2 mars 2012

من إحباطنا نستمد ... المقاومة




أنا مُحبَط. أنت مُحبَط. هي محبَطَة. هم محبَطون. هنّ محبَطات
نحن جميعا محبَطون.
محبَطون لكننا لم ننحن.
محبَطون لكننا لن ننحن.
محبَطون لكننا نقاوم إحباطنا ونسعى إلى أن نفعل.
إدراكنا يحبِطنا. و إرادتنا تجعلنا نفعل، أو نسعى إلى الفعل.
و لكن لمَ الإحباط ؟ !
لمَ الإحباط و كل شيء على ما يرام؟ !
أردنا تأسيسيا و أصبح لدينا تأسيسي.
و أردنا مقاومة الفساد ودرءه و أصبح عندنا وزير للحكومة و مقاومة الفساد.
و أردنا عدالة انتقالية و أصبح لدينا ثلث وزارة مكلفة بالعدالة الانتقالية... و إلى جانبه مرصد رسمي...
و أردنا المساءلة و المحاسبة، وفي ذهننا، أنهما تفضيان إلى المسامحة، فاختصروا لنا الطريق و بلغنا" طوّالي " و دون عقبات إلى ... التغاضي.
وأردنا شغلا، وهاهم يعدوننا بشغل للجميع إن لم يكن اليوم فغدا، و إن لم يكن غدا فبعد غد، وإن لم يكن ففي الجنة التي شرّعوا لنا أبوابها واسعة و لا تدافع أمامها.
و أردنا كرامة، فأعطونا كرامات و كرامات و كرامات: بياعو كلام نستضيفهم ليهينونا، ونفرح بهم، فيستهدفون أمهاتنا و أخواتنا و بناتنا، و نكرمهم فيحضوننا على الانقسام، و يدعون لنا بالويل و الثبور و يدفعوننا إلى الاقتتال.
و أطلقنا الحريات، فهرع جمع ممن حرروا إلى السلاح الغربي الحديث، و الكتب الشرقية الموغلة في القدم، و تنادوا لوأد الحريات و تكميم الأفواه وسوقنا إلى جناتهم مسلسلين أو مذبوحين.
و أردنا عزة الوطن، وهاهو الوطن تضوع عزته في المنتديات و الصحافة الدولية، و يتعلم
- كما الأمس – كيف يطأطئ رأسه لدولار- و إن مزيف- و لنفط لن يجود بشيء من ريعه إلا ليزيد همومنا.
ورمنا الديمقراطية، وها نحن نسمع كل يوم من يشتمنا و يؤذينا و يودّ قطع أيدينا و أرجلنا من خلاف، و يعايرنا بأننا أقلية عليها أن تصمت أو ترحل، و يبين لنا، ببرهانه الرباني حسبه أن الوكيل أدرى بالحق و الحلم و المنشود و أعلم بالطريق من موكليه...
و ابتغينا قطعا مع الماضي و منظومات الماضي و رموز الماضي، و ها نحن و قد أبدلنا السروج، بل و راكبي السروج، نسير على نفس المنوال و ننتهج خطط مقاومة الفقر و اختلال التوازن الجهوي و تجهيز البلاد و نشر فرحة الحياة التي أعيتنا و دمرتنا و أثارتنا ذاتها.
ونادينا بالخبز لغير الجائعين و للجائعين و لأنصاف الجائعين، وهاهي القفة تغدو القفة ذاتها للجميع و تكاد ترمز إلى التكافؤ و تقريب الشقة ففيها خفة و أسى لكل أم و أب.
و تقنا إلى اتقاد الفكر و اختلاف الرأي و تفتق الإبداع، و ها نحن قد انقطعت أنفاسنا من نكد يحثوه علينا غانم مال كان أجدى به أن يداوي جرحانا و من وعيد سيف الضغينة و بلادة الإدراك سيفه و من مزاج ثقيل كالرواسي ينفثه من اختار أفخر فنادقنا ليخلد فيها.
و أخضعنا الرياح لمشيئتنا فطوعها ملاحونا ليركبوها و يركبونا.
و انحنى لدماء شهدائنا القدر، فاكتشفنا من استبدل " القدر " بالوطن حتى في نشيدنا الرسمي، ومن برع في المساومة حتى ساوم على حقوق عائلات شهدائنا و مستلزمات جرحانا و أجلها أو قزمها و جعلها موضوع جدل ليس إلاّ.
و نشدنا الفرحة فضحكنا و غنينا و كنا نواجه الهراوات و الغاز و الرصاص الحي، وتفتقت قرائح شاباتنا و فتياننا عن رسوم و أهازيج و صور و شعارات بهية و ها أننا ندفعهم إلى أن لا ينطقوا إلا بما ينطق به دعاة الاستفراد بإرث السلف – سلف ليس دونه سلف ... و لا خلف- و نعاقبهم على كل زلة أو ظلها، وننسى أن نعطيهم هدنة ليتعلموا الديمقراطية فيما نحن نطيل الوقت كله، ليتوزعوا و ينتشروا في حبالنا الصوتية و خلايانا جميعها بكل أنواعها.
و اقسمنا أن نقوى من ضعفنا وأن نحيى أحرارا و إن على خبز و ماء، وتعلمنا أن نتكاتف و نتآزر، وهاهم يتركوننا نتدبر أمرنا لوحدنا إذ انقطعت السبل ببعضنا ثلجا و فقرا و معاناة فتدثروا، واعتصموا بالقدر تفسيرا بل تبريرا، وقعدوا على أولياتهم و- أولوياتهم لا تكون إلا من أولوياتنا لو صدقوا و أخلصوا – و تفضلوا علينا بأن لم يمنعونا من جمع الإعانة و إغاثة المنكوبين ... وفيما كنا نتعب و نصدق و ننقد، كانوا من على عرشهم يقهقهون : " ألا ابذلوا وأجهدوا و أنهكوا أنفسكم ، فإن خراج فعلكم سيأتيننا !"
و فرحنا بالتناصف إنسيا و إنسية، و هاهم يشطروننا مالكي الحق المطلق و الشرع الحق و كافرين يقام الحد عليهم و يمنعون من الصراخ.
وقلنا : " الفساد الذي أسقطناه ولد الحلكة، و علينا بنزاهة الحاكمين طريقة حكم و تصرف و بشفافية القرار و وضوح الإجراء ضمان نزاهة و صواب".
فقالوا: " نحن الغالبية. ونحن من لا يرتقي الشك إلينا. و نحن نعرف من أين تؤكل الكتف، ومن لم يقبل بما نفعل أو نقول آبق فاسق"، و طفقوا يعقدون الاتفاقات و يهبون الأعطيات و الصفقات و المشاريع خلف الأبواب و المتاريس و دونما مقاييس.
و أردنا ثورة تجمّع و تسير، وتمضي بنا نحو أهداف غدنا، فقالوا: " الثورة في أيدينا و نحن ربّها و الانتقال تمّ أو سنتمّه و عليكم أن تخمدوا و تنتظروا و أهدافكم انسوها، فنحن استلمنا الثورة و وحدنا نقرر مآلها."
الإحباط؟ الإحباط ؟
لا داعي للإحباط ! فلنا شيوخ كثر، ودعاة يومهم بمليون، وساسة يفعلون ما لا يقولون ويعدّلون و يكذبون ما يقولون، ويجيشون و يشترون و يفترون و يتوعدون و حتى يسجنون..
لا داعي للإحباط ! فلنا أن نأمل و نحلم و نطمح و نتوق، لكن في أعماق أعماقنا و في الزوايا السرية من مساكننا... و لنا أن نفرح لأننا لم تقطع بعد لا أيدينا و لا سيقاننا، ولم يمنع عنا لحد الساعة أوكسجين الحياة.
حقا لا داعي للإحباط !
قد نكون محبطين، مصدومين، حائرين و نلعن طهرنا و نقاوتنا و إخلاصنا للقيم، لكننا خائبين، ولن نركع و مها قتـّلنا سنظل واقفين، ولن نفرّ فلا مفرّ لنا إلاّ هنا و الآن...
إحباطنا سنقاومه و نسخّره و نصيّره خصبا و ولاّدة.
و ستنخذلون و نرى النار !

الصادق بن مهني

الطريق الجديد 25 فيفري

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire