5 juin 2010

إلى الأستاذ الجليل الجيلاني بن الحاج يحيى بمناسبة صدور نشرة جديدة من كتاب :معركة الزلاّج 1911

إلى الأستاذ الجليل الجيلاني بن الحاج يحيى بمناسبة صدور نشرة جديدة من كتاب :"معركة الزلاّج (1911)"
أستاذي ، أخي ، أو كما تعوّدنا أن نناديك : "عمّي الجيلاني".
كثيرا ما عنّ لي أن أكتب إليك . و لكنّي لم أجرؤ على الكتابة و لو مرّة . و كثيرا ما تحدثت عنك في مجالس خاصّة من عمق نفسي و مع اشتعال جوارحي ، و لكنّي لم أتحدّث عنك بحضورك و في مناسبة عامّة إلاّ مرّة وحيدة : بمناسبة الاحتفال بحصولنا على الترخيص للفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية .
و ها أنّي أجدني هذه المرة مدفوعا من داخلي لأن أكتب إليك ، و لأن أرغب منك في أن تسمح لي بأن أنشر على الملإ ما أكتبه إليك . أمّا ما حرّك سواكني و استفزّ قلمي فهو صدور النشرة الجديدة من كتاب :"معركة الزلاّج (1911)" الذي وضعته منذ مطلع ستينيات القرن الماضي مع الكبير الكبير محمّد المرزوقي .
عمّي الجيلاني ،
و أنا أقرأ الكتاب مجدّدا أدركت أنّني كنت قرأته عشرات المرّات . و لمّا أدركت ذلك أدركت أنّه كان لكتابك شأن هامّ في تكويني و أثر كبير على كياني .
فأنا قرأت الكتاب يافعا ، و قرأته طفلا ، و قرأته و أنا أهرول إلى شبابي ثمّ قرأته شابّا في حياته شيء من تجربة و معاناة .
و يخيل إليّ الآن أنّني لن أجانب الصّواب إن أنا صرّحت بأنّه كان لكتابك فعل في مسار حياتي بل و إن أنا اتّهمتك : "إنّك بكتابك قد نحتّ شيئا في فؤادي و قددت شيئا من عقلي . و دفعتني -برفق- نحو مساري " لقد كان لكتابك عن "معركة الزلاّج" أوّل أثر فتح عينيّ على النضال ، و أوّل أثر بيّن لي -و إن دون تصريح- أنّ النّضال واجب ، و أنّ أوّل المعنيين به و المقبلين عليه هم ساكنو الهوامش ، و أنّ التاريخ لا ينسى و إن بدا لفاعليه أنّه ينسى ، و أن النّضال عطاء دون انتظار ، و معاناة صرفة و سعادة حيث لا تنتظر السعادة . و من كتابك أيضا تسلّل إلى عقلي برهان بأنّ التحدّي ممكن و واجب و أنّ الديّجور -وإن اشتدّ- لا بدّ زائل .
بعد ذلك ، جاء زمن كنّا نبحث فيه عن كتب نتعلّم منها كيف نقاوم و كيف نصمد و كيف نصبر ... و من هذه الكتب كان كتاب "بابيّون" (فراشة) لهنري شاريار الذي تحدّث عن "كايان". و لأنّني كنت قد قرأت كتابك عن "معركة الزلاّج" فلقد عرفت أين تقع "كايان" ، و ما هي ، ... و من الكتاب الثّاني عدت إلى الأوّل ... و رأيت فيه كيف تواصلت الحياة بعد أن طال صاحبها ما هو أعسر من الموت و أفظع .
عمّي الجيلاني ،
بعد ذلك قرأت لك في مواضيع و مآرب أخرى . لكنّني ظللت أقرنك ، على الدّوام ، بكتابك عن "معركة الزلاّج" . وعرفت نضال شعبنا مذ أصابه الاحتلال ، و أبعد من ذلك قبلا و بعدا ، لكنّني لم أنس أبدا ما قرأته عن "معركة الزلاّج" . و ظلّت هذه المعركة أصل النّضال في و جداني .
و عرفتك بعد ذلك بضحكتك ، و طرافاتك ، و تلك الشكائر الضّخمة ملأى خضرا و غلالا ، و القفاف ملأى كتبا وحُبّا ، و ذلك البذل المتحضّر -المتواضع- الذي لا يسمّي نفسه بل يتخفّى استحياء - الذي يفيض منك ، و من خالتي حبيبة ، رفيقة أيّامك ، على عشرات لا أشكّ في أنّه يسعدهم أن أقول أنّنا أحسسناكما ، كلّنا ، أبا و أماّ لنا جميعا و ليس لفتحي و حده .
عمّي الجيلاني ،
بعد ذاك كان النّور . و استقبلتنا جميعا في بيتك في يوم -ليلة لن يقدر الزّمان و جوره على أن يمحياهما من ذاكرتي ، بل و من و جداني : لقد كنت أنت الشمس -المركز- المحور ، و من حولك كنّا - بعضنا خارج من الوحشة للتوّ ، و بعضنا سبق بالخروج و لكنّه كان ما يزال يستذكر بعناء كيف يخطو المرء خارج الوحشة ... وحولك -حولنا كان أحبّة و أصدقاء و متعاطفون ، و أيضا ... جماعة من السّلط .
و هنا أتّهمك بتهمة أخرى :"لقد علّمتني- علّمتنا أنّ في البشر ، جميع البشر ، خير و إن هم ظلموا ، أو استكانوا للظلّم و سكتوا عنه" .
بل و أتّهمك أيضا بأنّك جمعت بين التناقضات و أوحيت لنا بأنّ الصّفح شيمة الضّحايا ، و ناديتنا إلى عوالم أرحب ، و علّمتنا أن الحياة تنّوع و تعدّد .
عمّي الجيلاني
لقد كنت على الدّوام معنا ، و ببسمتك و طرفتك و إشارتك شبه الخفية أو المستحيية علّمتنا أنّنا ، قبلا و بعدا ، من وطن واحد ، و أنّ على من كابد و ضحّى و صمد واجب أن يقاوم على أكثر من صعيد و صعيد ، وواجب أن يشهد ، و واجب أن يستمّر .
عمّي الجيلاني
اعتمدت في توجيه التهمة إليك على جوارحي و وجداني . ولم أسند تهمي لا لفصول قانون و لا لتعلاّت تحقيق ... و بالمنهج ذاته أحكم عليك بأنّك واحد منّا ، بل و من معلّمينا ... و أقول لك : إنّني سعيد بأنّك ابتسمت لي ذات يوم عندما قلت لك أنّني أريدك أبا ثانيا لي ، و لم ترفض . و أرجو أن تقبل أن أمضي هذا بإضافة "فاء" في مطلع إسمي: فصادق .
24 مارس 2009
ملحق : هل تعلم عمّي-أبي- صديقي أنّ النّص المكتوب على نصب الزلاّج بباب عليوه هو من خطّ صاحبك الشادلي بن غربال ؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire