22 nov. 2011

ملاحظات وأسئلة سريعة إلى" اللّجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الفساد والرّشوة " بمناسبة إصدارها لتقريرها و"العرس" الذي رافقه .

نشر بجريدة المغرب بتاريخ 22 نوفمبر
 
الآن وقد تفضّلت بإخراج تقريرك إلى" الرّأي العام حتّى يعتبر الجميع بما عاشته البلاد من ممارسات " حسب تعبيرك ، اسمحي لي " سيدتي اللّجنة." وأنا أنادي اللّجنة كلجنة حتّى لا يعود أعضاؤها المهيمنون عليها ليتباكوا بتعلّة الصّعوبات والعراقيل التي واجهوها من قبل حسّادهم ومناوئيهم، ويفصّلوا لنا من جديد التّضحيات الجسيمة التي تكبّدوها سهرا وإهمالا لأعمالهم الخاصّة وسندويتشات وإنفاقا من جيوبهم على الحفل الذي تكرّموا به على الصّحافيين، وكأن عملهم ليس انخراطا تلقائيّا في الجهد الوطني العام يكسبهم الشّرف والخيلاء،بل منّة من عارفين على شعب لا يعرف .كما يحلو لي أن أدعو " اللّجنة " باللّجنة حتى أعطيها شيئا من أنوثة كادت تغيب من تركيبتها حيث لم تضمّ بهيئتها أكثر من امرأتين مقابل 22 رجلا .
وباعتباري أحد التّوانسة الذين لا يقبلون منّة من أحد أوجّه للّجنة الكريمة سؤالا أولا هو :
- لماذا صرفت من جيوب أعضائك وقبلت أن يطبع تقريرك على حساب منظّمة غير حكومية ( أجنبية ربما؟ ) والحال أن الفصل 22 من المرسوم المحدث للّجنة ينصّ على أن تحمّل مصاريفها بما فيها تنقّلات أعضائها وتنقّلهم على ميزانية الوزارة الأولى؟
بعد هذا أسأل اللّجنة: هل انتهت أعمالك ؟ وإن نعم متى انتهت؟ لقد أكّدت منذ نهاية الصّيف الماضي أن أعضاء هيئتك الفنّية قد حدّدوا تاريخ الانتخابات التّأسيسية نهاية لنشاطهم؟ ثم أعلنت أنك ستكشفين يوم الانتخابات عن تقريرك وملفّات ثقيلة (ومن حقّ النّاس أن يتساءلوا لماذا يوم الانتخابات؟ وليس قبلها أو بعدها ؟  بل قبلها؟ ) ثم أجّلت الأمر لأسباب لم تفصحي عنها ؟ وهنا أسأل أيضا:
- ما هي طبيعة تقريرك:هل هو التّقرير الذي نص  الفصل 20 من مرسوم إحداثك على أن ترفعيه في نهاية أعمالك لرئيس الجمهورية؟ أم هو يندرج ضمن " التّقارير الأخرى" التي سمح لك الفصل 21 بنشرها ؟
و قبل أن أنتقل إلى فحوى التّقرير أستسمحك سيدتي اللّجنة في سؤالين إضافيين هما:
- إجابة عن أسئلة حول بقاء عدد من الفاسدين ذائعي الصّيت يرتعون وينعمون بما بين أيديهم من مقدّرات الوطن وحول هروب البعض منهم ، أجاب عضو منك أنك لا تملكين للأمر حلاّ ، وأن المسؤولية في ذلك تقع على السّلطات المعنيّة . وأنا أسألك، كريمتنا اللّجنة"="وإذن ما  معنى ومغزى ومفعول الفصل 14 من مُحدثك المرسوم عدد 7 لسنة 2011 المؤرّخ في 18فيفري  2011الذي يتيح لرئيسك الموقّر جدّا جدّا "أ، يطلب من السّلط المختصّة اتّخاذ الإجراءات التّحفّظية المناسبة ... لمنع إحالة الأموال والممتلكات أو التّصرّف فيها أو نقلها أو إتلافها " ؟(وهو ما تمّ على الأقلّ مرتين )
- وبخصوص التّقادم الذي مثّل أحد مواضيع مشروع مرسومك الذي سكتت عليه الحكومة ( ص 294)
ألم يكن في وسعك اعتماد الفصل  19  من مرسومك الذي  نصّ على أن " كل قيام [ أمامك] يعتبر عملا قاطعا للتّقادم ولآجال سقوط حقّ القيام " ؟
-والآن أودّ ، سيّدتي اللّجنة ، أن أشكرك على تفضّلك  بالسّهر على راحتنا ، نحن قرّاء تقريرك بما أنّك كفيتنامؤونة  قراءة  "التّوجّهات الأساسية" لعملك التي نصّ الفصل 2 من مرسومك على أن الهيئة العامّة  تتعهّد بالنّظر فيها (وأصارحك القول بأن مثلا رائجا قد راود ذهني في الخصوص لكنّني ما زلت أطارده وأطرده . والمثل هو: " فاقد الشّيء لا يعطيه " ... وأنا أطرده حتى لا أظلم أخصّائيّيك الكبار وكذلك، لأن تفسيرا آخر شاع حول طبيعتك ومقاصدك بدأ يراودني ا. ) .
كما أعبّر لك عن امتناني أيضا للجهد الكبير الذي بذلته لتعرضي علينا ، نحن  القرّاء، وعلى السّلطة الحاكمة مشروع مرسومك الإطاريّ المتعلّق بمكافحة الفساد. فأنا قد وجدت في المشروع ما يفيد بحصول قراءة للقوانين والمواثيق الدّولية ذات الصّلة ... وبعد أن كنت قد عارضت  تسرّعك في استصدار المرسوم وتهافتك عليه ( لحد أنك أصدرت بيانا عبّرت فيه عن استبشارك  بموافقة مجلس الوزراء عليه...فكنت سبّاقة السبّاقين في لوائح الاستبشار والبهجة بعد 14 جانفي) واعتقدت أنّك اقتنعت خلال ملتقى الحمّامات وندوة قمّرت بضرورة التّأنّي وتوسيع المشاورة، عدت الآن ممتنّا لك حقيقة إذ أن المرسوم سيعجّل بإراحة أعضائك الموقّرين المرهقين ويسمح للقادم – هيئة عامّة لمكافحة الفساد  - بأن يتسلّم منك ملفّاتك ووثائقك وذاكرة بلادنا التي جمعتها قبضتك  .
وبخصوص هذا القانون الإطاري اسمحي ، سيدتي اللّجنة ، بأن  ألاحظ أن تعريفه للفساد ( الذي هو التّعريف الدّولي ) الوارد في الصّفحة 304 من تقريرك تعريف ضاف وشاف لكنه – للأسف الشّديد – لا يبدو جليّا أنّك أخذت به في أعمال هيئتك الفنّية. وأرجو أن لا يعتبر كلامي هذا سعيا للتّدليل على الفرقة والقطيعة بين جناحيك .
أما في خصوص الحكايات والقصص الواردة في تقريرك، فأنا أعتذر لديك ، سيّدتي اللّجنة إذ أصارحك القول بأنها لم تأت بجديد: فأغلبها أو شبيهها اومثيلها قرأنا عنه عندما كانت قراءة بعض المنشورات مخاطرة ، أو نقرأ عنه الآن في الصّحف التّونسية والأجنبية ، وأنا أشدّد هنا على التّونسية لأن هذا مكسب محسوس من مكاسب الثّورة ونشاهد تحقيقات تفصيلية حوله في القنوات التّلفزية العربية والدّولية وأحيانا حتى التّونسية .
نعم ، لقد تفاعل معك كثيرون ممّن لم يكونوا يعرفون، أو ممّن كانوا لا يريدون أن يعرفوا،أو ممّن استهوتهم استعراضاتك وإثارتك ، وحماسك في تفصيل ما هو مفصّل ، ولم ينتبهوا انك –في الأثناء –
سكت( كيف ولماذا ؟ ) عماهو أهم = حيتان كبيرة أخرى ، والسّعي إلى تفكيك منظومات الفساد بفروعها  وعناصرها كلّها = السّياسي والتّشريعي و القضائي ... وصمتك المطبق عن موضوع العدالة الانتقالية وآلياتها الاستثنائية ، و حتمية المساءلة والمحاسبة وجبر الأضرار.
ولأنني معجب بفخارك ومفاخرتك ، ولأن في نفسي شيء من سادية تدفعني أحيانا إلى الرّغبة في إفساد العرس ( لكن بغاية أن تكون أعراسنا دائمة وحقيقية وحبلى ) ا.
أستسمحك ، سيدتي الّلجنة، في أن أبلغك بعض تساؤلات أبلغت إلي :
- قصصك وحالاتك لا تمثّل عينات . فالعيّنات تختار وفقا لمعايير . وما وضعته في تقريرك هو سرد إنشائي وضع كما اتفق وحسب ما تراكم . ولا يُظْهِرُ منهجا في التّناول والبسط ...اللّهمّ ا.
- أمن الصدفة أن لم توجد بين حالاتك ملفّات كبرى ينتظرها الناّس كملفّ جمعية " أمّهات تونس" سيّئة الذّكر؟ وملفّ الاتّحاد الوطني للتّضامن الاجتماعي الذي بلغك؟
- ولماذا لم تقدّمي ما يفيد بشأن الملفّات التي طرحتها( أي ما هو غير الملفّات المحالة على النّيابة العمومية وثلث العرائض التي لا موضوع لها ).
- ولماذا تخلّيت في تقريرك عمّا تمسّكت به طويلا من واجب حماية النّاس لأن أي متّهم بريء حتى تثبت إدانته ؟فكشفت ستر  مؤسّسات وأشخاص ليس من  دورك إدانتهم... وأنا أسألك هنا  كيف سيتعامل ضمائر أعضائك مع من ذكروا في تقريرك وثبتت براءته ( ذكر أحد أعضائك البارزين أن النّيابة العمومية لم  تأخذ ب لحد ّتاريخ تصريحه ب 6 ملفّات أحالتها) .
 ولرئيسك الذي ظهر جليّا أنّه يحب الحكايات المثيرة ويروي بحذق الغرائب والعجائب كعدد " صبابط " المخلوعة وطلبات التّطليق  أقول إنه بلغ إلى علمي  أن إحدى السيدات  التي ذكرها التّقرير ،والتي من المرجّح جدّا أن تتمّ تبرئتها ، أصبحت مهدّدة بخراب أسرتها .
- لماذا لم تفيدينا بأي شيء حول الشّكاوي التي رفضتها . ومنها ما سلّمت فيها مكاتيب تصحّ عليها تسمية "صكوك براءة" ( يهمّ بعضها وزارة الفلاحة ) ومنها  - مثالا – حالة تعدّ ضرائبي قلت عنها ما مفاده أنه لا يمكن مراجعتها لأن الشّاكي قد قبل بعد بتسوية في شأنها والحال أنه اشتكى إليك من فرض التسوية عليه؟ وكيف لم تقولي لنا شيئا عن الحالات التي استرجعت فيها أموالا ولا كيف تمّ ذلك .
- ولماذا بدل أن تتحصّني بالحصانة التي منحك إيّاها مرسوم إحداثك لا تحصّني أعضاءك  بتصريح على الشّرف يفيد عدم صلتهم بأي أعمال مخلّة بالنزاهة والشّرف .
- وأخيرا ، سيدتي اللّجنة ، أودّ أن أسرّ في آذان بعض من أعضائك ( الذين كانوا زملاء لي قبل أن أنسحب منك ) أننا دخلنا إلى عهد من المفترض أن لا يكون فيه استفراد لا بالرّاي ولا بالقرار، ولا غطرسة وتدافع ، بل إصغاء وحوار وتوافق .
                                                            الصّادق بن مهنّي      19 نوفمبر 2011
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire