22 nov. 2011

في استعادة أموال الفساد المهرّبة إلى الخارج !


نشر بجريدة المغرب يوم الخميس 10 نوفمبر 2011

لا أعتقد أنّ أحــــدا،غير عصابة السوء، كان يمكنــــه، قبل 14 جانفي، أن يقدّر حجم الفساد و النهب الذي تضرّرت منه بلادنا و لا أعتقد أنّ أحــدا من خـارج حلقات السلطات السياسية و المالية، كان في وسعه أن يقدّر حجم الأموال التي تمّ تهريبها و إلى أين و كيف تمّ تهريبها.
بل لا أحد، إلى حدّ يومنا هذا، يمكنه أن يتحفنا بفكرة واضحة حول كلّ هذه المسائل . غير أنّ ذلك لم يمنعنا جميعا من التفاؤل و الحلم بأن تستعيد بلادنا و لو بعضا يسيرا ممّا هرّب منها بغاية أن تستخدمه في تحريك الدورة التنموية الذي حرمت منه!

بل إنّ منّا من بادر إلى تسليط الضوء على الموضوع، أو إلى استثارة السلطة و لفت  انتباهها إلى  تأكّد اتّخاذها لإجراءات لا يمكن تأجيلها، بل إنّ منّا من بادر حتّى باتّخاذ بعض تدابير وقائية ابتغى منها  التوّقي من آثار بطء البيروقراطية.
و غالبنا يحسب الآن أنّنا سنسترجع جزءا معتبرا من الأموال و الممتلكات التي انجرّت عن فساد ؛ و ممّا غذّى هذا الحسبان و قوّاه أنّ السلطات المؤقّتة قد أعلنت في مناسبات عديدة عن اتّصالات أجرتها في الصدد مع بلدان هرّبت، أو من الممكن أن تكون هرّبت، إليها أموال فاسدة المصدر،و نوّهت باتّخاذها إجراءات أوّلية لتجميد أموال فاسدين، و كلّفت مختصّين، لهم صيت و خبرة،  باسترجاع أموالنا .
 و لا شكّ أنّ عديدين منّا  مستبشرون،  متحمّسون، و ربّما يكون البعض قد مضى حتّى إدراج  تقديرات لهذه الأموال ضمن موازنة برامجه التي وعد بها الناس !
 لكنّ الأمر للأسف الشديد، لا يبدو، في واقع الحال، بهذه البساطة  !
 و لنأخذ مثلا على ذلك الأموال المطلوب استرجاعها من سويسرا :

  • أوّلا : سويسرا هي التي بادرت،  بعد الثورة تلقائيا، اعتبارا لما شاع عن إيوائها لحسابات مشبوهة و بداعي تطبيق القانون الدّولي المتعلّق بالفساد و بتبييض الأموال، بادرت بأن وضعت قائمة أوّلية في  فاسدين محتملين، و طلبت من بنوكها وضع لائحة في حساباتهم الينكية  و تجميد أرصدتهم .
  • ثانيا : و سويسر ا هي التي عدّلت هذه القائمة  بالتنقيص أوّلا ثمّ بالتوسيع.  و من المرجّح أن لا أحد يدري، غير سويسرا،  لا كيف وضعت القائمة و لا كيف و لماذا عدّلت. كما ترجّح بعض المصادر أنّ تعديل القائمة في ثلاث مناسبات (بداية فيفري 2014) قد تمّ  استجابة لتدخّلات طرف تونسي لم تقع تسميته.و على سبيل المقارنة، تذكر معطيات أنّ البنوك التونسية قد أعدّت في الأيّام الأولى التي تلت 14 جانفي قائمة حسابات فاسدة أو تطالها شبهة فساد فات عدد المعنيين بها الألف .ثمّ وقع الاكتفاء بقائمة لم تحتوي إلاّ أقلّ من 250 حساب منها أقلّ من 120 لشخصيات مادية.
  • ثالثا:   استجاب عدد ضئيل من بنوك سويسرا للحكومة (أقلّ من 15 بنك   من مجموع بنوك يتجاوز عددها ال 300) ووضع لا ئحة في حسابات مرسّمين على القائمة (مثل الهارب و بعض أقاربه)، وجمّدت هذه الحسابات.
و قدّر مجموع ما جمّد من أموال بحوالي 60 مليون أورو فقط لا غير ! 
و تجميد هذه الأموال لا يعني حرمان الأشخاص التي هي مودعة بأسمائهم منها بصفة باتّة . بل إنّ الأموال تظلّ مجمّدة عامين أو ثلاثة أعوام في انتظار أن يفصل قضائيا في واقعها و مآلها.
  • رابعا: التجميد  الذي أقرّته سويسرا تجميد مؤقّت يتعيّن دعمه بطلب عدليّ من تونس. وهو ما تمّ على  ما يبدو بعد تعثّر !
علما أنّ القضاء و السلطات في سويسرا لا تتخّذ إجراءات التجميد بسهولة با أنّها تسقط طلبات التجميد لأبسط التعلاّت كعدم  الدقّة في تحبير الطلبات، أو السهو عن ذكر معطىيات أو عدم كفاية تبرير الطلب.
  • خامسا : يتعيّن، بعد ذلك، بدء إجراءات استرداد الأموال وفقا لإجراءات معقّدة من أبرز عناصرها وجوب إستنادها إلى أحكام تصدر ضدّ المعنيين تثبت ـوفقا لمعايير دولية ـ الفساد الفعليّ  لمصادر الأموال المراد استردادها هي ذاتها.
أي أنّه لا يكفي أن تكون  الأموال مودعة بأسماء فاسدين لكي تعتبر هي ذاتها فاسدة.
كما أنّ الاحتجاج بعدم قانونية إجراءات المتابعة أو بعدم نوّفر شروط المحاكمة العادلة
أو بوجود خلفية سياسية  يمكنه أن يؤدّي إلى عدم الاستجابة  لمطالب الاسترداد!
  • سادسا : في حال توّفر الشروط و المعايير و الإجراءات اللازمة، تنظر العدالة السويسريــة في طلبــات الاستــرداد و تبـتّ فيهــا  لكن في وقــت قــد يمتــدّ سنوات و سنوات...
هذه هي ـ محوصلة و مبّسطة و مخفّفة، لإجراءات استرجاع الأموال المهّربة.
 و يظهر منهاـ عدا عسر الاسترجاع ـ وجود مطبّات و عراقيل عديدة تستدعي تدخّل ذوي الاختصاص من صحافيّي التقّصي و رجال القانون و ذوي الخبرة في أمور تكوين الشركات و الشركات ـ الواجهات، و في تقنيات نقل الأموال و الأرصدة و تنقّلها من حساب لحساب و من الأسئلة التي يطرحها ما سلف ذكره :
ü    ألا توجد سبل لمزيد ضبط قائمة الفاسدين المحتملين؟ و لمزيد تدقيق قائمة الحسابات المحتمل فسادها و أرصدتها؟ و المـــرور عبرها إلى اكتشاف حسابات و أرصدة أخرى ذات صلة ؟
ü    ألا توجد حلول عملية للكشف عن الصلات بين القائمات و الحسابات المكتشفة أو المفصح عنها في مختلف البلدان؟
ü    ألا يجب أن يعتمد تنسيق صارم بين  اللجان المكلّفة  بمحاربة الفساد و بالمصادرة و بالاسترجاع  بحيث يستفيد كلّ طرف من المعلومات المتوّفرة لدى  الآخرين؟
ü    و ألا يمكن  الانطلاق من الاتفاقيـــات الاقتصاديـــة و الماليــة و عقود الشركات و قرارات التفويـــت و التمتيع  بالحوافـــز الماليـة و الجبائيــة  و قرارات الاقراض للكشـــف شيئا فشيئا  و طبقة بعد طبقة عن شبكات التهريب و التبييض و السلب و النهب؟
ü    بل ألا يمكن مثلا حتى النظر في حيثيات عقد اتفاقيات شراكة و تعاون مع بلدان  لا وجود لمصالح وطنية فعلية معها وذلك بموجب قوانين كذلك الذي وافق عليه مجلسا النوّاب و المستشارين المبرم  بين تونس و إحدى الجزر الأصغر من صغيرة و النائية؟
بل أو لا يمكن أن يجرى تدقيق مالي على عيّنة من الشركات والأفراد، من الشركات والأفراد (فعيّنات ثمّ عيّنات غيرها٠( للنظر في ما اكتسبه خلال العشريتين الأخيرتين و يطبّق عليها قاعدة : "من أين لك هذا؟"
نعم . كلّ هذا ممكن لو توّفرت الإرادة السياسية  الحقّة، و تمّ الشروع بجديّة في  تركيز منظومات عدالة انتقالية، ووقتها فقط يصبح استرجاع جزء مما هرّب و نهب ممكنا !


                                                                                              الصادق بن مهني
                                                                              4 /11/2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire