1- كنت ضمن الحضور الذي شاهد الفيلم، فهل ترى فيه "مسّا مقصودا وموظفا من الإسلام والمسلمين" كما إدعى المعتدون ومناصريهم؟
1/ حرمني المعتدون من مشاهدة الفيلم ومن أن أعيش فعاليات الحدث الثقافي الأخرى ولم أستمتع إلا بواحدة من أغنيات آمال الحمروني ومجموعتها. فلقد فقدت الإبصار لدقائق طويلة بفعل المادّة التي تم رشّها على وجهي لمجرّد أنّني سارعت لمساعدة الصديق الحبيب بلهادي الذي كان واقعا على الأرض تتهاطل عليه الركلات والضربات بالهراوات والقضبان. كما أنّني اضطررت إلى التحوّل إلى الاستعجالي.
لكن بقيّة أفراد عائلتي الذين حضروا العرض- ومنهم حاجة متلحّفة- قد أكّدوا لي أنّ الفيلم وثائقي وتابع –رمضان 2010، أي منذ عام وقبل الثورة- كيفية تعامل فئات شعبية مختلفة مع الدين وممارستهم أو عدم ممارستهم لشعائره. ولم يشعر أحبّتي هؤلاء بأن في الفيلم مسّ بالدين...
2- لاحظنا علامات التأثر البالغ عليك رغم تعرضك خلال مسيرتك النضالية الطويلة لمثل هذه الممارسات العنيفة، فكيف تفسر ردة فعلك؟
/ التأثّر الذي لاحظمتوه عليّ نابع من أعماق وجداني. لكنّه لم يكن نتاج الألم المادي الذي أحسسته ونتاج شراسة الاعتداء. تأثّري كان وليد عوامل أخرى أهمّها :
- ابتهاجي وفخري بصمود غالبية من تنادوا إلى الحفل وحرصوا على حضوره للتعبير عن تضامنهم مع المبدعين الذين تعرضوا لاعتداءات أو تهديدات بسبب إبداعاتهم وكذلك صيانة لما تعنيه مواطنتهم المكتسبة بعد الثورة من التمتّع بحقوق إنسانية تشمل حرية العقيدة والرأي والتعبير والعيش في أمان ؛ وأنا سعيد بأن ألاحظ أن غالبية الصامدين نساء.
- وحسرتي على فشل جيلي في أن يتصدّى للطغيان والفساد، وفي أن يصنع للشباب وللأجيال القادمة تونس أحلى وأبهى وأكثر ألوانا وتعدّدا وأمانا ؛
- وأساي من انحدار مستوى تنظيمات واتّجاهات عقائدية وسياسية وأطراف أخرى خفية إلى منزلق العنف والاستبداد والتسلط. ولكم كنت أتمنى أن يقف المهاجمون عند حدّ التظاهر والاحتجاج السّلميّ.
3- هل هذا الظرف الزمني مناسب للتطرق إلى مسألة حماية الفنان من بطش الأطراف المتطرفة التي تتربص به وإلى فتح قضية علاقة اللائكية بالإسلام؟
3/ ليس أفضل من المرحلة الانتقالية التي نعيشها لنناقش بهدوء وتحضّر كلّ المسائل والمواضيع التي تهمّنا جميعا أو تهمّ بعضنا أيّا كانت. ومنها مسائل التمسّك أو عدم التمسّك بمبادئ الجمهورية والمواطنة والحداثة والحرّيات والمساواة، وحماية المبدعين- بمختلف اختصاصاتهم - من الجور والعسف والتجبّر باعتبارهم قاطرة الجذب إلى الأمام وفاعلين أساسيين في التقدّم. وعلى أي حال فإنّ المتباكين على فتح النقاش في مواضيع الحريات الجماعية والفردية وحماية المبدعين والفنانين هم من فتحوها بحيادهم عن الوفاق العام الذي كان سائدا وبممارسة بعضهم للبطش والاعتداء وادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة. ورفض الاختلاف والتنوّع.
وأنا لا أعتقد أنّه توجد مؤامرة مدبّرة لمجابهة مدّعي امتلاك حقيقة الإسلام أو المتستّرين بالدين أو لاستدراجهم إلى صراعات جانبية. بل إنّ الأمر يتمثّل في اضطرار عشاق الحرية والكرامة إلى التنادي إلى حماية حقوقهم وذواتهم من دكتاتورية سوداء متخلّفة تتكالب على السلطة وتبتغي سرقة فرحة الشعب وجرّه إلى مجاهل الظلامية.
4- ألا تعتقد أن تغيير إسم الفيلم من "لا الله لا سيد" إلى "لائكية إن شاء الله" سيضرّ بإرساء ثقافة لائكية وقد ربطتها المخرجة بالإلحاد عن قصد أو عن غير قصد؟
4/ لا يهمّني كثيرا الفيلم وعنوانه كغرض في ذاته. ولطالما كنت أعتقد أن شعبنا بلغ مستوى من النّضج أصبح معه هذا النوع من التساؤلات والاتّهامات المتعلّقة بحريّة المعتقد والرأي غير ذي موضوع.
والحدث الذي تعرّض إلى الاعتداء لم يكن يقتصر على عرض فيلم. والجمهور الذي توافد على القاعة من حقّه أن يرى ما يودّ رؤيته. وهو لم يجبر أحدا على أن يتابع الفيلم أو يقبل بمحتواه. وهو لم يستفزّ أحدا بل وتمسّك بالصبر فحاور ولم يدفع الأذى بالأذى ولم يردّ على العنف بالعنف.
5- ما هو موقفك من التدخل الأمني المتأخر نسبيا ومن الإجراءات التي اتخذها؟
5/ تأخّر الأمن في التدخّل وانسحاب العونين الوحيدين اللذين كان هناك - وصبرا معنا كثيرا في مواجهتنا للمهاجمين بالحوار والنقاش- أمران يدعوان إلى ما هو أكثر من الاستغراب والتساؤل والانشغال.
6- بلغنا أن هذه الممارسات العنيفة لم تقتصر على قاعات السينما والمظاهرات النسوية والمواخير والحانات بل طالت أيضا قاعات الأفراح وسهرات الباكالوريا والمقاهي، فما مدى خطورتها على المستقبل السياسي لتونس؟
6/ أي اعتداء على حريّة المواطنين، وأيّ تسلّط عقائدي أو فكري أو سياسي، وأي لجوء لفرض توجّه أو توجّهات ما بالعنف، وأي سعي إلي الاستفراد بالمجلس التأسيسي للاستفراد برسم ملامح المستقبل تعدّ على تونس جميعها وعلى بناتها وأبنائها الذين صنعوا اللحظة الفريدة، وغلق للآفاق الواسعة التي انفتحت أمام الأجيال القادمة.
7- من يمكن إدانته بالتورط في إيقاد فتيل الفتن من هذا القبيل والمشاحنات الإيديولوجية؟
7/ لست على علم بما هو مخفي. غير أن نظري يتّجه نحو كلّ من ليس له مصلحة في نجاح الانتقال الديمقراطي وكلّ من لا يرى في الدّيمقراطية إلا مطيّة لبسط دكتاتوريته وعسفه هو.
8- ألا تعتقدون أن التشدق بالإلحاد أو بالإيمان ظاهرة تتناقض في مضامينها وتتوافق في أساليبها؟
8/ لا أرى لهذا السؤال صلة بالوقائع التي نحن بصددها. فالأمر يتمثّل ببساطة في اعتداء سافر وهمجي على حريّة مواطنين وحرمتهم المعنوية والجسدية وذلك كفعل لا مبرّر له ومسبق التدبير ومحكمه وليس كردّ فعل.
9- هل يحتمل الشارع التونسي صراعات إيديولوجية ونحن على بعد أشهر معدودة من الثورة؟ ألا يقتضي إرساء ثقافة الإيديولوجيات سنوات طويلة من العمل؟
9/ أنا أرى أننا مازلنا عند الخطوات الأولى للثورة. ونحن فعلا لم نحذق بعد المشي في دروب الديمقراطية. والخنق الذي عانيناه طويلا هو الذي يفسّر كلّ هذا الكمّ الهائل من الكلام والصياح والادّعاءات. ولن نخرج من هذا الوضع إلاّ بعد عسر معاناة وطول وجع.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire