أمّا وقد غادرت الفعل السياسي المتحزّب باكرا فإنّه لم يعد يجمعني ببعض من رفاقي القدامى ,كحمّة الهمامي الاّ الحنين لماض مشترك فيه لحظات صفاء وضوء كثيرة, ونوع من الودّ يجعل كلّ اختلافاتي معهم تتلاشى كلّما التقينا ...صدفة.
و لّنّ الحال هي هاذه فقد تحوّل لقائي بحمّة بمناسبة العرض الأوّل لفيلم "لا خوف بعد اليوم "إلى لحظة حميمية وصريحة :تحدّث عنّي من أعماق قلبه, و بادلته المشاعر بكلّ صدق ...وتناغمنا...
و لأنّني عشت اللحظة إيّاها بكلّ جوارحي,فلقد أحسستني إثرها مندفعا لأهتف لحمّة أطلب مقابلته لنتحدّث و نتناقش,ولأقول له أشياء و أشياء يفيض بها قلبي و أخنقها...أشياء منها البعيدالبعيد لكن الحاضر قيدا يمنعني من أن أكتب مذكّراتي ...و منها ماهو أقلّ بعدا و إلى العقل و الموقف أقرب...
إلاّ أنّ اندفاعي لم يطلقني بل ظللت أراوح مكاني و في رأسي اعتراض: لو التقينا و تحاورنا فإنّنا قد نوّضح كلّ الأمور فنأكّد
اختلافات و نزيح اختلافات و نتبيّن اختلافات... و لكنّه سيعسر عليّ في كلّ الأحوال أن أقبل منه, و لو مع التشديد على اختلافنا, ما فعله بنفسه ذات عام و هو يحسب أنّه يضرب الظلاميين, و ما يفعله بنا منذ وهلة و حتّى الشاعة و قد نصّب نفسه و حركته محامين عن" النهضة "و ضامنين لصفاء روحها و نقاء نيّتها و طهارة مقاصدها حتّى فيما لم يضمنه أبناؤها ذاتهم...
و حتى يصحّ عليّ اسمي أعلن بوضوح: "نعم ...أنا خائف من النهضة و من جميع السياسيين المتلّحفين بالدين ...خائف منهم على وطني و على مستقبل بناتنا و أولادنا...خائف منهم على الهبّة التي فتحت لنا باب السماء الحقّة: سماء الحرية و العدل و "المساواة و الانعتاق و الابداع و الارتقاء.
أقول "أنا خائف "و أنا أعني ما أقوله.وحتى يعلم المحبطون و المتشائمون و دعاة الاستسلام و من يخطّطون بعد لترك السفينة تغرق دونهم أنّ خوفي لا يكبّلني و لا يشلّ حركتي و لا يجعل الأفق أمامي كئيبا قاتما...خوفي يملأني , ولكنّه أيضا يشحذ عزيمتي و يحفزني أكثر للتصدّي و المعاندة و التجاوز و يحسّن كفاءتي و يمضي إصراري على البقاء و المقاومة و الانتصار ...
و لأنّني أسمع بعضهم, بل الكثير الكثير منهم يحتجّ :ها أن واحد منهم يؤكّد مرّة أخرى أنّهم في النهضة و أضرابهاالعدوّ الأوّل , ويرومون إقصائها مثلهم مثل من كانوا ... فانّني أوّضح للتوّ: أنا لم أحارب النهضة و أشباهها يوما ...بل وناصرت بعض مناضيلها بما قدرت عليه حين عزّ النصير,ولم أمدّ يدي يوما لجلاّديها...و أنا لم أدعو أبدا لإقصاء الإسلامويين أيّا كان لونهم عن الساحة و التأسيسي و عن الشأن العام...وكلّ ما في الأمر أنّني أرى فيهم خصما لدودا بل أكثر من خصم لدود: خطرا داهما يتستّر بالديمقراطية و يهيّئ مخالبه للانقضاض على وطن يحسبه فريسة...و أنا لا أدعو بتاتا لمحاربة النهضة بل أنادي بأن نتصدّى لها بفضح تناقضاتها و كشف زيف ادّعاءاتها ورفض هيمنتها و مجانبة الانسياق مع خزعبلاتها و مناوراتها و تكتيكها ...
ولأنّني أصيح لصوت بعض المغرّر بهم أو المنغرّين ذاتيا يتّهمونني بأنّني أتّهمهم بما ليس فيهم و ألبسهم لبوسا ليس لهم فإنّني أقول : "أنا أيضا حرصت على تعميق اطلّاعي,وقارنت,,حلّلت ,و استمتعت ,وشاهدت فلم أجد في خطابكم لا إخلاصا ولا صدقا و لا وضوحا و لا ديمومة...أنتم تقولون الشيء و ضدّه و ضدّضدّه , وكلّ منكم غار لا قرار له الأسرار المخبّأة فيه من كلّ لون و كلّ صنف و كلّ هول...وجميعكم غابة استوائية فيها أهوال و أغوال...أنا أيضا حلمت بأنّكم تغيّرتم فعلا و أنّكم تعلّمتم فعلا و أنّكم أصبحتم مدنيين فعلا...ثمّ تبيّن لي من تكتيكاتم و تنقّلاتكم و تهافتكم على الجوامع و المساجد و الملاعب ووسائط الاتصال و باحات المطارات وزوايا السفارات و أموالكم الممنوحة هنا و هناك ,أنّه لا يمكن أنّه لا يمكن لراجح عقل أن ينتظر منكم ما تبدونه ...فوراء
سواتر ما تبدونه هول ما تتستّرون عليه و تسرّونه فيما بينكم.. و لمن يلومني بالادعاء أنّني أحكم على النوايا أقول: فليعلنوا بجلاء و نصاعة أنّهم ضدّ العنف و ضدّ خنق الحريات...وضدّ الانفراد بالرأي وضدّ بسط رؤيتهم للدين,ومع التعدّد بكلّ ألوانه و أصعدته و أنّهم مع احترام الاخر بل الاخرين ومع احترام المواثيق الدولية المتعلّقة بحقوق الانسان جميعها , وسواء كان الانسان رجلا أو امرأة ...و ليلتزموا جهارا على أنّهم لن ينقلبوا على كلّ هذا إذاما هبّت ريح نفخت في أشرعتهم و دفعت بسفنائهم لتسبق...
و اذا ما قيل لي :لما كلّ هذا التوّجس و كلّ هذه الحيطة و انعدام الثقة , فإنّني سأجيب : لأنّ الخلط بين السياسة و الدين برهان على فكر شمولي مستبدّ و مقاتل .و لأنّ إسناد الخيارات و البرامج و الخطابات السياسية للماوراء و المافوق و لقراءات محنّطة لا يدعو الى الاستبشار و الاحساس بالأمان و لأنّ ادّعاء امتلاك الحقيقة الربّانية لا يبث في النفس الطمأنينة
يا هؤلاء ,و يارفيقي قديما حمّة : أنا ابن لامرأة أحبّها كثيرا فلولاها ما كنت و لولا صبرها و تفانيها ما عشت و لولا حرصها ما فككت الحرف فهي قد رافقت تعلّمي و هي لم تتعلّم ... و أنا أخ أخوات أحبهنّ كما نفسي كابدن و حال ضعف الحال و تفضيل الذكر بين بعضهنّ و الدراسة و لولاهنّ ما عشنا ما عشناه ...و أنا زوج امرأة أعشقها لولاها لما وجدت طريقي و ما صمدت أمام الأنواء ...و أنا أبو بنيّة هي في فؤادي و دمي و أفخر بأنّني تعلّمت منها المكابدة و التحدّي و قهر الأقدار و ارتفاع الهامة. و لي حبيبات و معارف و مواطنات أخريات كذلك وجدت فيهنّ المناصرة و المؤازرة و الوفاء و الصدق و خبرت فيهنّ ما لم أجده و لو لوهلة في كثير من الرجال.
يا هؤلاء و يا رفيقا قديما , حمّة : لكلّ ذلك و لأنّني أؤمن بالانسان قيمة و قدرا ووحدة متناغمة , أنا هكذا , و هطذا أظلّ و لن أرتاح لكلّ سياسيّ يتستّر بالدين و لكلّ فعل دنيوي يتمنطق بالدين
و رغم أنّ ما سأقوله الان لا يعدو أن يكون إلاّ حلما أو خرفا سأقول :"كم أتمنّى أن يكذّبوني, وكم سأسعد لو لم أعد أجد لخشيتي ما يسوّغها".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire