5 juin 2010

رأي على هامش اليوم العالمي للكلى تجارب و ملاحظات

و أنا يافع رأيت أبي، كم من مرة يتألم و يئن- و الأنين كان لديه كالصراخ لدى غيره... ووقتها بدأت أعلم شيئا ما عن الكلى و دورها، و خبرت معنى أن تنزل من الكلى حصاة، بل حصوات
ولأن أحد أقاربنا قد اضطر إلى الاستغناء عن أحدى كليتيه- لمرض ما -وفي زمن كانت فيه الجراحة ما تزال شبه بدعة و أمرا عجيبا، فلقد عرفت -و أنا ما أزال طفلا أن كلية وحيدة تكفي الإنسان ليعيش ومازال قريبنا -لحد الساعة- يعيش و صحته عال العال و أرجو له العمر المديد و الصحة الدائمة.
...
وفي طور الشباب عايشت آلام الكلى تجتاح وداعة رفيقي محمد الصالح و تعصف بصبره فتجعله ينتفض و يرتعد ويغرق في عرقه و هو يغالب صراخا يريد أن ينطلق فتصده خشية المطارد المتخفي.

...

ثم و أنا كهل عشت سنوات و سنوات ملأها الهلع، و توقع موجع، و خشية مشلة، و أمل صعب، و شعور بالعجز، ورجاء كثيرا ما يخالطه الإحساس بعبثية الوجود و كفر به، و قليلا ما كنت أحسه نورا يبزغ قدامي عند الأفق,

...

وفي الأثناء كان ما كان، و أصاب الداء العضال- رغم حذر الأطباء و فعل الأدوية.و جزعنا كليتي ابنتي لينا... و كان قصورهما أو... فشلهما... و في الأثناء أيضا عرض صديقي كمال ابن الحومة بدنه لمشرط الجراح يخفف عن كليتيه عبء حصوات راكمتها المواجل و عذابات الظلام.

...

وخلال عام ونيف تتالت الأيام تصفية دم، و آلات تشفط و تنفث، و أطفال بل حتى رضع، و شباب، و كهول، و شيوخ يغتال المرض حميميتهم، و لا يعود يربطهم بالحياة إلا خيط عنكبوت هو الوريد البلاستيكي الذي يربط أوردتهم بالآلة...

و تعلمت عيناي كيف تصبران أمام أعين تتردد بين الوجع و الجزع و بين الصبر و الرجاء.

و علمت كيف استمد من خوفي بل من هلعي، ومن غيظي صبرا و أملا أبثهما في الأطباء و الممرضين و الفنيين و المرافقين فيعودان علي صبرا و أملا أكثر.

و لأسابيع طويلة رأيت ابنتي –كم من مرة؟-تثقب من كوعها و عند العانة و تنظر ساعات طوال لدمها ينبثق إلى آلة الغسل بجوارها ( هل أحب هذه الآلة أم أكرهها؟) و يعود إلى شرايينها في دورة موجعة... ثم لأشهر رأيت ابنتي سجينة آلة الغسيل الصفا قي تظل- لساعات و ساعات- مربوطة إليها، ثم لساعات وساعات تحمل عبء سائل يملؤها (ليحميها نعم ...و لكن؟..).

...

ثم ...منذ عام كانت عملية الزرع ...

أم لينا ولدتها ولادة ثانية ...

أم لينا أمدت عمر ابنتها بان قاسمتها كليتيها.

ورأيت أطباء و أعوان صحة يجتهدون لإخفاء خشيتهم و يستمدون من أعماقهم قوة ينفثونها فينا.

وكان الإعداد، و التهيؤ، ثم الموعد المؤجل فالموعد فاليوم-اليوم,

و تزامن اليوم مع يوم الحب...

ومضى كل شيء على ما يرام ...لولا فيروس خبيث مشاكس تسلل إلى غرفة العمليات و عذب رفيقة دربي و معاناتي و عذب معها الأطباء و معاونيهم,

وفي الأثناء رأيت بعضا مما يقاسيه الأطباء و العاملون في الصحة العمومية: عمليات تتالى، و قاعة جراحة تنوء بأحمالها، و أروقة يسلكونها و يحمل فيها المرضى و المتبرعون بعد الجراحة، أبوابها مشرعة على الهواء البارد الرطب...و أقارب لا يطيقون صبرا يتسرعون لسماع خبر يطمئن قلوبهم .

كم هم ملائكة أهل الصحة من كبيرهم إلى صغيرهم ...

...

خلال تلك الأيام التي ظلت خلالها أم لينا تغالب أوجاعها بفرحتها للينا ، و ظلت خلالها لينا تصابر من غرفة العناية المركزة لتنتصر و تفرح جميع من فرح لها بعد أن جزع،و لتكافئ أهل المستشفى على تعبهم و جهدهم بفرح رؤيتها تعود للحياة ...بل و تعود إليها أقوى، خلال تلك الأيام تثاقل الزمن و لكنه كان أبهى..

كم أحبكما يا أيها الجراحان شبيل و درويش أنتما و كل من في قسمكما.. و كم أحبكم أيها الأطباء الطيب و المنذر و شمس و فاطمة و كل جمعكم، و كم أنت رائع يا قمري ، يا رسول الخير..

و يا الشاذلي و حليمة، و دوسن، و ليلى، و أكرم ،و عبد الرحيم.

و المحمدون و رمزي و كلكم أنتم الذين خبرتكم، كم أنا مدين لكم،بل كم هو مدين لكم مجتمعنا..

...

وبعد عملية الزرع هاهي لينا تعود إلى الحياة قوية , و ها هي تمارس رياضات بعد أن كانت محرومة من أي رياضة... بل هاهي تعود من تايلاندا ومن ليبيا –مع آخرين و أخريات من المستفيدين من زرع أعضاء- بميداليات ذهبية و فضية و برونزية لا شك أن شعور الفخر بانتزاعها يتعدى من حصلوا عليها و أطبائهم و أهاليهم ليغمر كل أحباء الوطن و بناته.

أيها القارئ هل فكرت في أن تتأكد من سلامة كليتيك؟

و هلا سارعت لتبدل بطاقتك الشخصية بما يفيد بأنك –بعد عمر طويل- متبرع؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire