5 juin 2010

عمّي الجيلاني : أنت، وإن غادرتنا، لم ولن ترحل !

أنت فينا... أنت مشرّش في وجداننا، أنت زيتونة ألفية ضربت بجذورها في كلّ أنحاء بلدنا... لا أحد لم يقرأ لك... بكلّ تأكيد : لا أحد لم يقرأ لك حتّى وإن شحّت القراءة : من لم يقرأ لك طفلا قصصك الممتعة قرأ لك تلميذا في الثانوي مأثرتك أنت وصديقك محمد المرزوقي عن حوادث الجلاّز، أو قرأ لك شابّا ما حقّقته من كتب، أو قرأ لك كهلا تلك الطّرف التي جمّعتها فأتحفتنا،... أمّا الشيوخ فقد عرفوك مناضلا وطنيا بقلمك، تجترح المستحيل فتخرج عليهم بمجلاّت لا تني ترفع رأسها رغم الهراوات... أنت فينا... في وعينا وفي لاوعينا : أنت قامة لا ولن تتمدّد... أنت فارس لا ولن يترجّل.
أنت فينا... في عقولنا وفي قلوبنا وفي كلّ أنحاء هذا الوطن.
لقد حميت لغتنا إذ قرّبتها إلينا أكثر بقواميسك، وكشفت لنا تحفا من تاريخنا أريد لها أن يطمرها النّسيان...
أنت فينا لأنّك كنت على الدّوام فاعلا وبناء بل مشيّد صروح :
المطالعة الوطنية، نادي القصّة، نوادي المدينة العتيقة، نوادي الثّقافة في كلّ مكان ، مسؤولياتك في وزارة الثّقافة وفي الألكسو... كفاحك ضمن جمعية صيانة جزيرة جربة... مكتبتك التي أهديتها لمسقط رأسك، دارك التي كانت مقصد كلّ باحث عن استفادة أو متعة فكرية أو توجيه... أنت فينا... فنحن أولادك... أنت في كلّ التونسيين ، لأن كل تونسيّ مدين لك بفكرة، بمعرفة، بكلمة، بإضاءة، ولأنّ أحبتك هم بكلّ ألوان الطيف !
أنت فينا لأنّك من القلائل الذين جمعوا فأوعوا... من القلائل الذين أحبّوا الناس جميعا ولم يبخلوا على أحد... أنت المثقّف العضوي الحقّ : كنت في كلّ مكان، ووقفت مع كلّ من استحقّ أن تقف معه
عمّي الجيلاني : أنت فينا جميعا ولكنّك في قدماء اليسار أكثر وأكثر :
لكم حميتنا، ودافعت عن براءتنا، لكم دفعت عنّا الطّوى، وتحمّلت المشاق من أجلنا. لم نحسّ أبدا أنّك والد رفيقنا فتحي وحده بل أحسسناك دائما أبانا جميعا وأحسسنا رفيقة دربك، خالتي حبيبة، أمّا لنا كلّنا
عمّي الجيلاني : آخر مرّة استمتعت خلالها ببسمتك الوضّاءة كانت حفل تقديم كتاب محمد الصالح فليس، وآخر مرّة سمعت فيها صوتك العذب الأبويّ كانت مهاتفتك لي قبل أيّام تعزّيني عن اغتصاب مسكني ونهبه
أذكر أنّك قلت لي : "عجبا لماذا تتهاطل المصائب دائما على الطيبين ؟ "
عمّي الجيلاني : أنا فخور لأنّك أشعرتني دائما أنّني واحد من أبنائك.
وأنا معتزّ لأنّك أحللتني في واحدة من إهداءاتك مقام ولدك
عمّي الجيلاني : كثيرا ما لمتني لأنّني لم أكتب كتابا وكثيرا ما هاتفتني فأحرجتني بإطرائك لهذا المقال أو ذاك ممّا كتبته بجريدة "الجزيرة" وكثيرا ما أشعرتني أنّك تنتظر أن تقرأ لي ولقد حدث أكثر من مرّة أن وعدتك : وقسما سأكون عند وعدي.
عمّي الجيلاني : انعم بمآثرك، التي لن يطويها الزّمن، وانعم بخصالك التي لا تنسى، وانعم بما زرعته وبثثته فينا : تقديس الجهد، وحبّ البذل، واحترام الآخر، والصبر الجميل، والتوق إلى الأجمل.
عمّي الجيلاني : أنت، وإن غادرتنا، لم ولن ترحل.
الصادق بن مهني

3 commentaires: