20 oct. 2011

رسالة إلى صديقاتي ورفيقاتي وأخواتي، نصف -الإنسان : دربنا شوكٌ... لكنّنا جَمَلُ مَحَامِلٍ... وسننتصر _ نشر بجريدة المغرب جزئيا بتاريخ 20أكتوبر !


على هذه الأرض، وإن صَغُرَت رُقْعَتُها ، مُتَّسَعٌ للجميع، وتحت هذه السماء، وإن تلبّدت غيومها من حين لحين، متنفّس للكلّ، وفي تاريخنا، الذي تحرّك بعد كساد، صفحات جميلةٌ زاهية وبلون قوس قُزَح علينا أن نكتبها ونرسمها جماعات وأفرادا، جميعنا، وبلا استثناء !
لا للتسلّط  ! لا للاستبداد ! لا للقهر ! لا للإقصاء ! لا للقمع ! لا للحرمان ! لا للتجبّر! لا للكراهية والبغضاء ! لا للاستغوال ! لا للكبت !...
بلدُنا حلو جميل زاه تنير شموسُه وأقمارُه ونجومُه للجميع ولا تركع لأحد !
بلدُنا جبال وسهول وصحاري وشواطئ وبحيراتٌ صنعناها من كدّنا، ومدن وقرى، وحضاراتٌ متتالية جابت البحار ونشرت خيراتها حتّى أقاصي دنياها، وعيون بألوان العيون كلّها، وسماتَ فيها الإفريقيّ والآسياوي والأوروبيّ، والمزيج من هذا وذاك ومن ذاك وهذا، وتراثٌ تغارُ منه حتّى الأمم العتيّة... بلدنا جهدٌ يوميّ نراه في نسوة يكدحن كلّ يوم في المصانع والحقول والمشافي والمدارس والكليات... بلدنا كدّ وعرق تُحَدّثُ عنهُ المصانعُ والمناجمُ والمرافق والحضائر والإدارات يجتمع فيه الأخ بأخته والبنت بأبيها والزّوج برفيقته ولا شيء يصدّ لا هذا ولا تلك ولا هذه ولا ذاك... بلدنا حبُّنَا، وحقيقتنا، ودربنا الجامع، وتوقنا إلى الأفضل والأبهى والأشفّ والأعدل... بلدنا أهازيجنا، صيحاتنا، أغانينا !...
ونحن... نحن نحن، شهد علينا العالم ذات 14 جانفي وبعده : تنوّع متوحّد، وموسيقات متناغمة... فينا من يصلّي في الجوامع والمساجد، وفينا من يصلّي حتّى في الشوارع والساحات، وفينا من يصلّي بكدحه وعطائه، وفينا من يصلّي في قلبه وبروحه، وفينا من لا يصلّي أحيانا وفينا من لا يصلّي بتاتا، وفينا من يتعبّد كما يتعبّد، وفينا الرائح والقادم والمتخفّي والخوّاف والمتخاذل والجبّار والحنون والكاذب والدعيّ والناجح والفالح والحقود والمترهبن والشّاعر والفنّان، وفينا من يكره النّساء ولا يؤمن بإنسانية متساوية، وفينا التّوق إلى الخلد، وفينا من أعطوا وبدّلوا، وفينا من ارتبك، وفينا من اشتبك، وفينا من حسب خطاويه، وفينا من لم يحسب ولم يفكّر وانطلق اندفع تنمّر تصدّى هاجم ومرّ أو انطرح... فينا ما فينا والبلد لجميعنا اِتّسع ويتّسع، وأيدينا تشابكت، وحناجرنا تآخت، وكان هيجاننا واحدا، واتّحدت أحلامنا، وتآخَيْنا أكثر، نحن الاِخوة الأخوات، ملأنا الشوارع وواجهنا الطغيان معا، تجاورنا وتشابكت أيادينا في الساحات وقوفا كالإعصار، ونياما بعضنا يحرسه بعض... وصنعنا ثورة عارمة انطلقت ولم تكتمل لن تكتمل لا غدا ولا بعد غد بل ستكون دفقا لن يتوقّف وجهدا لا ينثني.
نحن من رأت الدّنيا في ما أبدعناه منطلقا، وفعل بداية، وفاتحةَ طور آخر للبشر...نحن من أبدعنا ثورة أقدامها راسخة على ماض عتيق ومتراصّ الحلقات والظّفر، وأيديها مثقلة بحاضر يعالج ما فات ويعدّ للبناء، وعيونها أملّ وجَلَدٌ وتوقٌ وتطلّع، عيونها عيون زرقاء اليمامة تستكشف البعيد وتبشِّرُ بالسعادة...
نحن نحن... تونسيون كلّنا... إنسيون كلّنا... نحبّ بعضنا بعضا وإن نختلف... تونسيون، تونسيّات، بشر، ننهل من بربر وعرب وأفارقة وآخرين مرّوا فانصهروا أو فارقوا... تونسيات وتونسيون لا فرق بيننا، أفكارنا مِنْ أسْلَمَ يُسْلِم، وممّا قَبْلُ كان، وممّا جاء بعدُ من مُثُلٍ وخلُقٍ ومواثيق... تونسيون وتونسيات ليس من شيم أيّ منا أن نَطرُدَ، أو نُهَجّرَ، أو نسوّي نتوءاتنا وتضاريسنا واختلافاتنا بالعنف، ولا أن يفرض صاحب رأي رأيه، ونستحي أن نتكلّم نيابة عن الربّ أو أن نطغى باسم دين أو فكر أو إيديولوجية أو حقيقة مطلقة أو وهم... نحن حبّ، وجوار وتآزر، وإنسانية...
نحن حياةٌ كالحياة فيها التنوّع والألوان والنسائم والمشاعر والكدح والشّبق والمعاناة والجزر والمدُّ والصمود والتجاوز والأغنيات البديعةُ والتحاور الحقُّ !
هكذا نحن... وهكذا يرانا العالم...وهكذا ستكون ثورتنا التي لم نفق بعد من فجأتها... ثورتنا وقد زلزلت الدّنيا وخلخلت أركانها... ثورتنا التي لم نفقه بعد كامل كنهها، ولم نبصر بعدُ مداها... ثورتنا التي لن ولا تقف أيّا كان الضدّ والصَّدُّ، والمنع والبَكْتُ والكبتُ، والمالُ والعصَا، والشعارُ والعقود السريّة، والرياح العكسية والمعاكسات والانفلاتات والمغالطاتُ والمندسّون والمتسلّلون وبائعو ضمائرهم وأمّهاتهم، والمتخفّون والمتنفّذون والساعون من وراء حجب...
نحن هؤلاء... وسنكون كما نحن وكما نكون وسنكون !
فلنعدُ جميعا إلى جدّنا وعزمنا وإخائنا وحبّنا ولنهتف جميعا : "تونس للجميع : لجدِّكَ وجدِّي، لِأبيكِ وأبي، لأمِّها وأمِّه، ولبنتكَ وبنتي، لأخْتِهم وأختِكَ، لأخوالِنا وخالاتنا، لعمّاتنا وأعمَامنا، لجَاراتِهم وأجوارِنا... تونس حبّ وسلم للآتي، يمتدّ، ينبسط، يزيح قهرا وعسفا وحرمانا وانعدام عدل وخلوّا من الإنصاف... تونِسُ للجميع وكما يودّها الجميعُ : كلّ وشأنه، كلّ وهواه، كلّ وفكره، كلّ وإيمانه... ولا أحد فوق الجميع، أو على الجميع!"
وإن لم يكن فإن التّاريخ سيلعننا ويلعننا ويلعننا... ومآسينا ستطول وتثقل... وسيدوم قهرنا والمعاناة والتخلّف... وسيلازمنا الحرمانُ والتّيه... وسنبكي وندمع ويسيلُ دمنا فنذبح، ونضام ونقاسي... ونهانُ وننحني...
ولكنّنا لن نركع أبدا... إلى الأبد...
فلنقرأ تاريخنا... فلننظر في خمسين عاما مضت... أهِنّا، واحتُقِرْنَا، وهَزِئ منّا، وغُرِّرَ بنَا، وعُذّبنا، واِستخدِمنا كالعبيد، وحرمنا، ولم نذق للمواطنة معنى، وتحكّم فينا المستبدّ الغاشم فالفاسق الوبش... لكِنّنا على الدّوام تمرّدنا... وانتفضنا... وقاومنا...
منذ بداية الستينات قاومنا، وفي أواسطها انتفضنا بل وسبقنا شباب العالم كلّه فاِنتفض بعد أن انتفضنا، ومع مطلع السبعينات تمرّدنا، وفي نصفها الثاني عاودنا، وكذا في الثمانينات والتّسعينات وعلى امتداد العشرية الأولى من هذا القرن الذي صنعنا له ثورته الأولى... المسالمة والذكية... والعارمة...
لنقرأ تاريخنا هذا القريب... ولنتأمّله : لقد خُدِعْنا مرّات ومرّات ومرّات... وسُرِقَتْ تضحياتُنا مرّات ومرّات... وانهزمنا مرّات ومرّات... ولعبت بنا قياداتٌ وأحزاب ومنظمات وشخصيات... لكنّ الشعب ظلّ على الدّوام هو الأكبر، حتّى جاء المدُّ هادرا، ملوّنا، جميلا، دفّاقا، يتصدّره فتياننا وصبايانا، وتسندُهُ أمّهاتهم وآباؤهنّ... وهلّ الفجرُ !
لن نركع أبدًا !
لن نركع شعبا يُذَلُّ ! ولن نركعَ جنسا يهانُ ! ولن نركع جماعةً لقِلّةٍ، وكيانًا لفئةِ !
ولن يمرَّ الجهل والعسفُ والتستُّر والجور والسيرُ عكس تيّار التاريخ الجارفِ !
لن يخيفنا لا الوعيد، ولا التهديد، ولا الحرقُ، ولا الشعارات الجوفاء والادّعاءاتُ الباطلة !
لن يفلّ في سواعدنا لا الرّاشي والمرتشون، ولا المتخاذلون باسم النّجاعة، ولا المنهزمون حتّى قبل أن يحاولوا، ولا الذين يكبّلهم تاريخهم الذي سينفضح، ولا اللاهثون وراء مقاعد، ولا من تناسوا أنّ الحياةَ حقٌّ وواجبٌ وشراكةٌ !
"فإمّا حياةٌ وإمّا فلا !"
وقسما سنعاود... ونعاود... ونعاود... ضدّ كلّ باغين سنعاود !
وسننتصِرُ... سننتصرُ... وننتصر... وإن مات منّا مزيدٌ وذُبِّحنا، وحوصرنا وحوربنا وخُدِعْنا، وتحالفَت علينا كلّ طوائف البغي والاستعباد، وتكالبَ علينا الشرق والغرب : سننتصر !


                                                                الصادق بن مهني
                                                               17 اكتوبر 2011

1 commentaire: