22 janv. 2012

غضبَة شعبنا هذه المرّة لن تنتهي إلى... الانتهاء !


كلّما ائتمن شعبنا أحدا أو طرفا على مصائره وأطلق له العنان في ذلك إلاّ وانتهى به الأمر إلى الخسران.
ولطالما فعل شعبنا ذلك. فَفُعِلَ به ما فُعِلَ. وساءَت أحواله.
وكلّما انتهى الأمر بشعبنا إلى الخسران وسوء الحال إلاّ وانفجر غاضبا يولول ويهدر وحتّى يدمّر.
إلاّ أن غضب شعبنا كان كثيرا ما ينتهي بالتلاشي. بل وكثيرا ما كان شعبنا سرعان ما ينقاد إلى وعود جديدة، ويرضى بإعتذارات فضفاضة ويسلّم أمره لغيره من جديد وبما يشبه الغباء أو التغابي أو براءة الصبيان بل بلههم.
وككلّ مرّة سعى ساعون من مشارب شتّى إلى أن يسيطروا على غضبة شعبنا بل هبّته بل ثورته، وناوروا وداوروا وتقرّبوا وتودّدوا وأحيانا هدّدوا أو توعّدوا وأطلقوا الفزّاعات ولا يزالون، واستلفوا عباراتهم بل كلامهم بل خطبهم من قواميس الماضي- قريبه وسحيقه- وتجرّؤوا حتّى على الاتّكال على الهراوات – الماديّة والأخلاقية منها- وعلى القمع –بوجوهه الشتّى- ولم يتردّدوا لا أمام مغالطة أيّا كان فُحشُها ولا أمام البهتان والكذب والادّعاء !
لكنّ بين مناورات المرّات السابقة ومناورات كبح جماح هذه الثورة فرق هامّ : كلّ الغضبات السابقة كانت تنتهي بعودة مقاليد السلطة إلى القابضين عليها من قبلُ وإن بتلوين طفيف. أمّا هذه المرّة فلم تفلح جميع جهود فلول السلطة القديمة بعد أن فقدت رأسها في استعادة جميع قدراتها ومواصلة استحواذها على مقاليد الأمور.
تضافرت لذلك عوامل عديدة منها ما هو ظاهر ومعلوم أو يمكن استشفافه، ومنها ما هو خاف ولا يتحرّك إلاّ من خلف ستائر بل حجب بل ظلال، ومنها ما هو من هنا، ومنها ما قدم من هنالك أو دُبِّرَ له بعيدا بعيدا. ولكن سيّد العوامل المتضافرة هو أنّ غضب شعبنا هذه المرّة كان أعمق وأحكم وأبهى وأكثر إبداعا.
فشعبنا هذه المرّة قد طلب المعالي جميعا وهنا –في كلّ أنحاء هذا الوطن وبواطنه –والآن- الآن وليس غدا-
وشعبنا هذه المرّة لم يعد يقبل بالوعود –وإن خدعت بعضه الوعود بالجنّة هناك في السماء الباقية وبالرحمة هنا في المعبر القصير إلى الباقية-... شعبنا لم يعد يستسهل ائتمان الآخر- الآخرين على مقاديره، ولم يعد يقبل بيسر أن ينقاد إلى ترك زمام أمره في يد غيره...
لذلك لم يهرع أغلب ناخبيه إلى مكاتب الاقتراع رغم الحملات ورغم إغراء الإحساس بحلاوة الانعتاق من الإملاءات القديمة والقدرة على الاختيار...
ولذلك وزَع أصواته في كلّ وادي وإن سبهللا...
ولذلك لفظ كلّ من شمّ عليه رائحة السلطة الآيلة إلى الانهيار...
ولذلك لم ينسق وراء من بذلوا قصارى جهدهم لتلميع السلطة القديمة وهي تسعى إلى التجدّد بصورة وألفاظ وحركات زعيمها المتسلّط المؤسس...
ولذلك يسّر المتهافتين جدد هرولتهم إلى الكراسي...
لكنّ شعبنا، وإن هو نوّب من نوّب وأوكل الأمر لمن أوكل له الأمر، فإنّه ما يزال يصرّ على أن لا يعود لصمته واصطفافه وانتظاره و يوضح كلّ يوم أنّه لا يفهم كيف يجرؤ النّائب على أن يتعملق على المنوّب يعمل على أن يفرض عليه خياره، ويلوّح هنا وهنالك أنّ غضبته لم تخفت، وأنّ هبته لم يَخبُ اندفاعها. وأن ثورته.... مستمرّة...
شعبنا هذه المرّة اِئتمن دون أن يكفّ عن المراقبة ودون أن ينقطع عن المطالبة... ورفض أن يعود إلى الحضيرة والصمت... وشمت في الداعين إلى "هدنة" يلزمون بها غيرهم ويغتنمونها لزرع العيون والتابعين في كلّ مكان...
شعبنا هذه المرّة قال لمن اِئتمنهم : "أعطيتكم فرصة لتخدموني ولن أدعكم إن زغتم عن خدمتي، تستعبدوني... وأنا مستعجل فلتستجيبوا... وأنا أعرف طريقي ودللتكم عليه فإمّا أن تسلكوه وإمّا فتحت ما تحسبونه رمادا جمر وسعير..."
شعبنا، هذه المرّة، رفض أن تترجم أحلامه بغير ألوانها الحقّة، ورفض أن تسفّر مطامحه إلى الغد الأفضل وبلدان الجوار وبني العمومة الأقصى والأقسى...
شعبنا، هذه المرّة، سلّمكم زمام أمره وهو يقول لكم : "أمرنا ليس لغد، وليس صلاة من أجل بعد غد، أمرنا، يا سادتي-خدمي، كرامة وعدل ومساواة وتنمية هنا والآن ولنا جميعا..."
شعبنا، هذه المرّة، لن تنطلي عليه الحيل والألاعيب والرنّانة، والمتستّرة ومدّعية النبوءة، والمتكلّمة باسم الله وهو لم يفوّضها ناطقة رسمية باسمه، وشعبنا، هذه المرّة، لن تفزعه الهراوات ولن يرهبه تنفيذ قوانين مستوردة من العشريات المنقضية، ولن ترعبه فتاوي من لقيات القرون الخوالي، ولن ينساق وراء سرابات وخيالات...
شعبنا لم يعد يخاف دون أن يقوى على أن يقهر خوفه...
شعبنا لم يعد يسالم ويهادن ويطيع إلاّ وهو يثق، ولم يعد يثق إلاّ وهو يثق ويعلم ويدري ويتثبّت... شعبنا لم يعد يقبل أن يُصْنَعَ له غدُه بل هو يحرص على أن يسهم في نحت غده صورة ومبتغى ودربا ومنتهى...
فلتتأمّلوا... حتّى لا نتألّم منكم كثيرا... وحتّى لا تنساقوا إلى فعل إن أنتم انسقتم إليه فلن تلبثوا إلاّ قليلا قليلا قبل أن تنخلعوا، ووقتها : بئس المصير !


 نشر بجريدة الموقف بتاريخ 7 جانفي
                                                                                                          الصادق بن مهني
                                                                         4 جانفي  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire