5 juin 2010

إلى النّجمة الشابّة آمال المثلوثي تأتّرا بحفلها بالمرسى23/06/2009

عمّا كنت أبحث وأنا أقبِل على حفلك الشبابيّ وأنا المقبل مندفعا على خريف العمر؟
وما الذي اجتذبني إليك أكثر من غيره ؟ : شَخصُكِ الأخّاذ ؟ أم صوتكِ المنغّم ؟ أم موسيقاك المشرّشة في نغمات كلّ الأمكنة والأصقاع وجميع عهود عمري ؟ أم إدماني السّفَرَ إلى الأقاصي القصيّة والأغوار السّحيقة والقمم المنيعة وسابعة السّموات وأنا في الهنا والآن ؟
وراء ماذا كنت أجري وإلى ماذا كنت أمضي وأنا أتبعك إلى المرسى ؟
هل السرّ في صوتك المنغّمّ الزّجل الطّرب و ذبذباته وترنيماته المتأصّلة في الأطلس البربريّ كما في سباسب القيروان والوسط التونسيّ، والمتعانقة مع برد الجبال الكردية، والتي تتفتّح زهرا فيه رقّة وحزن رقيق وحنين حنون، وتنطلق إنطلاقة مهر عربيّ فتيّ يمرح في خضرة الشّمال الإسكندنافيّ، تم تتمرّد مدنَ صفيح جذلي فيها عبق وخيال وتوثبَ قارّة نيرودا والتشي التي ما نزال ننشّد إليها وتحيّرنا وتغرينا، ثمّ تشدّنا إليها من أيدينا وتسحبنا إلى صدرها أهازيج تصدح بها "جوان بايز" وتتحدّى بها المطرَ وهيليكوبتارات البوليس حشودٌ تنادت إلى "وودستوك"، فتجعلنا نحبّ وجها من أمريكا ونحن في عزّ سخطنا على همجيتها ؟
أم أنّ السرّ يكمن في عذوبتك طفلة تأبى أن تخرُجَ من طفولتها ويتخفّى حياؤها خلف بسمة ملائكية القسمات والسّحر، ويعاند محيّاها الصَّبُوح. ونطقها الخجولُ وإشعاع الضّحكة في عينيها ثورة الجسد -الأنثى المنطلق ؟
أم أنّني أهرع إليك شوقا إلى لينا أضمّكما بنتين أختين حنّ عليّ بكلتيكما القدر وفيكما ما فيكما من حيرة وتسال وفيكما من شذى الياسمين ونداء الغد وإغراء التمرّد ؟
هرعت إلى حفلك فإستمتعت وطربت عاد بي الزمن إلى مرابع الصبى وأحلام الشباب.
موسيقاك عذبة، وفيها تنوّع وتعدد يسعدان العطشى إلى التعدد والتنوع...
موسيقاك عمق وانتشار وسعة وغطاء رفيق وعسل...
لكنّ موسيقاك هي أوّلا وقبلا صوتك...
عزفك جميل كالقرنفل، وفيه رقة النرجس ودفق الشباب الغر المتوثب، وفيه لقاء القارات والأنواع والحقب، وفيه تناسق الجذور المتأصلة مع الأغصان المنطلقة نحو الآخر والمختلف والبعيد جغرافية وزمنا-القريب تماثلا وتشابها وتوقا إلى الأرقى والأبهى...
غير أن سرّك الأول ودرتك المكنونة الأشد جاذبية والأنفذ سحرا صوتك أوّلا وقبلا...
في صوتك تموّجات النسمات العليلة، وارتعاشة الأحاسيس الوليدة، وحفيف جريد النخل العالي، وشيء من ضحكات جدتي، ونغم الكلمات الأولى لطفل لم يزل يحبو، وفيروز بحرنا، وزلال هادر قادم من الأعماق يملأ "وادي بياش" فيضانا خيرا، وسكينة صبيّة ترقب الأفق من على هضبة سيدي بوسعيد أو مرتفعات قربص أو برج قليبية...
في صوتك نور يملؤك كاهنة وجازية وولادة وفيروزا وصليحة وجوان بايز...
في صوتك نغمات كنائسية من القدس وترتيل آذان من عكا وترنيمات مد وجزر قابسية ودفء حضن أو خليج...
صوتك يهدهد، يهز، يفيض، يحزن، يؤلم، يسعد، يسكر، يضني ويريح.
وقفتك على الرّكح فيها رقّة سنابل القمح تهدهدها ريح طيّبة، وفيها تواضع العنفوان والصلابة، وفيها جلدٌ يتخفّى في ظلّ بسمة، وفيها هدوء الصّابر ينفجر عطاء وتجاوزا وانطلاقا، وفيها ثبات الطالب يرقص ولا يترنح، وفيها شيء من سكون الرذاذ ورقة معزوفته.
أغانيك التي ألّفتها فيها طهر وسخاء وشجن وألم السؤال وتغريد المؤمن بالفوز القادم وحزن المتشائل وحلم الأمس المسترسل وتوق المدمن على الانعتاق...
غير أنه لا داعي بتاتا لأن تكبّل كلمتك الحرة حرّية صوتك وانطلاقة صرختك وحدّة آهتك ورقصات نشيد ترنيماتك الصافية ولو لطرفة عين... فصوتك هو السرّ، وهو الوردة الأزكى، وهو مهرة لها أن تندفع كالرّيح المنعشة، وهي نورس له أن يحلّق ناصعًا مغرورا،وصيّاد لآلئ له أن يجدّف جذلا في بحره الجميل.
طريقك بيّن مفروش معزوفات وأغان وتواصلا... ولك أن لا تخافي خوفك بل أن تبني عليه مجدك وأن تنعمي بحضن جمهور تماهى معك وسعد بك... وعليك أن تكبري وتكبري وترتفعي نجمة لألاءة في سماء لا تنتهي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire