22 janv. 2012

الزهراء

نشر بجريدة الصباح بتاريخ 6 جانفي 2011الزهراء مدينة أو قرية اشتهرت طويلا بجمالها و طيب العيش فيها فسكنها فنّانون ومسرحيّون ومصوّرون،وألهمت رسّامين عالميين وتغنّى بها شعراء كثر .
وإلى حدّ نهاية تسعينات القرن الماضي أفلحت الزّهراء في أن تحافظ على كثير من رونقها الذي كان يصنعه لها خصوصا رحابة شوارعها ونظافتها ، وكثرة الأشجار والحدائق العامّة والخاصّة ، وتناسق المباني ، والشّاطئ الجميل .
    بعد ذلك استشرى الفساد في الزهراء كما في عامّة البلاد, وأصبحت المجالس البلدية مجرّد شاهد زور على ذبح المدينة وإهدار إمكانياتها وتشويه عمرانها ... بل بلغت الأمور خلال العشرية المنقضية حدّا جعل الزهراء تنعت بالإصبع والقلم بأنها أحد معاقل الفساد المنظّم متعدّد الأوجه والانعكاسات ، فظهرت أحياء فوضوية كاملة ولم تعد التّراتيب العمرانية والمعمارية سوى أدوات للمقايضة . ومع اندلاع الثّورة هبّ متساكنون كثر ونادوا بالإطاحة بالفاسدين في المجلس البلدي وتطوّعوا لخدمة الصّالح العام .
غيرأن السلطات الجهوية والحكومة لم تستفيدا من هذه الهبّة وتراختا فواصل الفاسدون أنشطتهم وإن من خلف سُترإذ أن أبرزهم تخفّى خوفا من المحاسبة لكن استمرّ يحرّك صنائعه فرخّصوا في إحداث عشرات الأكشاك وانطلق هو يبني حيثما وكيفما يشاء .
وأمام إصرار النّاس على التّصدّي ومطالبتهم بالمعالجة اضطرّت السّلط العمومية إلى تعيين نيابة خصوصية لكنها لم تحسن تشكيل تركيبتها ، فجاءت هشّة أغلب أعضائها تنعدم الخبرة لديهم وغير متجانسة لأن المعايير السّياسية طغت على اختيار منتسبيها ...
ولم تتأخّر النّتيجة كثيرا فها هي الفوضى تعمّ كلّ مكان وها هي الحرمات تنتهك وها هي قوانين التّعمير وتراتيبه تداس ... ومن بين ما يحدث ويبنى بمخالفة مبان لا تسيء للجمالية وحقوق الأجوار فحسب بل حتى ما يخلّ بسيولة الجولان وبحسن استخدام الطّرقات .
ولعلّ من أبرز المباني العشوائية التي هي بصدد الإنشاء وسيعسر تدارك حالها لاحقا بل سيستحيل ، المباني التي تقام على جانب الطّريق الوطنية رقم 1 وخصوصا منها ورشة صيانة السيّارات التي احتلّت ركنا من مفترق مدخل المدينة وأصبحت تشكّل خطرا داهما ودائما على العابرين وتوسّعت حتى على الملك العمومي . والمباني التي تنجز داخل منطقة التدخّل العقّاري للوكالة العقّارية للسّكنى وعلى جانبي الطّريق الفرعية الرّابطة بين حمّام الأنف ورادس التي سيغدو من العسير تطويرها مستقبلا.
أماّ في داخل المدينة فالمساكن الفردية تتحول إلى عمارات والحدائق يغطّيها الإسمنت . ويكفي للتّأكّد من ذلك مثلا المرور من شارع فرنسا حيث تبنى عمارات غير قانونية أبرزها تلك الواقعة في مدخله من ناحية النّزل  التي بلغت طبقتها الخامسة ، إو التّفسّح على الشّاطئ حيث يتواصل البناء دون احترام لتراتيب مجاورة الملك العمومي البحري كما هو الحال عند مفترق نهج نهرو وعند آخر الكرنيش. والأمثلة عديدة وكثيرة ومتناثرة ومن أبرزها احتلال إحدى المصحّات للطريق العام ذي الحركية الكثيفة الرّابط بين حي الحبيب وبلدية بو مهلّ.
فأين النّيابة الخصوصية ؟  وإلى متى ستسكت هي ومعها المصالح المكلّفة بالتّعمير والطّرقات والملك العمومي والشّواطئ والعمران ؟ وإلى متى ستظلّ السلط الجهوية والسلط المشرفة عليها في سبات ؟
   الحالة لم تعد تتحمّل الانتظار ...والمعالجة ما تزال ممكنة في مواقع كثيرة . وللبلدية من الموارد البشرية ما يسمح لها بالمواجهة (خصوصا وأن الأعوان انتدبوا  ورسّموا بالعشرات )، والمتساكنون قد أظهروا مؤازرتهم للإصلاح وعلى أهبة ليسندوا المجلس البلدي لو صحت مساعيه ، ولم تعد ثمّة إمكانية للتّعلّل بالعجز أو الخوف من ردّ فعل الشّارع .
والنّاس جميعا يتساءلون : أين إدارة التّجهيز والإسكان وأين الوالي ؟ وهل من المعقول أن يسكتا على ما يحدث وأن لا يؤازرا  نيابة دورها محوري إمّا بتحريكها أو بتبديلها ؟ ولماذا لا يتدخّلون مباشرة على الأقلّ في الحالات التي تنتج عنها انعكاسات يتجاوز أثرها البعد المحلّي ؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire