2 oct. 2016

خواطر الأيّام الصّعبة - 1 -

و نحن نمضي إلى مدنين حيث كان على لينا أن تردّ على ادّعاءات مهووسين عديمي الضّمير و الرّجولة لم أكن مرتاحا على شعور واحد... بل كانت تتلاقفني الأحاسيس المتضاربة و تعتمل في وجداني مشاعر متناقضة...
كنت سعيدا بهبّة المجتمع المدنيّ و جذلان بهذا الحب ّ الغامر و متفائلا خيرا بقدرتنا على التصدّي للوجع و لإيذاء الخسيسين و لانقلاب الأمل السّاطع سحب رمال مكفهرّة...
و لكنّي كنت في زاوية ما عميقة من كياني أستشعر أو على الأقلّ لا أستبعد تماما أن يحصل للينا شرّ أبلغ من كلّ ما سلّط عليها بعد من شرور...
كنت أبدي لعائلتي اطمئنانا باسما و أدفع عنهم برفق و بما يحسب قناعة كلّ توجّس أو حتّى تساؤل... و لكنّي في حقيقة الأمر كنت أعاني سهام أخبار تواترت و سموم استخلاصات غدت تشبه القناعات...و خيّل إليّ أنّ سلطة لم ترع الأمانة و مؤسّسة خانت الوديعة و جهات قدرت على أن تأمر أو تنفّذ أو تبرّر أو تسكت أو لا تتصدّى أو تقلب وقائع اعتداءات تتالت لتطال على مدى أكثر من ساعة لينا فوالدها و مرافقه ثمّ والدتها و مرافقتها و في حوزة من هم في الأصل حماة لن تتردّد في التّمادي و التعنّت و قد تعمد إلى ما هو أدهى...
و مثلما قلت لأمّي في لحظة صفاء و نحن نمرّ ذات يوم قدّام حبس 9أفريل أنّها لا شكّ ستزورني فيه ناديت لينا و أمّها و قلت إنّ علينا أن نترك للشّكّ حيّزا و لو ضيّقا و أن نتهيّأ لاحتمال إيقاف لينا في انتظار استكمال التّحقيق و لاحتمال أن "تودع" بحبس حربوب حتّى يجدّ ما يصحّح الحال... كنت طبعا أعلم أن ليس ثمّة لا في واقع القضيّة المفبركة ضدّ لينا و لا في الظّروف الحافّة بها ما يدعو إلى الإيقاف أو يصحّ أن يبرّره لكنّي كنت أيضا واعيا بأنّ كلّ شرّ قد أصبح واردا في بلدنا المتحوّل هذا كما ملأتني قناعة بأنّنا غدونا نعيش وضعا سمته أن لا شيء من المواثيق و المعاهدات و لا شيء ممّا حبّر في الدّستور و لا شيء من مبادئ الاستقلالية و الحياد و لا شيء من الضّمانات في وسعه أن يؤمّن لتونسيّ أو تونسية مجرّد سلامته و إن هو لم يفعل ما من شأنه أن ينتج عنه تهديد لسلامته...
و أمام المحكمة راوغت رفيقة أيّامي و ذويّ و ظللت أتحرّك حتّى لا تغدرني ملامح وجه بدأ يصرّ على أن يعكس ما يضطرم في الوجدان ... و دفعت الشكّ الّذي بدأ يتسلّل إلى قلوب كثيرين ممّن جاؤوا يسندوننا و يدفعون الضرّ عن غد أبنائنا...
و بقدر ما كنت سعيدا بهؤلاء الأساتذة الّذين هبّوا و بهؤلاء المدافعين و المدافعات الّذين تكبّدوا المشاقّ و بهذه القامات السّامقة الّتي شرّفتنا بقدر ما كان توجّسي يضّاعف و أنا أرى الوقت يمرّ و يثّاقل ونضال لينا و حماتها الأشاوس لا ينتهي...
و لمّا خرج بعض من الحماة همس في أذني مدافع أنّه غدا خائفا يرى في الوجوه ما ينذر بشرّ فطمأنته و ما كان أحوجني لأن أطمأن...
و خرجت لينا.
خرجت باسمة رغم الوجع والإرهاق.
خرجت يستقبلها النّشيد الوطنيّ.
خرجت يحيط بها الأحبّة.
خرجت نحيّيها و تحيينا.
خرجت و في خروجها تجدّد الأمل و إحياء للحلم.
خرجت و مع خروجها سطع نور تآزرنا و عمّ الخزي صدور الأفّاكين.
[بعد لأي فهمت منها أنّها لم تسمع منّي شكّي و تحسّبي بل رأتني أبالغ و أشطّ حتّى سمعت حماتها يطلبون المترافع تلو المترافع غلق الملفّ و إن لا فإبقاءها في حالة سراح فاستعدّت للأسوإ...
كم كنتم رائعين يا كلّ من توافدتم من كلّ أنحاء البلاد ... من العاصمة و من بنزرت و من الوطن القبليّ و من بوزيد و من صفاقس و من القصرين و من دوز و من تطاوين و من جبلها الشّامخ و من بنقردان و من جربة و مدنين و من كلّ آفاق هذا البلد الّذي سيظلّ بكم شامخا لا ينثني و إن تردّد القدر...
كم كنتم رائعين يا كلّ من كتبتم و هاتفتم و خاطبتم و حبّرتم و حذّرتم و ميّزتم وأقنعتم و تمسّكتم بالحياد و الاستقلالية و وقفتم للحقّ و تصدّيتم لفسق لا فسق بعده و لعسف هو العسف أعمى...
كم أنا ممتنّ لعشّاق الحرّية في هذا البلد و في هذا العالم أفرادا و منظّمات و مؤسّسات ...
ما دام في الدّنيا أمثالكم فاللّيل سينجلي لا شكّ سينجلي ...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire