5 juin 2010

أرادوها ظلاما دامسا وأردناها نورا ودفءا

الى رفيقي صديقي أخي جلبار النّقاش الذي صدر له آخر شهر فيفري كتاب عنوانه : ماذا فعلت بشبابك؟ .
*-*-*-*-*-*-*-*


رفيقي صديقي أخي !
لقد كان للقائي بك في برج الرّومي وقع في نفسي وأثر في حياتي يرافقانني حتّى اليوم.
ولقد كان لمعايشتي إيّاك في برج الرّومي، أنت ورفاق ذكرتهم في كتابك، فعل في فكري وفي قلبي بل وفي كلّ كياني...
ولقد تعلّمت منكم الكثير، الكثير : ارتيادَ دروب شتّى في المعرفة، والتّغاضي عن العسف، واجتراحَ مضاربَ رحبة للفرح، والإغراق في التّسآل لكن دون التّيه فيه، وإبصار السّماء الزّرقاء جميعها من مجرّد مربّع صغير، ورفض الانحناء وإن انعدم السّند ووهن البدن، والإيمان الطّفولي بأنّ غدا مشرقا لا بدّ أن يأتي وإن طال الزّمن، والتحفّز للعطاء وكأنّه الكسبُ، ومطاولة الاِنشراح وإن اشتدّ وطأ الكابوس...
ومعكم تعلّمت كيف يتحوّل الصّبر ملكةً، وكيف يغدو التّجاوز غريزةَ، وكيف يكون الثّبات دينا.
وإلى جانبكم عشتُ انصهار الرّفاقة بالصّداقة بالأخوّة فغدونا إنسا بشرا ليس إلاّ...
وبفضل إزركم تحوّل الكابوس حلما لذيذا، والضّيق سعةَ، والسّرابُ حقٌّا، والوحدة تعدّدا...
كم سهرنا حول فكرة، وتعبنا خلف رأي، وتحلّقنا حول أغنية، هرّة، أو خطاب
وكم نهلنا من حلم، قصيد، ينبوع نتخيّله، أو أفق ابتغيناه رغم البعد رفيقا...
كم مررنا من ثقب إبرة، وجرينا على حدّ قاطع و"حرقنا"الحدود والعذابَ والآخرون نيام...
كم قرأنا، وكتبنا، وابتدعنا وتداعينا إلى أمل شمس قمر وحضور في الغياب...
كم قهرنا السّأم، والهمّ، وعواء الذّئب، وإغواء عروس البحر، وسياط الضّيم، والشوق إلى الآخر واللامحدود، والتّيه، والجور، وجذب الغريق...
معك ومع رفاق آخرين ذكرت بعضهم في كتابك، ومنهم ناشرك ذو القلب الواسع كضحكته الهدّارة، تعلّمنا كيف نصنع من الظّلماء نورا، وكيف نزيح الأبواب المقفلة من خارج الجدران السميكة الأسوار المكهربة الأضواء الكاشفة العيون الفاضحة النوايا الخبيثة مخطّطات الهدم والعسف، وكيف يظلّ داخلُنا دَاخلنا، ويرسخ العزم، وينمو الزّهر فينا، ويمتدّ بنا البصر حتّى الأقاصي، ونغلب ونحن هناك لا نهرب ولانرهب...
معك ومع رفاق أصدقاء إخوة منهم من رحل ومنّا من رحل شيء منه مع من رحل تصدّينا، تحدّينا، دمنا وداومنا...
وكم ضحكنا، وضحكنا، وضحكنا، وفرحنا...
معك ومع رفاق أصدقاء إخوة آخرين، وعلى مدى سنين أرادوها ظلاما دامسا وأردناها نورا ودفءا، فغلبنا، اعتدنا التآخي، وقطعنا مع الملل والنّحل والقبائل، وارتدنا مرابع طفولاتنا فألفيناها مرابع طفولتنا، ونظرنا صوب الآفاق فرأيناها أفقا واحدا في كلّ عين من عيوننا...
أخي صديقي رفيقي :
قرأت كتابك فكتبتُ هذا...
وقبل أن أكتب خطّطت لأكثر من مقال وتقديم وتحليل...
غير أنّ وجداني ناور وحاور وداور، وانبثق عنه في لحظة واحدة وحيدة وبدفق ما انبثق...
فلتقبله كما هو، أو فلتحاوره وتحلّلهُ على عادتك في تلك اللّيالي، ولتسِمُه بما تشاءُ من نعوت أنت تحسن إبداعها...
ولكن دعني، قبل ذلك، أضيف : صديقي ما زالت في عينيك غمامةُ حزن أريدكَ أن تطردها، وما زال في نفسك شيء من نكد أريدك أن تذرُوَه، ويا حبّذا لو أطلقت العنان لروحك لتنهل وتنهل وتظلّ تنهل من الفرح الذي كرعت منه معك، ومعهم، هناك...
صديقي رفيقي أخي :
شكرا لك لأنّك كتبت... فلأنّك كتبت اِلتأم شمل بعد طول انقطاع، ولأنّك كتبت غالبتني الكلمات وانتَصر قلمي عليّ.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire