29 déc. 2011

يومنا عسر...وعلينا أن نهيء لغدنا الواعد وإن تاخر !

الصادق بن مهني  08 ديسمبر 2011


الثورات كلها لا تنجز ولا تتم مرة واحدة.الثورات كلها دروب فيها شوك كثير وحفر ونتوءات وتعرجات وتأكد عودة إلى الوراء. الثورات كلها بحار فيها المد والجزر والرياح العاتية والتيارات المعاكسة. الثورات كلها يصنعها الغضب والتعب والقحط والتوق إلى الأعدل والأفضل، لكن أغلب  الثورات لا تنتهي إلى خير، أو لا تنتهي سريعا إلى خير ولا تحقق غاياتها، أو لا تدرك كل غاياتها. ومن الثورات التي تهب أشرعتها توقا إلى الحرية وتحقيق إنسانية الإنسان ثورات تنتهي خطواتها الأولى بأنظمة أشد استبدادا تستبدل لون الماضي وشكله ولسانه لكن لتحتفظ بطبعها الشرس والقامع والمذل والمعطل...
وكما يمكر الإنسان، ويمكر القدر، ويمكر الزمن، يحدث أن تمكر الثورات... وكما تراوح الشمس بين شروق وغروب، ويراوح النبت بين نماء وسبات، ها هي ثورتنا، بعد أن راوحت منذ 14 جانفي حتى انتصاب التأسيسي بين مد وجزر ومد تنسحب إلى مرحلة جزر وجزر وجزر... ويخفت المد فيها إلا من ارتعاشات خفيفة تؤشر لقادم أبهى، وتتشهد على بقاء الروح صامدة وفي توثب...
لقد خرجوا من جحورهم، واستفاق من كان منهم في سبات غيرأن الأزمان التي لا يرونها إلا ثابتة...لقد كشروا عن أنيابهم وها هي مخالبهم يشهرونها في وجوهنا سيوفا قاطعة... لقد أطلقوا عنان ألسنتهم سياطا تلسع صدور بناتنا -  أبنائنا، وارتفع عويلهم – صراخهم – نعيقهم يصم الآذان ويغطي على أهازيجنا ... انظروا كيف يتهالكون على كراسي قادتهم إليها الصدفة الماكرة وحدها وكأنهم في محل استرخاء... وانظروا إلى زعاماتهم – المعروفة والتي تتنافس لتبرز – كيف يندلع الشرر من عيونهم وكيف لا ينطقون إلا ليتهكموا ويسبوا ويفرضوا...
وانظروهم طواويس تستأسد وتنفش ريشها ... وانظروا بعض نسائهم تنسى في أي دار هي وتندلع واقفة تناصر ذويها صراخا وتطاولا ... واسمعوهم في كل الإذاعات والمنابر والتلفزات يغزونها منددين بأن الآخرين يستفردون بها، وآخذين بتكتيك و"ضربني وبكى، سبقني وشكى"... وانظروهم ينتهكون حرمات الجامعات ضجيجا وعويلا على انتهاك مزعوم لحرماتهم وتابعوهم في الفايس بوك قذارة وثلبا وخساسة هم الزاعمون أنهم حملة الطاهر الذي لا يأتيه الباطل أبدا ... وتابعوهم كيف يدفعون  ليدفعوا ويجيشون ويكذبون ويهيئون للتطاحن ويبنون جدران العزل بين الناس : أولئك كفرة ومن في صفنا نحجز لهم في الجنة ... واسمعوهم لا يتورعون عن ألفاظ كالحرب الأهلية يستدعونها صارخين أن الآخرين هم الدعاة، يهيجون الشبيبة ويتقولون عن المتظاهرين العزل إلا من تشبثهم بأحلامهم أنهم مثيرو شغب ومحترفو تهييج وعملاء فرنسا ... فيما هم يجعلون زمن التأسيسي حلبة عراك واستعراض عضلات وألسنة ويدعون لا تمثيل للشعب فحسب بل أنّهم هم الشعب !
 مكروا بالناس ... مكروا بأنفسهم ... مكروا بالثورة : أهدافها وتضحياتها ونداءات المحرومين واستغاثات الجرحى وهموم البطّالين ...
مكروا وانقادوا إلى شهوتهم يستعجلون شد وثاق السّلطات منيعا حتى لا تفلت من بين أيديهم لا اليوم ولا غدا، وتآزروا – وهم شتّى وعلى خلاف – ينصبون أنفسهم أوصياء على الناس جميعا أن ينحنوا لوصايتهم، غالبين على الناس جميعا أن يركعوا قدامهم، غالبية على الأقلية أن تخضع لهم، ديمقراطيين يتعين علينا كلنا أن نصمت في حضرتهم لا جدال ولا حوار ولا كلاما ...
مكروا واشتد بهم الصّلف، وتآخوا مع الصّفاقة وتهيؤوا لإخضاعنا ...
 وإنني لأرانا – أراكم نقاد – تقتادون إلى مخافر كالمخافر وإلى إيذاء كالإيذاء وإلى تعديات كالتعديات ... وإنني لأرانا – أراكم في شوارع بين الماشي والماشي فيها مساحات، يخيم عليها الثقل والسماكة والحراسات العديدة ...
 وإنني لأراكم – أرانا في عتمة أعتم من عتمة ... وإنني لأسمع حوافر مدرعات وأتبين كمامات، وأحسنا-أحسكم تنهال علينا هراوات، وتدمع عيوننا غازات خلنا أنها غدت من الماضي ... وإنّني لأخشى أن أرى مرة أخرى دموعا وأحزانا دكناء وحتى الأحمر الغالي يسفك ...
مكروا ومكروا ومكروا ... وصعب أن ينثنوا عن مكرهم ... فنشوة اللامتوقع وسكر اللامنتظر يجعلان المرء يهذي ويختال ويخال نفسه محصنا، والسّلطة التي أعمت بصيرتهم بمجرد أن اقتربوا منها ستذهب بكل قيمهم وتعهداتهم وما تبقى من أخلاقهم من لحظة انقضاضهم على عصيّها ودواليبها ...
مكروا ومكرهم شديد ... فهم معنا بألسنتهم وأحجامهم لكنن عقلهم هنالك عند السلطة، هنالك حيث النفوذ، وأيديهم تمسك منذ اليوم بل الأمس بحركاتنا تشلها وبأحلامنا تخنقها ...
هم يفعلون: يخططون – أو يخطط لهم – ويبرمجون ويفعلون .
 ونحن لا نفعل سوى أن نرد الفعل . نرى الأفق ولكننا لا نرسم دربنا إلى الأفق .
 قدرهم أن جاءت ثورة فخطفوها . وقدرنا أن شبابنا – شاباتنا اجترحوا ثورة فضيعناها . وقدرهم أن يتهالكوا على السلطة حتى يهلكونا ... قدرهم أن تهلكهم السلطة التي تهالكوا عليها. وأن ينهلكوا ...
 وقدرنا أن نصمد . قدرنا أن نقاوم .قدرنا أن نرجئ مرة أخرى معانقتنا لحلمنا الجميل وأن يبتعد عنا مرة أخرى غدنا الآتي .
فغدنا الواعد آت لا محالة، آت لا محالة .
علينا فقط أن نعرف هذه المرّة كيف نمضي نحوه، كيف نمسك به، وكيف لا ندعهم يسرقونه منا

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire