصادر التمويل وكيفية الانفاق وفي هذا الصدد وباعتبار أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية أقررنا أن نسهم في تعميم الشفافية على الانتخابات في ما يهم مصادر تمويل الاحزاب والقائمات المستقلة لحملاتها ولمقاومة شراء الأصوات ولنا في هذا خطة تقوم على تكليف ملاحظين يقع تكوينهم مسبقا في كيفية مراقبة شراء الأصوات.
في الأثناء تكوّنت لجنة وطنية في اطار مرحلة انتقالية للتقصي في حالات الرشوة والفساد ابتداء من تاريخ نوفمبر 1987 فقررت الانضمام إليها بصفتي عضوا في الشبكة آنفة الذكر لانني أعتقد أن منظومة الفساد شديدة التعقيد لذلك وجب المشاركة فيها بشكل موسع لا أن تقتصر على المحامين والصحافيين وباقي عناصر المجتمع المدني.
ورغم تحفظنا على هيكلتها وتفرد رئيسها (عبد الفتاح عمر) بالسلطة وخاصة في ما يتعلق باختيار مساعديه وعدم وضوح استراتيجية عملها قلنا لا بأس من الانضمام والإسهام في تطويرها.
لكنّ ما اكتشفته هو أنّ الجمعيات المناضلة في مجال الشفافية ومقاومة الفساد عددها ثلاثة والباقي يمثلون جمعيات مهنية.
هل يعني أن ذلك هو سبب انسحابكم من اللجنة؟
ـ في الحقيقة الأسباب كثيرة، لمّا اجتمعنا اجتماعنا الأول طرحت مع عدد من الأعضاء مسائل متعلقة بضبط استراتيجية عمل اللجنة وأولوياتها ومناهجها وكيفية سير عملها الداخلي والعلاقة بين الهيئتين العامة والفنية فاكتشفنا أنّ الهيئة العامة ليس لها حقّ الاطلاع على الملفات وأن دورها مقتصر على اعداد ملتقيات تكوينية وخطط وتصورات للمستقبل. وكان ذلك التساؤل الأول الذي طرح أمامنا...
الإشكال الثاني طرح في مستوى الخطة الاتصالية، فالفساد في نظرنا لا يهم بن علي وليلاه فقط، إنّما هو منظومة متجذّرة في جميع الإدارات والجهات وبالتالي لا يمكن مقاومتها بمجرّد استعراض ملفات بن علي انما بعرضها على الشعب بكل تفاصيلها حتى يعرف جميع الحقائق المرّة الى جانب ذلك لم تكن مقترحاتنا تطبّق إنّما توضع على الرفّ بعد الترحاب بها.
ومع أنني أدركت أنّه لا يمكنني أن أواصل العمل معهم الا أنني واصلت ذلك رغبة في الإقناع والتجاوز ففوجئت بصاعقة أشدّ تتمثل في مشروع مرسوم حول تطوير عمل اللجنة يهمّ حماية الشهود والمبلغين وكذلك يهمّ مبدأ مراجعة القضايا التي حكم فيها بشكل فاسد حتى وإن أدركها التقادم وهذه مسائل أدعمها لكن المرسوم ينصّ على امكانية إعفاء من العقاب من يتقدم الى اللجنة عن طواعية ومن تلقاء نفسه للإبلاغ عن مساهمته في عملية الفساد مهما كان الدور الذي لعبه فيه.
في حين أن الممارسات الدولية كلّها تقتضي رفض تمكين الفاسدين من الهروب من العقاب ومن أيّة حصانة طالما لم يساءلوا ويحاسبوا وهوما يعرف لدى العام والخاص بمبدإ المساءلة فالمحاسبة فالمصالحة. فأعلنت إنسحابي خاصة وأنّ مشروع المرسوم يتناقض مع المعايير الدولية المعمول بها في التقصّي ويتناقض مع مطامح الشعب التونسي في الاطلاع على مدى إنجاز عملية التقصي وكشف عملية النهب لمقدّرات البلاد ويمكّن عمليا (المرسوم) من عدم محاسبة الفاسدين.
أليس في هذا الانسحاب «تناقضا» مع دوافعك وثوابتك في فكّ خيوط أخطبوط الفساد؟
ـ دعيني أؤكد بأنّ انسحابي في جانب كبير منه هو دعم للجنة من حيث تحريك النقاش داخلها وللدفع في اتجاه وتطوير عملها، لكنّ يبدو لي أن اللجنة ترفض أيّ نقاش وتصرّ على الانفلات وعلى مشروع مرسومها الذي أعلنت على الملإ أنني سأقاومه بكل اصرار.
نعود الى الوراء قليلا، ماذا تعني أحداث 14 جانفي للصادق بن مهنّي؟
ـ في ذلك اليوم كنت على بعد بضع أمتار من وزارة الداخلية تحديدا من مكان تعذيبي، كنت كلما مررت من ذلك المكان أنظر باتجاهه إمعانا في تذكّر أيام التعذيب التي عشتها هناك. لكن يوم التحمت الجماهير وعلت الأصوات تنادي بالحرية لم أعد أنتبه لا للمكان ولا للذكريات.
في ذلك اليوم أيضا اكتشفت تونس جديدة لم أكن أعرفها كفاية ألا وهي تونس الشباب والشابات الجريئين والجريئات المهووسين بالحرية والعازمين عزما صريحا على الانتصار. إحساس كان فيه جانبان فرحة بأنّ الجمهور كان هناك بمختلف الأجيال والأطياف والفئات الاجتماعية باعداد كبيرة منهم من كانوا من رفاقي ورفيقاتي من الذين ناضلت معهم في سنوات السبعينات وكان برفقتهم أبناؤهم في سنّ الشباب. شعوري الثاني كان من نوع وهو شعور «بالعار» باعتبار أنّ أجيالنا من سنّ 45 فما فوق لم نقاوم كفاية وحتى عندما قاومنا فشلنا ولم نبتدع أشكالا جديدة ناجعة للمقاومة وبالتالي ساهمنا في أن تصل تونس الى درجة من تعطّل التنمية ومن الخواء الفكري والسياسي والاجتماعي وأصبحنا بذلك مجرّد رعايا في دولة سلطانها سارق مارق.
فنحن كجيل لم نؤد دورنا كما يجب تجاه بلادنا وتركنا لأولادنا وبناتنا ولأجيال المستقبل تركة صعبة وعسيرة وحتى من صمد منّا بأن لم ينخرط في منظومة الفساد بأنواعه فإنّه في اعتقادي لم يبذل جهدا كافيا.
هذا اعتراف بأنّ الشباب فاق جيلكم في النضال وحقق ما لم يحققه آباؤهم؟
ـ أنا أفتخر بأنّ شبابنا الذي اعتقدنا أنّ ليس له اهتمام بالشأن العام ولا بالسياسة هو في الحقيقة قادر على الصمود والتصدي وعلى الانتصار بطرق جديدة وبأشكال لم نتوصل لها نحن من قبل، لقد تجاوز التنظيمات الهرمية الى تنظيمات جديدة خطية للفرد فيها حريته واستقلاليته وشخصيته الخاصة به مع ارتباط ذلك بالتزامه مع المجموعات وهنا أقصد المدونين وشباب الانترنات الذين اعتبر نفسي قريبا منهم جدّا فهؤلاء الشباب عند انطلاقتهم لم أكن أفهم الكثير مما يعملون لكن مقابل ذلك صدمتني التلقائية لدى الكثير منهم وخاصة كتاباتهم في كل شأن لاسيما في الشأن العام خصوصا مع انطلاق حملاتهم لفائدة الطلبة الممنوعين من مواصلة الدراسة وصدّهم للرقابة وقتها فقط بدأت أهتم بهم ورأيت في ما يعملونه شكلا من أشكال المقاومة.
لقد صدمني إصرار العديد منهم على الإمضاء بكامل أسمائهم وعلى ذكر تفاصيل أنشطتهم وفي ذلك مخاطرة أمنية كبيرة خاصة وأنا مناضل ربيّت على السرية والعمل السري فعندما تصدّوا بنجاح لعملية الرقابة على الانترنات بدأت أحس أنهم قد يمثلون حلا.
بعد سنين قضيتها في سجون بورقيبة هل واصلت النضال أم اكتفيت بالصمت?
النضال العميق في تقديري الشخصي هو الذي يمس الوعي الجمعي والثقافة لذلك حاولت أن أناضل في مستوى الثقافة والفكر من خلال كتاباتي الصحفية في جريدة «الجزيرة» الجهوية التي تصدر في جربة شهريا وذلك منذ أكثر من 25 سنة عبرت فيها عن مواقفي في حماية البيئة والتراث والاقتصاد الوطني كما عملت في ميدان النشر ومكنت أصواتا جديدة وبجهد تطوعي من إنتاج أبحاثها ورواياتها.
لقد كان حلمي كبيرا في أن أصبح صحفيا لذلك عملت على مساعدة عديد الأقلام للبروز ورغم أنني خريج كلية الآداب اختصاص لغة عربية الا أنني منعت من التدريس فلم يكن ذلك الا حافزا على مزيد الإصرار على تحصيل مزيد من العلوم، فأنا خريج جامعة لا مثيل لها هي جامعة السجون وخصوصا برج الرومي التي تعلمت فيها الانسانيات بجميع أنواعها.
نعم لقد مكنتني المدرسة السياسية والمدرسة السجنية من بناء معارفي حتى لما التحقت للعمل بجمعية غير حكومية كباحث اقتصادي واجتماعي انفتح أمامي المجال لأدرس الفقر في الأرياف التونسية ثم جاءت فترة انفتاح سياسي فالتحقت بالعمل في وكالة التهذيب والتجديد العمراني كباحث في الأول ثم بكفاءتي دخلت مجال البحوث الميدانية حول وضع السكن في المدن والأحياء الفقيرة. تعلمت أيضا مهنا أخرى متعلقة بالتخطيط والبرامج والتعاون الدولي والشؤون العقارية والنزاعات ثم التحقت بمؤسسات أخرى أقول ذلك لأؤكد بأن ما ندرسه في المدرسة شيء وما نتعلمه في مدرسة الحياة شيء آخر.
كيف قاومت ما كنت تراه من فساد... في زخم هذه المسؤوليات?
أعتبر نفسي صمدت كثيرا في عملي لأنني كنت في مواقع فيها أطماع كبيرة وكنت عرضة فيها لكثير من الإغراءات والضغوطات لكن أعتقد أنني قاومتها بشدة ولم أتنازل ولو مرة واحدة في كل ما هو فساد إداري أو عقاري أو مالي. قبل 14 جانفي كنت أنظر إلى ذلك على أنه شيء كبير لكن بعد ذلك التاريخ أصبحت أنظر إلى ما فعلته على أنه الحد الأدنى وأني كنت مقصّرا جدا.
وهنا أطلعك على أمنية طالما حلمت بتحقيقها ورغبة جامحة كانت تأخذني من حين إلى آخر وتحديدا منذ فترة التسعينات وهي أن أكتب كتابا ثم أحرق نفسي في شارع الحبيب بورقيبة كحركة سخط واعتراض واحتجاج.
في ظل هذه التعددية الحزبية هل تعتقد أن التونسي سيحدد خياره الصائب...?
الأحزاب لا تهمني كثيرا لأنّ السياسة عندما تتولاّها الأحزاب تحكمها الحسابات والذاتية وتبعد عنها المصلحة العامة والمصلحة التفصيلية، فظاهرة تعدّد الاحزاب هي ظاهرة عرفتها كلّ البلدان التي عاشت تحولات من نظام مستبد إلى نظام يسعى إلى أن يكون ديمقراطيا وهي في حقيقة الأمر ظاهرة طبيعية في مجتمع كانت فيه المعارضة متشرذمة ومقموعة وسرية، لذلك أعتقد أن كثيرا من الأحزاب ستسقط وتنحل من تلقاء نفسها وأخرى سيجتمع شملها. بالنسبة إلى الانتخابات يجب أن نفكر حسب منطق القائمات باعتبار أن كل ولاية سيكون عندها قائمات ووفقها سيختار الناخبون المترشحين.
أنا أعوّل كثيرا على المجتمع المدني وعلى ضغطه على الأحزاب وعلى الحكومة وغدا الضغط على المجلس الإنتقالي.
أنت من مؤيدي التناصف...
أعتقد أن المجتمع التونسي مرتكز على المرأة، فهي تتحمل العبء في المنزل وخارجه في العمل والمرأة التونسية أثبتت أنها جدية وصورة وكفأة في تحمل المسؤوليات ومثال ذلك نتائج الباكالوريا لهذه السنة 61 بالمائة من الناجحين هم من الإناث، أسوق مثالا آخر في منطقة الذهيبة عدد المترشحين للباكالوريا عددهم 23 طالبا منهم إثنين ذكور والباقي بنات.
وفي جميع القطاعات، الصحة والتعليم والفلاحة وغيرها تسيطر أيضا نسب الإناث لذلك فأنا لا استطيع أن لا أحترم المرأة فهي على الدوام كانت القائدة في صمت وهي الفاعلة في صمت وهي المعذبة وأيضا في صمت.
يوم 14 جانفي في شارع الحبيب بورقيبة كان أيضا عدد البنات يوازي أو يفوق الذكور.... أختم وأقول بأن الرجل مبني على الفساد والأنانية عكس النساء على العطاء والبذل.
لذلك فأنا أحلم بغد أفضل لأبناء بلدي تكون فيه المرأة حققت مكانتها الحقيقية بوجودها في مواقع القرار السياسي والتشريعي.
هو اذن حقوقي من مناضلي اليسار التونسي «آفاق» ثم «العامل التونسي» عرف العمل السياسي السري ما بين سنة 1973 و1974 ثم حوكم سنتي 1974 و1975 ليقضي قرابة ست سنوات في سجون بورقيبة .
الصادق بن مهني هو ايضا من مؤسسي فرع تونس لمنظمة العفو الدولية ومن المولعين بالعمل الجمعياتي «جمعية صيانة جربة» و«جمعية جربة الذاكرة» وليس اجمل من الوفاء لمسقط الرأس.
استقال مؤخرا من اللجنة الوطنية للتقصي في قضايا الفساد والرشوة وهو ما سنعرف تفاصيله في الحوار التالي:
كيف انضممت إلى اللجنة الوطنية للتقصي مسائل الفساد والرشوة ؟
بعد 14 جانفي قررت ان اكون مع ابناء شعبي في الشارع وفي جميع الاعتصامات والمظاهرات اعبر عن افكاري ومواقفي بواسطة مدونتي وعبر الفايس بوك وعبر الكتابات الصحفية .
لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة الي فانضممت الى اعضاء الشبكة الوطنية لمقاومة الرشوة والفساد. وهي منظمة غير حكومية تأسست في 22 فيفري 2011.
دوافعي في ذلك الإنضمام كثيرة، اولها قناعتي بان الفساد هو سبب البلية لا سيما في وضع لا يوجد فيه فصل بين السلطات ووجود هيمنة الفرد الواحد والحزب الواحد على القرار وافساد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بالرشوة والمحسوبية.
لذلك اقررنا في الشبكة منهجا وخطة عمل تطوعية تنبني على التحسيس بأهمية الفساد في تعطيل عملية التنمية العامة وكسر جميع تعابير الانشطة السياسية والإجتماعية والاقتصادية .
دافعي الثاني في ذلك هو الايمان الكبير والمشترك بين جميع اعضاء الشبكة لفهم ومعرفة كيف تسرب الفاسد وكيف تحول من استثناء الى قاعدة وساد جميع ميادين الأنشطة وجميع الجهات وتسلل إلى جميع أوجه الحياة اليومية لأنه دون تفكيك الظاهرة لا يمكن أن نصف علاجا لها أو نبني منظومة للمقاومة.
ثالثا أردنا مساعدة المتظلمين على تكوين ملفاتهم وتوجيههم وحتى مساعدتهم عدليا وقضائيا.
رابعا سنعمل على اعداد دورات تكوينية لفائدة القضاة والشرطة العدلية وهيئات الرقابة والصحافيين فيما يهم تقنيات التقصي والتحقيق والمتابعة التي تحترم القانون وتسمح ببلوغ الأهداف.
سنعمل أيضا على المساهمة في انجاز وإرساء منظومة شفافة بتعميم مبدإ حرية النفاذ إلى مصدر المعلومةونشر الموازنات ومصادر التمويل وكيفية الانفاق وفي هذا الصدد وباعتبار أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية أقررنا أن نسهم في تعميم الشفافية على الانتخابات في ما يهم مصادر تمويل الاحزاب والقائمات المستقلة لحملاتها ولمقاومة شراء الأصوات ولنا في هذا خطة تقوم على تكليف ملاحظين يقع تكوينهم مسبقا في كيفية مراقبة شراء الأصوات.
في الأثناء تكوّنت لجنة وطنية في اطار مرحلة انتقالية للتقصي في حالات الرشوة والفساد ابتداء من تاريخ نوفمبر 1987 فقررت الانضمام إليها بصفتي عضوا في الشبكة آنفة الذكر لانني أعتقد أن منظومة الفساد شديدة التعقيد لذلك وجب المشاركة فيها بشكل موسع لا أن تقتصر على المحامين والصحافيين وباقي عناصر المجتمع المدني.
ورغم تحفظنا على هيكلتها وتفرد رئيسها (عبد الفتاح عمر) بالسلطة وخاصة في ما يتعلق باختيار مساعديه وعدم وضوح استراتيجية عملها قلنا لا بأس من الانضمام والإسهام في تطويرها.
لكنّ ما اكتشفته هو أنّ الجمعيات المناضلة في مجال الشفافية ومقاومة الفساد عددها ثلاثة والباقي يمثلون جمعيات مهنية.
هل يعني أن ذلك هو سبب انسحابكم من اللجنة؟
ـ في الحقيقة الأسباب كثيرة، لمّا اجتمعنا اجتماعنا الأول طرحت مع عدد من الأعضاء مسائل متعلقة بضبط استراتيجية عمل اللجنة وأولوياتها ومناهجها وكيفية سير عملها الداخلي والعلاقة بين الهيئتين العامة والفنية فاكتشفنا أنّ الهيئة العامة ليس لها حقّ الاطلاع على الملفات وأن دورها مقتصر على اعداد ملتقيات تكوينية وخطط وتصورات للمستقبل. وكان ذلك التساؤل الأول الذي طرح أمامنا...
الإشكال الثاني طرح في مستوى الخطة الاتصالية، فالفساد في نظرنا لا يهم بن علي وليلاه فقط، إنّما هو منظومة متجذّرة في جميع الإدارات والجهات وبالتالي لا يمكن مقاومتها بمجرّد استعراض ملفات بن علي انما بعرضها على الشعب بكل تفاصيلها حتى يعرف جميع الحقائق المرّة الى جانب ذلك لم تكن مقترحاتنا تطبّق إنّما توضع على الرفّ بعد الترحاب بها.
ومع أنني أدركت أنّه لا يمكنني أن أواصل العمل معهم الا أنني واصلت ذلك رغبة في الإقناع والتجاوز ففوجئت بصاعقة أشدّ تتمثل في مشروع مرسوم حول تطوير عمل اللجنة يهمّ حماية الشهود والمبلغين وكذلك يهمّ مبدأ مراجعة القضايا التي حكم فيها بشكل فاسد حتى وإن أدركها التقادم وهذه مسائل أدعمها لكن المرسوم ينصّ على امكانية إعفاء من العقاب من يتقدم الى اللجنة عن طواعية ومن تلقاء نفسه للإبلاغ عن مساهمته في عملية الفساد مهما كان الدور الذي لعبه فيه.
في حين أن الممارسات الدولية كلّها تقتضي رفض تمكين الفاسدين من الهروب من العقاب ومن أيّة حصانة طالما لم يساءلوا ويحاسبوا وهوما يعرف لدى العام والخاص بمبدإ المساءلة فالمحاسبة فالمصالحة. فأعلنت إنسحابي خاصة وأنّ مشروع المرسوم يتناقض مع المعايير الدولية المعمول بها في التقصّي ويتناقض مع مطامح الشعب التونسي في الاطلاع على مدى إنجاز عملية التقصي وكشف عملية النهب لمقدّرات البلاد ويمكّن عمليا (المرسوم) من عدم محاسبة الفاسدين.
أليس في هذا الانسحاب «تناقضا» مع دوافعك وثوابتك في فكّ خيوط أخطبوط الفساد؟
ـ دعيني أؤكد بأنّ انسحابي في جانب كبير منه هو دعم للجنة من حيث تحريك النقاش داخلها وللدفع في اتجاه وتطوير عملها، لكنّ يبدو لي أن اللجنة ترفض أيّ نقاش وتصرّ على الانفلات وعلى مشروع مرسومها الذي أعلنت على الملإ أنني سأقاومه بكل اصرار.
نعود الى الوراء قليلا، ماذا تعني أحداث 14 جانفي للصادق بن مهنّي؟
ـ في ذلك اليوم كنت على بعد بضع أمتار من وزارة الداخلية تحديدا من مكان تعذيبي، كنت كلما مررت من ذلك المكان أنظر باتجاهه إمعانا في تذكّر أيام التعذيب التي عشتها هناك. لكن يوم التحمت الجماهير وعلت الأصوات تنادي بالحرية لم أعد أنتبه لا للمكان ولا للذكريات.
في ذلك اليوم أيضا اكتشفت تونس جديدة لم أكن أعرفها كفاية ألا وهي تونس الشباب والشابات الجريئين والجريئات المهووسين بالحرية والعازمين عزما صريحا على الانتصار. إحساس كان فيه جانبان فرحة بأنّ الجمهور كان هناك بمختلف الأجيال والأطياف والفئات الاجتماعية باعداد كبيرة منهم من كانوا من رفاقي ورفيقاتي من الذين ناضلت معهم في سنوات السبعينات وكان برفقتهم أبناؤهم في سنّ الشباب. شعوري الثاني كان من نوع وهو شعور «بالعار» باعتبار أنّ أجيالنا من سنّ 45 فما فوق لم نقاوم كفاية وحتى عندما قاومنا فشلنا ولم نبتدع أشكالا جديدة ناجعة للمقاومة وبالتالي ساهمنا في أن تصل تونس الى درجة من تعطّل التنمية ومن الخواء الفكري والسياسي والاجتماعي وأصبحنا بذلك مجرّد رعايا في دولة سلطانها سارق مارق.
فنحن كجيل لم نؤد دورنا كما يجب تجاه بلادنا وتركنا لأولادنا وبناتنا ولأجيال المستقبل تركة صعبة وعسيرة وحتى من صمد منّا بأن لم ينخرط في منظومة الفساد بأنواعه فإنّه في اعتقادي لم يبذل جهدا كافيا.
هذا اعتراف بأنّ الشباب فاق جيلكم في النضال وحقق ما لم يحققه آباؤهم؟
ـ أنا أفتخر بأنّ شبابنا الذي اعتقدنا أنّ ليس له اهتمام بالشأن العام ولا بالسياسة هو في الحقيقة قادر على الصمود والتصدي وعلى الانتصار بطرق جديدة وبأشكال لم نتوصل لها نحن من قبل، لقد تجاوز التنظيمات الهرمية الى تنظيمات جديدة خطية للفرد فيها حريته واستقلاليته وشخصيته الخاصة به مع ارتباط ذلك بالتزامه مع المجموعات وهنا أقصد المدونين وشباب الانترنات الذين اعتبر نفسي قريبا منهم جدّا فهؤلاء الشباب عند انطلاقتهم لم أكن أفهم الكثير مما يعملون لكن مقابل ذلك صدمتني التلقائية لدى الكثير منهم وخاصة كتاباتهم في كل شأن لاسيما في الشأن العام خصوصا مع انطلاق حملاتهم لفائدة الطلبة الممنوعين من مواصلة الدراسة وصدّهم للرقابة وقتها فقط بدأت أهتم بهم ورأيت في ما يعملونه شكلا من أشكال المقاومة.
لقد صدمني إصرار العديد منهم على الإمضاء بكامل أسمائهم وعلى ذكر تفاصيل أنشطتهم وفي ذلك مخاطرة أمنية كبيرة خاصة وأنا مناضل ربيّت على السرية والعمل السري فعندما تصدّوا بنجاح لعملية الرقابة على الانترنات بدأت أحس أنهم قد يمثلون حلا.
بعد سنين قضيتها في سجون بورقيبة هل واصلت النضال أم اكتفيت بالصمت?
النضال العميق في تقديري الشخصي هو الذي يمس الوعي الجمعي والثقافة لذلك حاولت أن أناضل في مستوى الثقافة والفكر من خلال كتاباتي الصحفية في جريدة «الجزيرة» الجهوية التي تصدر في جربة شهريا وذلك منذ أكثر من 25 سنة عبرت فيها عن مواقفي في حماية البيئة والتراث والاقتصاد الوطني كما عملت في ميدان النشر ومكنت أصواتا جديدة وبجهد تطوعي من إنتاج أبحاثها ورواياتها.
لقد كان حلمي كبيرا في أن أصبح صحفيا لذلك عملت على مساعدة عديد الأقلام للبروز ورغم أنني خريج كلية الآداب اختصاص لغة عربية الا أنني منعت من التدريس فلم يكن ذلك الا حافزا على مزيد الإصرار على تحصيل مزيد من العلوم، فأنا خريج جامعة لا مثيل لها هي جامعة السجون وخصوصا برج الرومي التي تعلمت فيها الانسانيات بجميع أنواعها.
نعم لقد مكنتني المدرسة السياسية والمدرسة السجنية من بناء معارفي حتى لما التحقت للعمل بجمعية غير حكومية كباحث اقتصادي واجتماعي انفتح أمامي المجال لأدرس الفقر في الأرياف التونسية ثم جاءت فترة انفتاح سياسي فالتحقت بالعمل في وكالة التهذيب والتجديد العمراني كباحث في الأول ثم بكفاءتي دخلت مجال البحوث الميدانية حول وضع السكن في المدن والأحياء الفقيرة. تعلمت أيضا مهنا أخرى متعلقة بالتخطيط والبرامج والتعاون الدولي والشؤون العقارية والنزاعات ثم التحقت بمؤسسات أخرى أقول ذلك لأؤكد بأن ما ندرسه في المدرسة شيء وما نتعلمه في مدرسة الحياة شيء آخر.
كيف قاومت ما كنت تراه من فساد... في زخم هذه المسؤوليات?
أعتبر نفسي صمدت كثيرا في عملي لأنني كنت في مواقع فيها أطماع كبيرة وكنت عرضة فيها لكثير من الإغراءات والضغوطات لكن أعتقد أنني قاومتها بشدة ولم أتنازل ولو مرة واحدة في كل ما هو فساد إداري أو عقاري أو مالي. قبل 14 جانفي كنت أنظر إلى ذلك على أنه شيء كبير لكن بعد ذلك التاريخ أصبحت أنظر إلى ما فعلته على أنه الحد الأدنى وأني كنت مقصّرا جدا.
وهنا أطلعك على أمنية طالما حلمت بتحقيقها ورغبة جامحة كانت تأخذني من حين إلى آخر وتحديدا منذ فترة التسعينات وهي أن أكتب كتابا ثم أحرق نفسي في شارع الحبيب بورقيبة كحركة سخط واعتراض واحتجاج.
في ظل هذه التعددية الحزبية هل تعتقد أن التونسي سيحدد خياره الصائب...?
الأحزاب لا تهمني كثيرا لأنّ السياسة عندما تتولاّها الأحزاب تحكمها الحسابات والذاتية وتبعد عنها المصلحة العامة والمصلحة التفصيلية، فظاهرة تعدّد الاحزاب هي ظاهرة عرفتها كلّ البلدان التي عاشت تحولات من نظام مستبد إلى نظام يسعى إلى أن يكون ديمقراطيا وهي في حقيقة الأمر ظاهرة طبيعية في مجتمع كانت فيه المعارضة متشرذمة ومقموعة وسرية، لذلك أعتقد أن كثيرا من الأحزاب ستسقط وتنحل من تلقاء نفسها وأخرى سيجتمع شملها. بالنسبة إلى الانتخابات يجب أن نفكر حسب منطق القائمات باعتبار أن كل ولاية سيكون عندها قائمات ووفقها سيختار الناخبون المترشحين.
أنا أعوّل كثيرا على المجتمع المدني وعلى ضغطه على الأحزاب وعلى الحكومة وغدا الضغط على المجلس الإنتقالي.
أنت من مؤيدي التناصف...
أعتقد أن المجتمع التونسي مرتكز على المرأة، فهي تتحمل العبء في المنزل وخارجه في العمل والمرأة التونسية أثبتت أنها جدية وصورة وكفأة في تحمل المسؤوليات ومثال ذلك نتائج الباكالوريا لهذه السنة 61 بالمائة من الناجحين هم من الإناث، أسوق مثالا آخر في منطقة الذهيبة عدد المترشحين للباكالوريا عددهم 23 طالبا منهم إثنين ذكور والباقي بنات.
وفي جميع القطاعات، الصحة والتعليم والفلاحة وغيرها تسيطر أيضا نسب الإناث لذلك فأنا لا استطيع أن لا أحترم المرأة فهي على الدوام كانت القائدة في صمت وهي الفاعلة في صمت وهي المعذبة وأيضا في صمت.
يوم 14 جانفي في شارع الحبيب بورقيبة كان أيضا عدد البنات يوازي أو يفوق الذكور.... أختم وأقول بأن الرجل مبني على الفساد والأنانية عكس النساء على العطاء والبذل.
لذلك فأنا أحلم بغد أفضل لأبناء بلدي تكون فيه المرأة حققت مكانتها الحقيقية بوجودها في مواقع القرار السياسي والتشريعي.
شركة كشف تسربات المياه بجدة
RépondreSupprimerشركة تخزين عفش بجدة
شركة تنظيف فلل بجدة
شركة مكافحة الصراصير بجدة
شركة مكافحة الفئران بجدة
شركة مكافحة بق الفراش بجدة
شركة نقل عفش بجدة
شركة تنظيف واجهات حجر بجدة
شركة تنظيف كنب بجدة
شركة تنظيف اثاث بجدة
شركة تنظيف شقق بجدة